أم فهد قتلت بمسدس كاتم للصوت وسط بغداد
أم فهد قتلت بمسدس كاتم للصوت وسط بغداد

تعيد حادثة مقتل مشهورة عراقية على "تيك توك" بالرصاص، الجمعة، وسط بغداد، تسليط الضوء على عمليات القتل التي طالت في الآونة الأخيرة مؤثرين وناشطين وشخصيات مشهورة في بلد مزّقته عقود من النزاعات ولا يزال يعاني من انتشار السلاح.

ومساء الجمعة، قُتلت الشابة المعروفة باسم "أم فهد" برصاص مهاجم مجهول كان يستقل دراجة نارية، أمام منزلها في منطقة زيونة.

واكتسبت "أم فهد" التي يتابعها عشرات الآلاف من مستخدمي تطبيقَي "تيك توك" و"إنستغرام"، شهرة من خلال نشرها فيديوهات تظهر فيها غالبا بملابس ضيقة وهي ترقص على موسيقى عراقية.

وكان القضاء العراقي حكم على "أم فهد" السنة الماضية بالسجن ستة أشهر، لإقدامها على "نشر أفلام وفيديوهات عدة تتضمن أقوالا فاحشة ومخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

تزامنت حادثة قتل "أم فهد" مع حوادث مماثلة جرت مؤخرا وارتبطت بمؤثرين وبلوغرز على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان آخرها مقتل المؤثر المعروف باسم "سمسم" وهو من العابرين جنسيا، ومقتل المؤثرة فيروز آزاد.

وقبل ذلك تعرضت العديد من المؤثرات والشخصيات المشهورة على وسائل التواصل الاجتماعي لحوادث مماثلة، من بينهن تارا فارس ورفيف الياسري ورشا الحسن وأخريات.

ويرى مراقبون أن ما يجري من حوادث قتل تهدف لإثارة الرعب في الشارع العراقي وتقف خلفها جهات مرتبطة بمنظومة الفساد في البلاد.

يقول الكاتب والإعلامي جبار المشهداني إن الوضع الحالي في العراقي يشهد "صراعا بين طبقة ناشئة من الثراء المالي للسياسيين ولن يتوقف بقتل أم فهد".

ويضيف المشهداني لموقع "الحرة" أن "العراق مقبل على فترة صراع مافيات حاد جدا نتيجة التنافس بين قوى الفساد المالي والسياسي" في البلاد.

يشير المشهداني إلى أن "الجهات التي تتصارع حاليا هي جهات مستفيدة ماليا وتسيطر على مفاتيح الاقتصاد والفساد وتمتلك السلاح ولديها علاقات وحضور في مؤسسات رسمية".

ويؤكد المشهداني أن "كل جهة من هذه لجهات لديها واجهة والصراع الحالي بدأ بين هذه الواجهات".

"عندما يحصل صراع بين هذه الجهات تلك لتصفيات من أجل بعث رسائل متبادلة فيما بينها، والضحية هم الأشخاص الذين يعتبرون الأضعف"، وفقا للمشهداني.

ويرجح المشهداني أن تقوم "الجهة المستهدفة بالأمس بالرد أيضا برسالة مماثلة عبر اغتيال شخصية تابعة لجهة منافسة".

على الرغم من تعدد حوادث القتل وتشكيل السلطات العراقية للجان تحقيقية كثيرة، إلا أن معظمها لم تتوصل للجناة أو على الأقل لم يتم الإعلان عن الجهات التي تقف خلفها.

في تعليقه على حادثة قتل "أم فهد" كتب المستشار الحكومي السابق ضياء الوكيل على موقعه قائلا إن "جريمة الاغتيال التي شهدتها منطقة زيونة في قلب العاصمة بغداد ليست الأولى، فقد سبقتها جرائم قتل وتصفية مماثلة، ولن تكون الأخيرة، ما دام القاتل طليقا، ولديه فرصة الإفلات من العقاب".

وأضاف الوكيل أن "التهمة غالبا ما تقيّد ضد مجهول، والجرائم الموجهة ضد هذه الفئة الناشطة على اليوتيوب والتواصل الاجتماعي متشابهة، قاتل محترف، دراجة نارية، كاتم للصوت، وتنفذ مع سبق الإصرار والترصد".

ويرى الوكيل أن الهدف منها هو "إثارة الخوف والقلق في الشارع"، مضيفا أنه "لا يمكن النظر لمثل هذه الجرائم على أنها سلوك إجرامي منفرد، لأنها مع ما سبقها من حوادث تندرج ضمن الجريمة المنظمة".

ولم يرد متحدث باسم وزارة الداخلية العراقية على الاتصالات المتكررة لموقع "الحرة" طلبا للتعليق.

واكتفت الوزارة بإصدار بيان مساء، الجمعة، أعلنت فيه تشكيل "فريق عمل مختص لمعرفة ملابسات مقتل امرأة معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي على يد مجهولين في منطقة زيونة بالعاصمة بغداد".

بالمقابل ربط الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي حادثة قتل "أم فهد" بالقصف الذي تعرض له حقل "خور مور الغازي" في إقليم كردستان، الجمعة.

وقال المرسومي في تدوينة على فيسبوك إن " قصف حقل خور مور الغازي في كردستان واغتيال أم فهد في قلب بغداد قوّضت الجهود التي بذلتها الحكومة لتحسين البيئة الاستثمارية في العراق وأعطت رسائل سلبية بأن الاستثمار في العراق عالي المخاطر".

بالمقابل ترى الناشطة رنا السعيد أن تكرار حوادث الاغتيال في العراق "يعطي رسائل سلبية بأن أي شخص لا يمتلك جهة مسلحة أو ينتمي لها لا يمكن أن يأمن على حياته".

وتضيف السعيد في حديث لموقع "الحرة" أن هناك عدم جدية أو خوف من السلطات للإعلان عن الجهات التي تقف خلف هذه العمليات".

وتشير السعيد إلى أن "الطريقة الوحشية التي قتلت فيها أم فهد وكيف أن الجاني كان يتحرك بأريحية ومن دون خوف، تثبت أن هناك جهات نافذة تقف خلفه".

وأظهرت اللقطات المأخوذة من كاميرات المراقبة كيف أقدم شخص يستقل دراجة نارية على قتل مشهورة عراقية على "تيك توك"، وسط بغداد مساء، الجمعة، في حادثة تكررت عدة مرات خلال السنوات الماضية.

ويمكن مشاهدة القاتل وهو يقترب من منزل الضحية المعروفة باسم "أم فهد" قبل أن يتوقف في مكان قريب ومن ثم يترجل ويتوجه مشيا على الأقدام حيث كانت المرأة تهم بالنزول من سياراتها.

بعدها يسرع القاتل من خطواته ويفتح باب السيارة، حيث كانت الضحية تجلس في مقعد السائق، ومن ثم يمكن ملاحظة ضوء شبيه بذلك الذي يخرج عند إطلاق الرصاص، قبل أن يغادر المكان مسرعا.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.