صورة أرشيفية لإحدى جلسات البرلمان العراقي
صورة أرشيفية لإحدى جلسات البرلمان العراقي- رويترز

صادق البرلمان العراقي على تعديلات مثيرة للجدل على قانون "مكافحة البغاء" للعام 1988، حيث استبدل بـ "قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، الذي يجرم العلاقات المثلية والتحول الجنسي بعقوبة تصل إلى السجن 15 عاما.

وأقر البرلمان، يوم السبت الماضي، القانون الذي كان محل انتقاد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي إلى جانب منظمات حقوقية رأت فيه انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير، فيما توسعت دائرة الانتقادات بعد إقراره.

وفي يونيو 2022، شرعت اللجنة القانونية في مجلس النواب بالتحرك لتعديل "قانون محافحة البغاء"، من خلال حملة لجمع التواقيع بهدف تشريع قانون يحظر المثلية الجنسية في العراق، قبل أن تقدم مقترحاً في العام الماضي لتعديل القانون متضمناً عقوبات تصل إلى الإعدام، وهو المشروع الذي أجل نتيجة للضغوط الدولية، قبل أن يصار إلى تعديله.

ويفرض القانون عقوبة تتراوح بين 10 و15 عاماً لكل من أقام علاقة مثلية، فيما يعاقب بالسجن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار لمن يروج للبغاء أو المثلية، التي وصفها نص القانون بالشذوذ، ويحظر نشاط أي منظمة تروج لهما.

كذلك، يفرض القانون عقوبة تتراوح بين سنة واحدة و3 سنوات لكل من ارتكب "ممارسة مقصودة للتخنث أو الترويج له"، والعقوبة ذاتها تفرض على من غير جنسه أو بدأ بذلك. ويعاقب الطبيب أيضا إذا أجرى عملية خلافاً لأحكام القانون.

ويمنع القانون تغيير الجنس الباثولوجي بناء على الرغبات والميول الشخصية ويستثني التداخل الجراحي لمعالجة التشوهات الخلقية لتأكيد جنس الشخص بعد صدور أمر قضائي، كذلك يحظر نشاط أي منظمة "تروج للبغاء" أو المثلية.

 

قلق دولي

عبرت السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانسكي، عن قلق بلادها العميق من تشريع القانون.

وقالت في تدوينة لها على منصة "إكس" إن التشريع "يهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية المحمية دستورياً، ويهدد هذا الإجراء الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي".

Iraqis demonstrate against the desecration of the Koran in Sweden, in Baghdad
العراق.. قلق في مجتمع الميم بعد منع تعبير "المثلية الجنسية"
"عند تواصلي من اصدقائي في العراق، اسمع منهم الرعب الذي يشعرون به"، يقول لـ"ارفع صوتك" الناشط الكويري العراقي ومؤسس منصّة "كالا" الكويرية علي صافي، ويضيف أن "منهم من قام بتغيير خصوصية حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي ومنهم من قرر الاختفاء وعدم الخروج من المنزل"، اما من يملكون المال منهم، يتابع صافي، "فهؤلاء يعملون على الخروج من العراق بلا عودة بسبب كل هذه القوانين والمقترحات وحملات الكراهية".

ورأت رومانسكي أن القانون "يمكن استخدامه لعرقلة حرية التعبير والتعبير الشخصي، وعرقلة أعمال منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العراق".

وأضافت: "يضعف (القانون) قدرة العراق على تنويع اقتصاده وجذب الاستثمارات الأجنبية"، مشددة على أن "احترام حقوق الإنسان والاندماج السياسي والاقتصادي أمر أساسي لأمن العراق واستقراره ورخائه".

بدوره، وصف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، التعديلات على قانون "البغاء" والمثلية الجنسية بأنها "خطيرة ومثيرة للقلق". وقال في  تغريدة على منصة "إكس"، إنه "لا ينبغي استهداف أي شخص بسبب هويته. ونحن نشجع حكومة العراق على دعم حقوق الإنسان والحريات لجميع الناس دون تمييز".

وفي تصريحات صحفية قالت رازاو صالحي، الباحثة في منظمة العفو الدولية: "لقد قنن العراق بالفعل التمييز والعنف الموجه منذ سنوات ضد أفراد المجتمع مع الإفلات التام من العقاب".

وفي السياق نفسه، قالت رشا يونس، وهي باحثة أولى في برنامج حقوق المثليين بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إن إقرار القانون "يضع ختما مطاطيا على سجل العراق المروع في انتهاكات حقوق المثليين، ويشكل ضربة خطيرة لحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والخصوصية والمساواة وعدم التمييز".

واتهم تقرير، أصدرته المنظمة عام 2022، الجماعات المسلحة في العراق باختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل المثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي ومتحولي الجنس مع الإفلات من العقاب، كما اتهم الحكومة العراقية بالفشل في محاسبة الجناة.

وانضم العراق إلي أكثر من 60 دولة مثلية الجنس، في حين أن الممارسات المثلية قانونية في أكثر من 130 دولة، وفق بيانات "أور ورلد إن داتا".

 

رغم الضغوط..

بالمقابل، دافع عدد من السياسيين العراقيين على إقرار تعديلات "قانون البغاء والشذوذ الجنسي"، واصفين الأمر بأنه "شان داخلي". وأعلنوا رفضهم ما سموه "التدخلات الخارجية".

ورد السفير العراقي في لندن، جعفر الصدر، على وزير خارجية بريطانيا، قائلاً: "معالي الوزير الأجدر بكم أن تقلقوا على الإبادة الجماعية وانتهاك الإنسانية الذي يحصل في غزة، والخطر الحقيقي في نشر ما يخالف الطبيعة الإنسانية وكل الشرائع والأديان"، وتابع: "رجاءً احتفظوا بنصائحكم فنحن شعب لنا آلاف السنين من الحضارة والإنسانية".

النائب يوسف الكناني قال هو الآخر في تغريدة على منصة "إكس"، إنه تم التصويت على القانون: "رغم كل الضغوط من سفراء دول أجنبية، ورغم رضوخ قيادات سياسية لعدم إقراره".

في السياق نفسه، قال  النائب، مصطفى سند إن 17 سفارة غربية ضغطت على العراق "بغرض عدم تشريع التعديل الأول الخاص بقانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي لدرجة أنه تم سحب القانون من جدول الأعمال، كذلك تم تأخير التصويت من قبل البرلمان العراقي بسبب زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن، خشية تعكير جدول الزيارة".

أما الأمين العام لعصائب أهل الحق، المصنفة على قوائم الإرهاب، قيس الخزعلي، فقال في تدوينه على موقع "إكس" إن "تصويت البرلمان على تعديل قانون مكافحة البغاء خطوة ضرورية ومهمة لحماية البنية القيمية والهوية الثقافية والثوابت الإسلامية للمجتمع العراقي".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.