يزيد عدد سكان نيجيريا عن 200 مليون نسمة، يتوزعون دينياً بين الإسلام الذي يغلب على سكان الولايات الشمالية، والمسيحي التي يعتنقها أغلبية سكان الولايات الجنوبية.
ورغم انتماء الغالبية الغالبة من المسلمين النيجيريين للمذهب السني، إلا أن الأقلية الشيعية المتمركزة في في ولايات كانو وسكوتو وكادونا تمكنت من لفت الأنظار بشكل كبير في الفترة الأخيرة. في هذا السياق، يظهر اسم الشيخ إبراهيم الزكزاكي، زعيم "الحركة الإسلامية" في نيجيريا، التي دخلت في معارك قوية ضد الجيش النيجيري خلال السنوات الماضية.
فمن هو الزكزاكي؟ وما أهم الأحداث التي شاركت فيها "الحركة الإسلامية"؟ وما الذي يربطها بالقيادات الشيعية في إيران والعراق؟
الزكزاكي وتأسيس "الحركة الإسلامية"
ولد إبراهيم يعقوب الزكزاكي عام 1953 في مدينة زاريا شمال نيجيريا، ويُلقب بالزكزاكي نسبةً إلى مدينة زكزاك النيجيرية. ينتمي الزكزاكي لأسرة مسلمة سُنية على المذهب المالكي، وترجع أصول الأسرة إلى مالي، لكن في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي قدم أحد أجداده ليستقر في نيجيريا.
في صغره، تلقى الزكزاكي التعليم الديني الابتدائي ودرس اللغة العربية في منطقة زاريا، وفي السبعينيات التحق بكلية الدراسات العربية في مدينة كانو، وبعدها، التحق بجامعة أحمد بيلّو في زاريا حيث درس الاقتصاد ونال شهادة البكالوريوس عام 1979.
بدأ ارتباطه بالمذهب الشيعي في السنين الأخيرة من دراسته الجامعية. يذكر الباحث العراقي حيدر عبد الجليل في دراسته "دور الفكر الحسيني في نشر الإسلام المحمدي" أن الخطوات الأولى لتشكيل "الحركة الإسلامية" في نيجريا وقعت في أحد المؤتمرات الذي أقيم بمدينة كتسينا عام 1978 إثر إلقاء الزكزاكي محاضرته، حيث دعا الحاضرين إلى جلسة مفتوحة داخل المسجد، حضرها نحو 40 طالباً.
بعد سماع الطلاب كلمات الشيخ، يضيف عبد الجليل "عاهدوا الله عهد الرّجال على القيام بالحركة الإسلامية مع نشر أفكارها الإصلاحية في مناطقهم...".
وبعد سنة واحدة، اندلعت الثورة الإسلامية في إيران على يد آية الله الخميني، وتأثر الزكزاكي وجماعته الناشئة بأفكار الثورة، ليسافر عام 1980 إلى طهران للمرة الأولى من أجل المشاركة في الذكرى الأولى للثورة الإسلامية. وهناك، أعتنق المذهب الشيعي بشكل رسمي والتقى بالعديد من قيادات الثورة.
يبين عبد الجليل، أن الزكزاكي اعتقل أكثر من مرة من قِبل السلطات النيجيرية في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بسبب أنشطته الدعوية الداعية لنشر المذهب الشيعي في شمال نيجيريا من خلال تأسيس "الحركة الإسلامية في نيجيريا".
وأسس الزكزاكي عشرات المدارس الدينية الإسلامية التي تدرس المذهب الشيعي الإمامي، وأقام حسينية "بقية الله" في منطقة زاريا. كما أسس عدة مؤسسات خيرية لتقديم الخدمات المالية والصحية والتعليمية. ومنها "مؤسسة الشهداء"، التي قامت على رعاية أبناء الشهداء وكفالة الأيتام. و"مؤسسة الزهراء"، التي عملت على حفر الآبار وشق قنوات المياه وتخليص المسجونين ومساعدة الأرامل.
في 1995، حدث انشقاق في صفوف الحركة وتشكلت جماعة شيعية جديدة في نيجيريا تحت اسم "التجديد الإسلامي". رغم ذلك تمكنت الحركة من التوسع في العديد من الدول في غرب أفريقيا وامتد نشاطها إلى النيجر وسيراليون.
المواجهات مع الجيش النيجيري
شهدت السنوات الماضية اندلاع العديد من المواجهات بين الجيش النيجيري والجماعات السنية النيجيرية المسلحة من جهة، والحركة الإسلامية في نيجيريا من جهة أخرى. بدأت تلك المواجهات في يونيو 2005، عندما نشرت نيجيريا مئات الجنود في مدينة سوكوتو الواقعة في أقصى غرب البلاد؛ على خلفية اندلاع أحداث العنف الطائفي بين السنة والشيعة التي أدت لمقتل 12 شخصاً.
في نوفمبر 2015، استهدف تفجير انتحاري موكباً للمسلمين الشيعة قرب مدينة كانو شمالي نيجيريا وأوقع 21 قتيلاً. وفي ديسمبر من العام نفسه اشتعلت الأوضاع في زاريا بعدما قُتل مئات المسلمين الشيعة على يد جنود الجيش النيجيري أثناء خروج بعض المظاهرات في "يوم القدس العالمي"، الذي يحتفل به الشيعة الموالون لإيران في الجمعة الأخيرة من رمضان سنوياً.
شهدت تلك الأحداث تدمير منزل الزكزاكي والقبض عليه عقب إصابته بعيارات نارية، فيما قُتل ثلاثة من أبنائه، فضلاً عن نائب زعيم الحركة.
وُصفت تلك المواجهة بـ"المذبحة الدموية"، وقالت منظمة العفو الدولية "يجب على وجه السرعة فتح تحقيق في حادثة إطلاق النار على المجموعة الشيعية وتقديم أي شخص تتبين مسؤوليته عن أعمال القتل غير القانونية إلى ساحة العدالة".
من ناحيته، نفى الجيش النيجيري تلك الاتهامات، وصرح وقتها أن السبب الرئيس لتلك الاشتباكات يعود لقيام "الحركة الإسلامية" بمحاولة اغتيال رئيس أركان الجيش.
كشفت تلك الأحداث عن التأييد القوي الذي يتمتع به الزكزاكي داخل الأوساط الإيرانية، حيث اتصل رئيس الجمهورية الإسلامية -الأسبق- في إيران، حسن روحاني، برئيس جمهورية نيجيريا وطلب منه تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الأحداث التي وقعت في زاريا. كما استدعت طهران القائم بالأعمال النيجيري إلى مقر وزارة الخارجية، وأجرى وزير الخارجية الإيراني الأسبق جواد ظريف اتصالاً هاتفيا بنظيره النيجيري.
وذكرت إذاعة طهران أن المدعي العام في إيران محمد جعفر منتظري خاطب الحكومة النيجيرية بشكل رسمي وطالبها بتسليم الزكزاكي لطهران لتلقي العلاج، معتبراً أن حالته الصحية "مصدر قلق".
كذلك، تلقى الزكزاكي الدعم من جانب العديد من رجال الدين الشيعة. على سبيل المثال، وصف المرجع الديني آية الله ناصر مكارم الشيرازي، الزكزاكي، بأنه "الشهيد الحي في العالم الإسلامي"، ودعا السلطات النيجيرية للموافقة على نقله إلى دولة إسلامية لتلقي العلاج.
في 2019، سمح القضاء النيجيري بالإفراج عن الزكزاكي بشكل مؤقت ليسافر للهند من أجل تلقي العلاج. وعقب عودته، فُرضت عليه الإقامة الجبرية تحت الحراسة المشددة.
في 2021، قضت المحكمة العليا بولاية كادونا في نيجيريا بإطلاق سراح الزكزاكي بعد اعتقاله لمدة 6 سنوات، وفي يوليو من تلك السنة تم الإفراج بشكل نهائي عن الزعيم الشيعي، وخرج مرة أخرى لأنصاره.
علاقته بطهران وحلفائها
حرص الزكزاكي على عقد علاقات وطيدة مع إيران باعتبارها حامية المذهب الشيعي الإمامي الإثني عشري حول العالم. وأعلن في العديد من المناسبات عن ولائه الكامل للنظام الإسلامي في طهران، وعن اعتناقه نظرية الولي الفقيه، التي تجعل من "الحركة الإسلامية" في نيجيريا ذراعاً من أذرع المرشد الأعلى علي خامنئي.
ظهرت دلائل هذا التأييد في العديد من المواقف التي أعرب فيها الزكزاكي عن تقديره لإيران وحلفائها. على سبيل المثال، في الأيام الأولى من ديسمبر 2015، سافر الزكزاكي إلى بيروت وقابل عددا من قيادات حزب الله اللبناني وحرص على التقاط بعض الصور له في مقابر قيادات الحزب، منهم هادي حسن نصر الله وعماد مغنية وجهاد مغنية.
في أغسطس 2023، انتقد الزكزاكي التدخل الغربي في شؤون القارة الإفريقية، وسار على نهج الثورة الإيرانية في موقفها المناهض للإمبريالية العالمية. من بين تصريحاته بهذا الخصوص، أن "أميركا وفرنسا قد تتسببان في أزمة بين نيجيريا والنيجر... من الواضح أن هذه ليست حربنا، بل حرباً بين أميركا وفرنسا".
في أكتوبر من العام نفسه، سافر الزكزاكي إلى طهران للمرة الأولى عقب الإفراج عنه، وحظي باستقبال شعبي حاشد، كما التقى بالعديد من قيادات الجمهورية الإسلامية على رأسهم المرشد علي خامنئي، الذي وصف الزكزاكي بأنه "مجاهد حقيقي في سبيل الله".
في تلك الزيارة، تم تكريم الزكزاكي من قِبل جامعة طهران عبر منحه الدكتوراه الفخرية "لجهوده في نشر مبادئ الثورة الإيرانية في القارة الأفريقية"، وأبدى هو إعجابه بنموذج الحكم في الجمهورية الإسلامية، قائلاً إن إيران حالياً "قوة كبرى ونموذج عالمي".
كما أشاد بأفكار آية الله الخميني، بقوله "رغم مرور 34 عاماً على رحيل مفجر الثورة الإسلامية، الإمام الخميني، إلا أن أفكاره لا تزال حية وحديثة"، ولم يفت الزكزاكي التعليق على أحداث الحرب الجارية في قطاع غزة. فقال أثناء زيارته للعتبة الرضوية في مدينة مشهد الإيرانية "إن عملية طوفان الأقصى هي بداية تراجع الجيش الصهيوني وهزيمته نهائياً".
من جهة أخرى، تابع الزكزاكي أنشطته الرامية لربط حركته بمعاقل التشيع في العالم العربي، وقد وصل هذا الأسبوع إلى مدينة النجف الأشرف في العراق، والتقى بالعديد من المراجع وقيادات الحوزة الدينية، مثل قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق".
وذكر بيان للمكتب الإعلامي للخزعلي، إنه تباحث مع الزكزاكي في أبرز القضايا التي تجري على الساحة الدولية، وفي مقدّمتها "نصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة التي تتصدى للعدوان الصهيوني الغاشم. ومظلومية شيعة أمير المؤمنين في نيجيريا وسائر دول أفريقيا القريبة منها"، على حدّ تعبيره.