قررت المحكمة الاتحادية العليا في 14 نوفمبر2023، إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
قررت المحكمة الاتحادية العليا في 14 نوفمبر2023، إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.

نحو ستة أشهر مرت على عزل رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، من منصبه، وما يزال  كرسي الرئيس خالياً بفعل صراعات بين الكتل والأحزاب السنية تغذيها خلافات شخصية وأخرى سياسية.

بوادر الأزمة بدت حين لم تتمكن "الكتل السنية" من التوافق على مرشح كرسي الرئاسة، بعد أن تنازع قادتها على من له أحقية الحصول على أهم منصب للمكون السني في العراق: رئاسة البرلمان.

الأزمة التي بدأت بدعوى قضائية ضد الحلبوسي أقامها النائب ليث الدليمي، أثبت خلالها اتهاماته للسياسي السني الأبرز والأعلى منصبا بتزوير استقالته، لتتفجر أزمة سياسية بعد إنهاء عضوية الحلبوسي في 14 نوفمبر 2023، والتي أطلقت العنان لصراع أخفق نتيجتَه البرلمانُ باختيار رئيس جديد له.

سلسلة الإخفاقات بدأت بعد عقد أول جلسة تشريعية خصصت لانتخاب الرئيس منتصف يناير العام الحالي، تنافس فيها ستة مرشحين، كان النائب شعلان الكريم، الذي ينتمي إلى حزب "تقدم" برئاسة الحلبوسي نفسه الأكثر حظا، يليه محمود المشهداني، وسالم العيساوي، ثم طلال الزوبعي، وعامر عبد الجبار، والمرشح السادس كان عبد الرحيم الشمري، الذي انسحب قبيل انعقاد الجلسة لصالح شعلان الكريم.

انتهت الجولة الأولى من التصويت بتقدم مرشح الحلبوسي، شعلان الكريم بـ152 صوتاً، يليه النائب سالم العيساوي مرشح تحالف السيادة بـ97 صوتاً، ثم النائب محمود المشهداني ⁠48 صوتاً، فيما حصل النائب عامر عبد الجبار على ستة أصوات، وطلال الزوبعي على صوت واحد.

وكان يفترض حسم جولة الترشيح بمنافسة بين من حصل على أعلى الأصوات، إلا أن مشادات كلامية داخل قاعة المجلس واتهامات طالت المرشح الأكثر  حصولا على الأصوات، واتهامات أخرى بدفع رشا تسببت برفع الجلسة إلى إشعار آخر ، ولم تعقد بعدها جلسة أخرى حتى كتابة هذا التقرير.

 

عقدتان

في حديثه لـ"ارفع صوتك" يقول الأكاديمي وعضو مركز دجلة للتخطيط الاستراتيجي، محمد دحام، إن هناك "عقدتين تحولان دون الدفع باتجاه التوافق لترشيح واختيار رئيس مجلس النواب".

FILE PHOTO: The speaker of Iraq's parliament Mohammed al-Halbousi addresses the media in Berlin
ما التبعات السياسية لإقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان العراقي؟
خلّف قرار المحكمة الاتحادية العراقية إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية، ففي حين يرى محللون أن القرار استهداف سياسي بحت، حث آخرون على تطبيقه واحتواء الأزمة لتقليل خسائر حزب "تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي.

ويوضح دحام أن العقدة الأولى "تتعلق بعدم التوافق داخل المكون السني لتمسك حزب تقدم أن يكون صاحب الأغلبية، وإخفاقه بترشيح شعلان الكريم الذي انسحب من الحزب مؤخراً".

أما العقدة الثانية، "فهي عقدة دستورية وطنية تتعلق بعدم القدرة على التراجع عن الجلسة الأولى، لذلك من الضروري أن تبقى الجلسة مستمرة وحسم الموضوع بين سالم مطر وشعلان الكريم أصحاب الأصوات الأعلى في الترشيح".

ويشير دحام إلى حالة جديدة غير مسبوقة اقترحت من قبل الإطار التنسيقي "الذي لم يقف على مسافة واحدة من قبل جميع المرشحين، واشترط أن يكون هناك تصويت داخل المكون السني من أجل حسم الموضوع، وهذه سابقة لم تكن موجودة، وأدت إلى تأخر كبير في العملية".

وفي معرض إجابته عن سؤال لـ"ارفع صوتك" يتعلق بالحل في حال استمرار حالة عدم التوافق داخل البيت السني قال دحام: "بوجود مرشحين اثنين أحدهما انسحب من العملية يفترض أن يتم ترشيح الثالث في أعلى الأصوات وهو محمود المشهداني، وبالتالي سيكون الحسم بيد البرلمان بين المرشحين".

ويوضح: "يتم حسم اختيار رئيس البرلمان عبر الدعوة لعقد جلسة خاصة للاختيار، ويتم التصويت على المرشحين والأصوات هي التي تحسم شخصية رئيس البرلمان الجديد".

 

تعطيل قوانين

بدوره يقول المحلل السياسي، نجم القصاب، إن "الأزمة في اختيار رئيس برلمان جديد هي أزمة ومشكلة بين الكتل السياسية السنية فيما بينها، بالإضافة إلى تدخل من الكتل الشيعية، ووقوف الأكراد على الحياد".

ويعتبر القصاب ما يحصل في البيت السني من خلاف على المنصب بأنه "وصل إلى مرحلة التصارع والتسابق والتدافع بين الكتل السنية التي تهدف إلى إبعاد الحلبوسي من أجل الوصول إلى المنصب، وهي حالة غير صحية من الناحية السياسية".

ويتوقع القصاب، عقد جلسة برلمانية خلال الأيام القليلة المقبلة لحسم هذا الملف الحساس الذي تسبب بتعطيل عمل الحكومة، وعرقلة إقرار العديد من مشاريع القوانين التي لا يمكن أن تُقر إلا بوجود رئيس للبرلمان، أهمها مشروع قانون الموازنة العامة، وهو أمر أدى بالنتيجة إلى تعطيل عدد كبير من المشاريع وتوقفها في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لها.

وحول أكثر المرشحين حظا يقول القصاب إن "كل المؤشرات تتجه نحو سالم العيساوي أو محمود المشهداني".

 

اتفاق سياسي

بحسب النائب في البرلمان العراقي، سجاد سالم، فإن أمر اختيار رئيس البرلمان العراقي "متوقف على الاتفاق السياسي بين رؤساء الكتل المختلفين في وجهات النظر".

وحول ما يثار حول إحالة الاختيار إلى قبة البرلمان لحسمه يقول سالم في حديثه لـ"ارفع صوتك" إن "منصب رئيس البرلمان هو منصب سيادي، وبالتالي فإنه يتم باتفاق سياسي". ويتابع: "المنصب خضع لتجاذبات السياسية بين الأطراف ما عرقل موضوع انتخاب رئيس مجلس نواب لأسباب وخصومات شخصية وسياسية".

الخصومات السياسية والشخصية التي تحدث عنها النائب سجاد سالم تعود إلى الصعود السريع لحزب "تقدم" برئاسة الحلبوسي والذي تمكن من حصد مقاعد المحافظات السنية، وخصوصاً الأنبار التي حصد فيها 14 مقعداً، بالإضافة إلى تحقيقه نتائج جيدة في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والعاصمة بغداد ليكون أكبر كتلة سنية بـ43 مقعداً.

مشادات عنيفة وقعت داخل البرلمان العراقي خلال جلسته التي انعقدت في التاسع من يناير الجاري
تعليق رئاسة البرلمان العراقي.. تداعيات القرار على مجلس النواب بعد أيام من انطلاق أعماله
قرار مفاجئ صدر من المحكمة الاتحادية في العراق وقضى بإيقاف عمل هيئة رئاسة مجلس النواب بشكل مؤقت، بعد أيام قلية من انتخابها، في خطوة من شأنها أن تعرقل عملية استكمال باقي الرئاسات، وفقا لخبراء ومحللين.

هذا الصعود لم يأت من فراغ، فقد اقتطع من حصص أحزاب وحركات سياسية سنية أخرى كانت لها الحصة الأكبر في تصعيد الخلاف ومحاولة تحجيم دور الحلبوسي في البيت السني، حيث يحاول تحالف العزم سحب المنصب لصالح مرشحه السياسي المخضرم ورئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني.والأمر ذاته ينطبق على النائب سالم العيساوي الذي ينتمي لتحالف "السيادة".

وبحسب النائب سجاد سالم فإنه "لا يمكن ترشيح شخصيات جديدة ولا توجد أسماء محددة مرشحة، لكن وفق القانون والدستور فإن الاختيار يتم من الأسماء التي جرى التصويت عليها في الجلسة الأولى، ولا توجد حتى الآن أسماء مرشحة رسمياً".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.