يمتلك العراق 19 سداً، شُيّد معظمها على نهري دجلة والفرات وروافدهما بهدف السيطرة على تدفق مياه النهرين عند وفرة الإطلاقات بشكل يحمي المدن من الفيضانات، علاوة على استعمال خزينها في أوقات الشحّة.
أما الفائدة المرجوة من إنشاء السدود، فقد تراجعت نسبياً خلال السنوات الماضية بفعل جملة من العوامل الطبيعية والسياسية، كما تُبين دراسات علمية وخبراء في مجال المياه.
يرجع تاريخ إنشاء السدود في العراق الحديث إلى عام 1913، عندما شيّد في محافظة بابل أواخر العهد العثماني سد الهندية بهدف تحويل مياه نهر الهندية إلى نهر الحلة الذي شحّت فيه المياه، حيث تم بناء السد على أنقاض سدٍ شيّد عام 1836، وتحطم أكثر من مرة نتيجة سوء التخطيط.
ورغم تبني الدولة العراقية الحديثة خطة طموحة لتأسيس مشاريع الري وبناء السدود إلا أن أنها تعطلت أكثر من مرة نتيجة عوامل خارجية، في مقدمتها الحروب العالمية والإضرابات السياسية التي رافقتها.
وخلال الفترة الممتدة من استقلال العراق عن الانتداب البريطاني في 1932 ونهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، لم ينجح البلد سوى ببناء سدٍ واحد هو سد الكوت الذي افتتح في 1939، قبل أن يعود إلى مباشرة مشاريعه المائية في خمسينات القرن الماضي تنفيذاً لإستراتيجية مجلس الإعمار العراقي الذي تأسس عام 1952، وخصّص 70% من عائدات النفط للمشاريع الاإستراتيجية والبنية التحتية.
وتمت المباشرة في بناء العديد من السدود التي لا تزال قائمة حتى اليوم مثل سد دوكان، وسد دربندخان، وسد ثرثار، وسد الرمادي، إلى جانب العديد من مشاريع النواظم المائية وقنوات الريّ.
تواصلت عمليات بناء السدود في العهد الجمهوري لكنها شهدت فترات من التراجع والتباطؤ، نتيجة الحروب التي استنزفت الاقتصاد العراقي، وقدرته على إنشاء المشاريع الإستراتيجية، كما توضح دراسة "مشكلة المياه في العراق الأسباب والحلول المقترحة" للباحثين عادل شريف ومحمد الصندوق.
وأفادت الدراسة أن دول الجوار (تركيا وإيران وسوريا) أقامت -خلال تلك الفترة- العديد من المشاريع المائية التي تركت تأثيراً سلبياً في العراق الذي لم يستعد للظروف المائية القاسية.
وأضاف ناجي في مؤتمر صحافي إن تركيا "لا تعترف بحقوق العراق التاريخية والطبيعية بنهر دجلة، كما أنها لا تعترف بقواعد القانون الدولي".
من الوفرة إلى الشحّة
يقول خبير الزراعة والموارد المائية تحسين الموسوي، إن غالبية السدود الرئيسة في العراق أنشئت بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، من أجل التعامل مع الفيضانات خلال فترات الإطلاقات المائية العالية لنهري دجلة والفرات.
ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن السدود لعبت دوراً مهماً في خزن المياه عندما كانت نسبة الإطلاقات المائية من النهرين مرتفعة، غير أن التراجع الكبير في الإطلاقات قللّ من الأهمية النسبية للسدود في شكلها القائم.
وبلغت نسبة الإطلاق المائي من نهر دجلة قرابة 40 مليار متر مكعب سنوياً، ومثلها من نهر الفرات، قبل أن تتراجع في السنوات الأخيرة إلى أكثر من النصف بفعل السدود التركية على النهرين، بحسب الموسوي.
وفي ظل غياب اتفاق واضح بين تركيا والعراق على تقاسم مياه نهر دجلة، تواصل تركيا مخالفة بنود الاتفاقية الموقعة سنة 1987 لتقاسم مياه نهر الفرات التي تنص على "توفير 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود السورية، تبلغ حصّة العراق منها 58%".
ونتيجة التراجع الكبير في الإطلاقات المائية من النهرين وبالنظر إلى أن غالبية السدود العراقية سدود إملائية صمّمت لغرض حجز مياه النهرين، يؤكد الموسوي "عدم حاجة العراق إلى السدود الإملائية بصيغتها الحالية، متسائلاً (في حال عدم توفر الإطلاقات المائية، ما هي القيمة المضافة للسدود؟".
السدود الإملائية: سدود أنشئت من مواد طبيعية موجودة بالقرب مواقعها، إما من التربة أو بعض الصخور الركامية، وقد تكون مشتركة بينها في كثير من الأحيان وفقاً لمتطلبات التصميم الأساسية للسد. (جريدة الدستور)
وعلاوة على تراجع الإطلاقات المائية في التقليل من القيمة النسبية للسدود الإملائية، يلفت الموسوي إلى المشكلات الفنية في بناء بعض السدود، وسوء التخطيط. ومن النماذج على مشكلات التصميم وسوء التخطيط، يشير إلى سد الموصل -أكبر سدود العراق- الذي جرى بناؤه على أرضية جبسية تسببت في فاقد كبير من قدرته التخزينية، كذلك السدود التي بنيت على نهر الفرات وطالها الجفاف نتيجة سيطرة تركيا وسوريا على أكثر من 90% من روافده.
وحول السدود التي يحتاجها العراق، يشير الموسوي إلى سدود "الحصاد المائي" التي تستطيع التعامل مع السيول والفيضانات المصاحبة للأمطار بشكل يعزز المياه الجوفية، ويقلل من نسب الفاقد نتيجة التبخر. ويشدد على أهمية الخطة التي أعلنتها وزارة الموارد المائية لتشييد 36 سداً للحصاد المائي في عموم محافظات العراق.
ويحتل العراق المرتبة الخامسة بين أكثر دول العالم تضرراً من تغير المناخ، حيث شهد خلال السنوات الأربعة الماضية موجة جفاف هي الأسوأ منذ عقود طويلة.
وتضم هذه المنطقة مدن أور وأوروك وإريدو السومرية القديمة، التي أُنشئت في بلاد ما بين النهرين بين الألفيتين الرابعة والثالثة قبل