صورة تعبيرية لأحد مربي الأبقار في منطقة أهوار الجبايش جنوب العراق، التي تضررت من التغير المناخي
صورة تعبيرية لأحد مربي الأبقار في منطقة أهوار الجبايش جنوب العراق، التي تضررت من التغير المناخي

يعيش ضياء صابر، وهو فلاح من قرية أبو خصاف في قضاء الكحلاء التابعة لمحافظة ميسان جنوب العراق، منذ نحو عام في مدينة العمارة مركز المحافظة، إذ اضطر لترك قريته نتيجة تداعيات تغير المناخ التي أضرّت باقتصاد منطقته.

وتشير نتائج تقييم قابلية التأثر بالمناخ الذي أجرته المنظمة الدولية للهجرة في وسط وجنوب العراق ما بين يناير 2016 وأكتوبر 2022، إلى أن تغير المناخ والتدهور البيئي أسهم في نزوح قرابة 55,290 فرداً من سكان المناطق التي شملها التقييم، أي نحو 15% من السكان الأصليين لهذه المناطق.

يروي صابر لـ"ارفع صوتك": "خلال العامين الماضيين انخفضت مناسيب المياه بشكل كبير في الأهوار وأصبحنا نصرف أموالاً طائلة يومياً على شراء المياه للشرب واحتياجاتنا اليومية، ولم نعد نتمكن من العيش وممارسة عملنا في تربية الجاموس والزراعة، لذلك اضطررت مع الكثيرين من سكان القرية والأهوار إلى الهجرة نحو المدينة بحثاً عن لقمة العيش".

يعتمد صابر على سيارته -سيارة حمل- من أجل توفير القوت اليومي له ولعائلته المكونة من 8 أفراد، إذ يقوم بنقل البضائع داخل المدينة.

أقرانه من سكان الأرياف المهاجرين الذين لا يمتلكون سيارات، يعملون اليوم كعمال في مشاريع البناء بأجر يومي، كما يقول صابر.

وتكمن علامات تغيّر المناخ في العراق منذ سنوات في الطقس القاسي، عبر ارتفاع درجات الحرارة والجفاف واتساع رقعة التصحر وندرة المياه وتكرار العواصف الرملية والترابية والفيضانات وزيادة ملوحة المياه وتدهور التربة، إلى جانب النقص الحاد في هطول الأمطار وتغيّر أنماطها.

ويعتبر العراق، وفق الأمم المتحدة، خامس البلدان الأكثر تعرضاً للتدهور المناخي عالمياً، نظراً للظواهر المناخية العنيفة التي تعصف به منذ نحو عشر سنوات.

من جهته، يقول الرئيس السابق لجمعية الفلاحين في محافظة ذي قار جنوب العراق، إبراهيم حسن الشاهر، إن التغير المناخي تسبب في عدم استقرار حياة الفلاحين في الأرياف ما دفعهم إلى الهجرة باتجاه المدن بحثاً عن لقمة العيش.

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أكثر من 40% من القرى والأرياف في حدود محافظة ذي قار أصبحت "مهجورة" بسبب تغير المناخ، وانخفضت أعداد الجمعيات الفلاحية التي كانت تبلغ سابقا 93 جمعية إلى النصف خلال السنوات القليلة الماضية.

أما الفلاحون، يتابع الشاهر، فقد هاجروا مع عائلاتهم من هذه القرى، ويشكلون اليوم غالبية سكان المناطق العشوائية عند أطراف الناصرية، لأنهم لا يمتلكون الأموال لشراء بيوت في المدينة أو دفع الإيجار.

وتعد محافظات ذي قار وميسان والقادسية وواسط وديالى وبابل، من أكثر المحافظات العراقية تأثراً بالتغير المناخي. وبحسب متابعات "ارفع صوتك" لملف الهجرة بسبب المناخ، فإن غالبية الفلاحين المهاجرين يتجهون من أرياف المحافظات المذكورة إلى مدنها وأيضاً إلى مراكز محافظات البصرة والنجف وكربلاء وبغداد.

الصحافي المختص في قضايا المناخ مرتضى حميد، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن  اضطرار الفلاحين ومربي الحيوانات بعد الهجرة من الأرياف إلى تغيير مهنهم "تسبب لهم بالمشاكل في المدينة وتضايق سكانها الذين يبحثون أيضاً عن فرص العمل"، مشيراً إلى صعوبة تعلم مهن جديدة بالنسبة للكبار في السن من المهاجرين.

ويلفت إلى أن تأقلم أهالي الريف على العيش في المدن "ليس سهلاً" نظراً للاختلاف الموجود بين طبيعة المجتمعين، وهو من أسباب اختيارهم أطراف المدن للعيش فيها.

 

تغيّر المناخ والتطرّف

تشير إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن العراق شهد عام 2021 ثاني أكثر مواسمه جفافاً منذ 40 عاماً، بسبب الانخفاض القياسي في هطول الأمطار. وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، انخفضت تدفقات المياه من نهري الفرات ودجلة التي توفر نحو 98% من المياه السطحية في العراق، بنسبة 30%-40%.

وقال غلام إسحق زي، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في العراق، في مقال نشره على موقع الأمم المتحدة (نوفمبر 2022): "يعني انخفاض منسوب مياه الأنهار في العراق أن مياه البحر تندفع داخل الأراضي الجنوبية مع تهديد الملوحة للزراعة. إن سبل عيش مجتمعات بأكملها وحتى وجودها على المحك".

كما أعلن وزير الموارد المائية العراقية عون ذياب، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، مارس الماضي، أن الوزارة أخذت على عاتقها دراسة موضوع تأمين المياه لزراعة خمسة ملايين نخلة وشجرة، وتوزيع هذه الأشجار في أماكن لتهيئة المياه لها، سواء كانت من المياه الجوفية أو السطحية، ضمن البرنامج الحكومي لمواجهة تغير المناخ.

من جهته، يقول عضو مرصد "العراق الأخضر" المتخصص بشؤون البيئة، عمر عبد اللطيف، أن تغيّر المناخ والجفاف "تسبب أمنياً بظهور التطرف العنيف في المناطق التي تشهد انعكاساته بشدة".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "تبنت مستشارية الأمن القومي إستراتيجية لمواجهة التطرف العنيف من ضمنها التطرف العنيف الناجم عن المناخ، لأن الكثير من حالات العنف التي تصدرت في محافظات الجنوب، كانت بسب حصة المياه وقطع المياه من قبل عشائر معينة على مناطق معينة، ما تسبب بحصول خلافات وصلت حدّ التراشق بالأسلحة ونجم عنها قتلى ومصابون".

في يناير 2023 ذكر بيان للمكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي العراقي، أن مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ترأس اجتماعاً موسعاً للجنة الوطنية لمناقشة خطط المؤسسات الحكومية، وشهد الاجتماع ضمن فقراته مناقشة وبحث خطة مكافحة التطرف، الذي يولده التغير المناخي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.