مقاتل من حزب العمال الكردستاني- صورة أرشيفية
مقاتل من حزب العمال الكردستاني- صورة أرشيفية

خلال شهر مارس الماضي، صنّفت الحكومة العراقية حزب العمّال الكردستاني منظّمة محظورة. وبدت الخطوة كأنها مقدّمة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق التي حدثت قبل أيام وحملت جدول أعمال حافلاً وملفات معقدة بحثها أردوغان مع المسؤولين العراقيين في بغداد وأربيل.

خلال زيارته، صرّح أردوغان بأنه يأمل رؤية "نتائج ملموسة" لهذا التصنيف، مضيفاً أنه يتطلّع إلى "المساعدة العراقية في هذه المعركة".

هذا التصنيف يعتبر "تطوراً نوعياً في موقف العراق الرسمي تجاه طلبات تركیا في هذا الملف"، بحسب قراءة الصحافي الكردي فرمان رشاد.

لكن حتى الآن "لم يوافق العراق على طلب تركیا الدخول العسكري المباشر في مواجهة حزب العمال"، يضيف رشاد.

ويستبعد الصحافي الكردي أن يدخل العراق في حرب مع حزب العمال، لكنه يعتبر أن العراق قد يغض النظر أكثر إذا فاقمت تركيا من عملياتها العسكرية.

وملف حزب العمال الكردستاني يعتبر ملفاً حيوياً واستراتيجياً بالنسبة إلى تركيا في علاقتها مع العراق، كما يشرح رشاد. يقول "في الثمانينات، تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين يسمح للجيش التركي بالدخول بعمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي العراقية للقيام بعمليات عسكرية فقط دون تأسيس معسكرات کما نشهد الآن. ومع ذلك، ترکیا تعتبر أن الحكومة العراقية لا تقوم بواجباتها تجاه الحدود، وأن من حقها استخدام هذا الاتفاق كتبرير لدخول الجيش التركي بعمق 40 كم داخل الأراضي العراقية وإنشاء عشرات القواعد العسکریة في مناطق الحدودیة في محافظتي دهوك و أربیل".

لكن ما يحدث اليوم تضرب جذوره عميقاً في التاريخ. فالمشكله الكردية في تركيا عمرها من عمر الجمهورية نفسها، أي منذ العام 1923، كما يشرح الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين لـ"ارفع صوتك".

العراق وتركيا.. صداقة قوية وخلافات لا تنتهي
منذ بضعة أيام أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارة إلى العراق لبحث عددٍ من القضايا المشتركة، على رأسها النفط ومياه نهري دجلة والفرات والمشكلة الكردية فضلاً عن العمل على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المجالات الأمنية.

وعلى الرغم من مرور قرن بكامله، على هذه المشكلة، فهي لم تجد حلاً لها والسبب الأساسي والمباشر لذلك، بحسب نور الدين هو ان "النخبة الحاكمة في تركيا سواء كانت علمانية أو عسكرية أو إسلامية لم تنظر إلى المشكلة الكردية إلا من زاوية أمنية، ولم تر في هذه المشكلة أن هناك شعباً له مطالب محقة تتعلق بالتعبير عن هويته اللغوية والثقافية، ولما لا السياسية، إذا سنحت الظروف والتوازنات بذلك".

هذا جعل التعاطي الأمني مع هذه المشكلة، يطبع العلاقة بين المركز أنقرة والمجموعات الكردية التي تتواجد بشكل مركّز في جنوب شرق البلاد على حدود سوريا وعلى حدود العراق وعلى حدود إيران.

وبحسب نور الدين، فإن "المشكلة في الأساس هي مشكلة تركية داخلية وحتى تتجنب النخبة الحاكمة في تركيا إعطاء الأكراد مطالبهم المحقة في جميع الأحوال فإنها دفعتهم في أوقات متعددة إلى أن يتركوا الداخل التركي ويتجهوا إلى دول الجوار في سوريا والعراق. وبذلك اتخذت هذه المشكلة لاحقاً أبعاداً إقليمية ودولية يتدخل فيها عدد كبير من القوى والدول الإقليمية والدولية".

في العام 1974، تأسس اتحاد "طلبة الدراسات العليا في أنقرة"، وسعى لتجنيد الطلاب الأكراد في صفوفه، وتزّعمه عبد الله أوجلان الذي لُقِّب بـ"آبو". من هذا الاتحاد تكوّنت المجموعة القتالية "جيش التحرير القومي"، وبات أعضاؤها يُعرفون بِاسم "أتباع آبو".

وخلال عامٍ واحد، انتقل أفراد هذه الجماعة من أنقرة إلى المناطق الكردية حيث بدأوا في شن عمليات عسكرية من هناك. لم يكن "العمال" أول حزب كردي ينتهج العنف لتنفيذ أجندته السياسية، إنما نشبت أول حركة كردية مسلحة سنة 1925 أعقبتها حركة "آرارات" (1927- 1931) ثم حركة "درسيم" (1937-1938)، وجميعها قُوبلت بقمعٍ عنيف من الحكومات التركية.

قبل الاستقرار على الاسم النهائي للحزب الكردستاني ظهر بأكثر من تسمية مختلفة؛ فمرة بِاسم "مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني" (KADEK)، كما حملت بعض أفرعه اسم "الجيش الشعبي لتحرير كردستان" (ARGK) وأيضًا ظهر فرع آخر حمل اسم "قوات الدفاع الشعبية" (HPG).

نفذت هذه المجموعات عمليات عسكرية محدودة مثل إرهاب المدنيين الأتراك أو التعدّي على بعض المسؤولين الحكوميين لذا لم تُصنّفهم تركيا بأكثر من أنهم مجرد "قُطاع طُرق".

لكن في 1979 حدث التطوّر العملياتي الأكبر حينما أُعلن دمج جميع هذه الفروع تحت مظلّة عسكرية واحدة هي "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، وعُين عبد الله أوجلان سكرتيرًا عامًا لها.

إذاً، بشكل أساسي، حزب العمال الكردستاني هو وليد هذا التاريخ من الصراع التركي مع الأكراد، وقد وجد هذا الحزب من الطبيعة الجغرافية الوعرة لجبال قنديل على الحدود مع إيران وتركيا ملجأ وحماية "طبيعية" للمسلحين التابعين له. ومن هناك بدأت الهجمات العسكرية تنطلق باتجاه الداخل التركي.

هذا الأمر ولّد ردود فعل تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وتوسعت العمليات العسكرية التركية إلى مناطق أخرى من شمال العراق.

والمشكلة، كما يشرحها نور الدين، هي في اعتبار تركيا أن جبال قنديل تقع تحت السيادة العراقية وهي تحمّل الحكومة المركزية في بغداد مسؤولية ضبط الأمن في تلك المنطقة، مع أن الحكومة المركزية في بغداد، كما يعتقد نور الدين، "غير قادرة على معالجة هذه المشكلة بشكل مباشر، لأن الإقليم الكردي يتمتع بحكم ذاتي والحكومة الكردية لديها صلاحيات واسعة".  

وبحسب نور الدين ورشاد معا، فإن عناصر "العمال الكردستاني" احتموا بالمحيط الكردي الذي يعيشون فيه، ويحظون بنوع من الحصانة الكردية. وهذا يفسّر بحسب رشاد امتعاض جزء كبير من الشارع الكردي من زيارة أردوغان، الذي يعتبر تركيا "سبباً رئيسياً لعدم استقرار المناطق الحدودية مع كردستان وقتل المدنيين الأكراد تحت ذريعة الحرب على حزب العمال".

في المقابل، يشرح نور الدين أنه "على الرغم من أن العلاقات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني كانت سيئة تاريخياً، إلا أن تهديد داعش للمناطق الكردية خلق نوعاً من التفاهم الضمني بين جميع المكونات الكردية بأن لا يراق الدم الكردي على يد كردية، وهذا ساعد حزب العمال أكثر على البقاء في أماكنه".

واليوم، يضيف رشاد، "يرفض شعب كردستان بشكل العام دخول قوات عراقية أو البیشمركة في حرب ضد حزب العمال، بسبب الهویة القومیة التي تجمع الأكراد على اختلافهم، وأي عملية عسكرية من هذا النوع ستؤدي إلى عدم الاستقرار لفترات طويلة داخل الإقليم". 

هدف الضغوط التركية على العراق أن تكون مكافحة حزب العمال الكردستاني من جوانب مختلفة، الجيش التركي يهاجم من الشمال، ويساعده الجيش العراقي من الجنوب، وتشترك في العملية قوات البشمركة، إن لم يكن بالقتال المباشر، فعبر قطع طرق الإمداد والمواصلات على حزب العمال دون الدخول في مواجهة عسكرية معه.

وتسعى تركيا أيضا إلى الحصول على دعم عسكري من فصائل الحشد الشعبي أيضاً. وتعتقد أنقرة أن هذه الخطة قد تنجح في القضاء على حزب العمال الكردستاني في حال موافقة جميع الأطراف على مساعدتها. ومن هنا، كانت الزيارات المتكررة لوزيري الدفاع والخارجية التركيين إلى بغداد، وكان هناك نوع من التفاهم على إمكانية التعاون لمكافحة حزب العمال. وكانت الإشارات الأولى لهذا التعاون، إعلان بغداد حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة.

لكن أردوغان يبدو، بحسب نور الدين، كأنه "يرشي الحكومة العراقية لدفعها إلى الانخراط في جدول أعماله الأمني، عبر طرح مسألة المياه في مقابل التعاون لضرب حزب العمال الكردستاني"، كما يحاول "رشوة" الحكومة العراقية من خلال مشاريع اقتصادية كاتفاقيات النفط والغاز.

ويأتي في رأس هذه المشاريع  كذلك طريق التنمية الذي يمتد من ميناء الفاو إلى ميناء مرسين مروراً بالبصرة والموصل وبغداد.

وبرأي نور الدين، فإن هذا المشروع يصعب أن يتحقق، إذا شهد معارضة إيرانية، لأن ما قد ينتج عنه هو تحجيم الدور الاقتصادي الإيراني في العراق.

ويأتي ضرب حزب العمال الكردستاني في هذا السياق أيضاً، يتابع نور الدين، إذ إن "قضاء تركيا على حزب العمال الكردستاني سينعكس على النفوذ الإيراني الذي قد يتراجع في العراق لصالح تركيا، وهو ما لن تقبل به إيران".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.