يسيطر الجيش العراقي على أطراف منطقة جرف الصخر.. فيما تسيطر الميليشيات على قلب المنطقة والمساحات الأوسع منها
الجيش العراقي يسيطر على أطراف منطقة جرف الصخر فيما تسيطر الميليشيات على قلب المنطقة والمساحات الأوسع منها

في خريف 2014، تحولت بلدة جرف الصخر إلى ساحة معارك بين قوات الأمن العراقية، المدعومة بميليشيا الحشد الشعبي من جهة، ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى.

ومنذ عام 2014، بدأ سكان جرف الصخر بالخروج منها تحت ضغط السلاح، حتى خلت تماما منهم بحلول عام 2017، نفس العام الذي أعلن فيه العراق دحر تنظيم داعش.

ومنذ ذلك الحين، تسيطر فصائل تابعة للحشد الشعبي العراقي، وأخرى تابعة للميليشيات، على منطقة جرف الصخر بشكل شبه كامل، وأطلقوا عليها اسم "جرف النصر"، بعدما غادر أهالي المنطقة الزراعية الخصبة مساكنهم، نتيجة العمليات العسكرية.

وتحذر تقارير إعلامية من أن هذه المنطقة، التي تتواجد في بغداد على أرض ذات سيادة عراقية، أصبحت بمثابة "قاعدة عمليات لإيران".

برنامج "الحرة تتحرى" تتبع قصة النازحين من جرف الصخر، ومحاولتهم للعودة إلى مناطقهم التي أصبحت محرمة عليهم، وتحت سيطرة الميليشيات الموالية لإيران، وكأنها "ثقب أسود وسط العراق".

وداد محمد حسون، نازحة من جرف الصخر تقول لـ"الحرة": "لم نستطع البقاء، زاد القصف علينا، وبدأت المنازل بالسقوط، ما دفعنا للخروج".

وبدوره، يقول مالك علي مزهر للحرة، وهو أيضا نازح من جرف الصخر: "أجبرنا على الخروج من الجرف، لم نستطع البقاء"، فيما تقول النازحة، عجمية محمد عبد "قالوا لنا أخرجوا يومين أو 3 وتعودون.. خرجنا وحتى الآن لم نعد".

ووفقا لتقرير معهد دراسات الحرب الأميركي، أخلت الميليشيات العراقية الموالية لإيران جرف الصخر من سكانها، وطوقتها منطقة مغلقة، ممنوع دخولها وغيرت اسمها لـ"جرف النصر".

مايكل نايتس، زميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قال لـ"الحرة" إن "ما هو مهم جدا في جرف الصخر، أنها كبيرة، لا يسمح لقوات الأمن العراقية بدخولها، المنطقة ضاعت وصارت كثقب أسود في العراق، جزء منه تسيطر عليه إيران، ولا أحد في البلاد يمتلك السلطة لاستعادتها".

أُخليت الناحية تماما من سكانها، وفي غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة يقول ناجي حرج، مدير مركز جنيف الدولي للعدالة في سويسرا "حصل عملية تهجير واسعة النطاق لسكان جرف الصخر، الأرقام تتراوح بين 130 ألف، إلى 150 ألف".

محمد سلمان الطائي، نائب عراقي سابق عن محافظة بابل، يقول إن "منطقة جرف الصخر، موقع عسكري استراتيجي يتحكم بمناطق مهمة، فهي تحد بابل وكربلاء والأنبار".

ويضيف في حديث لموقع "الحرة"، أن "السيطرة على جرف الصخر لها أبعاد سياسية واستراتيجية مهمة".

ويشير الباحث نايتس إلى أنه عندما دخل الحشد الشعبي لجرف الصخر "كان هناك الكثير من القلق، والقليل جدا من رصد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتبكتها الميليشيات العراقية، وكل ما حدث اعتبر دفاعا عن بغداد، لذلك لم يطرح أحد أسئلة".

النازحون من جرف الصخر لجأ غالبيتهم إلى عامرية الفلوجة التي تبعد أكثر من 60 كلم من شمالي مدينتهم، حيث زودتهم السلطات بالخيام، فيما انتقل العديد من النازحين إلى مخيمات بسيبس العشوائية.

وفي أواخر عام 2022، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أنه ستتم إعادة كل النازحين إلى مناطقهم المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، من بينهم نازحي جرف الصخر.

ووفق قاعدة البيانات الرسمية، تضم 7500 عائلة مسجلة نازحة من جرف الصخر، إذ تم استثنائهم من العودة إلى مناطقهم.

ولم ترد وزارة الهجرة والمهجرين العراقية على استفسارات موقع "الحرة" بشأن النازحين العراقيين من جرف الصخر.

مقربون من الحشد الشعبي، أكدوا لـ"الحرة" صعوبة عودة النازحين إلى جرف الصخر. وقال المحلل السياسي العراقي، مفيد السعيدي إن "هذه المنطقة كانت تهدد أقدس المناطق في العراق، وهي كربلاء، واليوم في ظل مظهر مشوه من ملف النازحين، وأقول أنا حررت، تفضلوا عودوا لأرضكم..".

وقال إنه "في حال فتحنا الباب وأعدنا الأهالي ستعود هذه العصابات، وتعود الحاضنة الأساسية التي كانت ترعاهم في تلك الفترة".

ونفى النائب السابق الطائي، المزاعم بسيطرة داعش على كل المنطقة، وقال "إن داعش سيطر على قلب المنطقة فقط، وباقي المناطق لم تكن هناك سيطرة للتنظيم عليها، وغالبية السكان من العشائر المسالمة التي لا دخل لها في أي نزاع".

وفي الجزء الثاني من التحقيق، بحثت "الحرة تتحرى" عن أسباب إجبار بلدة جرف الصخر على النزوح من بلدتهم؟ وهل كان خطر الإرهاب مجرد ذريعة لسيطرة الميلشيات الكاملة على الناحية؟

وفي أكتوبر من 2014، أعلنت قوات الحشد الشعبي تحرير جرف الصخر من تنظيم داعش الإرهابي.

وقال تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تلك الفترة، إنه "بعد 4 أشهر من المعارك بين تنظيم داعش والجيش العراقي، تدفق نحو 10 آلاف من رجال الميليشيات الشيعية الموالية للحكومة إلى هذه المنطقة، وفقا لهادي العامري قائد فيلق بدر المدعوم من إيران والذي نسق العملية".

ويقول المحلل السياسي، السعيدي إن "جميع التفجيرات كانت تأتي عن طريق جرف النصر.. حتى دخول الحشد الشعبي إليها وبسط الأمن فيها".

وحسب قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، تبين أنه خلال فترة 7 أشهر بدءا من مارس 2014، تم توثيق 7 هجمات في جرف الصخر.

ويقول نايتس إنه "كان يوجد أفراد من داعش في جرف الصخر، لكن هل احتاجت قوات الحشد الشعبي إلى إخراج كل مواطن سني من المنطقة؟ الإجابة، لا.. كان عدد أفراد التنظيم في هذه المنطقة صغيرا جدا".

ويؤكد نازحون أنه رغم المعارك التي كانت تدور في المنطقة فإنهم لم يرغبوا بالخروج، لكن القوات أجبرتهم على ذلك.

معسكر الميليشيا في جرف الصخر تعرضت للقصف سابقا

مدير مركز جنيف الدولي للعدالة في سويسرا، حرج، يسرد لـ"الحرة" ما حصل حينها في جرف الصخر، ويقول: "حدث هجوم من 3 ميليشيات أساسية: كتائب حزب الله، فيلق بدر، وعصائب أهل الحق على المدينة بذريعة عناصر من تنظيم داعش".

واعتبر أن "الغريب أنهم تحدثوا عن تحرير للمدينة وفي الوقت ذاته تم تهجير الأهالي".

ورغم السماح بخروج الأهالي، فإن الميليشيات ألقت القبض على جميع الرجال والفتيان، حسب حرج.

ويؤكد الباحث الأميركي، نايتس، أن جرف الصخر كانت محط أنظار الميليشيات لسنوات، ولأهداف محددة، فما حدث في هذه المنطقة "عقابا للسُنة في المدينة".

وبعد سنوات من تهجير السكان، قال رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، في مقابلة إعلامية إن "جرف الصخر الآن معسكر.. معسكر للفصائل المسلحة، ولا أحد قادر على دخولها".

وقال رئيس الحكومة العراقية الأسبق، إياد علاوي، في تصريحات متلفزة، إن "جرف الصخر أصبحت مستقلة فيها معامل ومصانع ومعتقلات". 

ورغم مرور 10 سنوات على مغادرة مدينتهم، ما زال أهالي جرف الصخر محرم عليهم العودة، فيما أصبحت منطقة عسكرية تعتبرها طهران "مخزنا عسكريا"، لأنها تحتوي على مبان فارغة ولا يسمح لأي أحد بدخولها، وفق نايتس.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.