FILE PHOTO: International Monetary Fund logo is seen inside the headquarters at the end of the IMF/World Bank annual meetings
صورة تعبيرية من المقر الرئيسي لصندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن

كشف مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي للشؤون المالية مظهر صالح، الأسبوع الماضي، أن العراق تمكن من تسديد جميع القروض التي قُدمت له من قِبل صندوق النقد الدولي منذ سنة 2003.

يأتي هذا التصريح في الوقت الذي تعاني العديد من الدول العربية من تزايد مديونيتها للصندوق. فماذا نعرف عن صندوق النقد الدولي؟ وما تاريخه في المنطقة العربية؟ وما أبرز الدول المقترضة من الصندوق حالياً؟

 

التأسيس 

في عام 1945، تم تأسيس صندوق النقد الدولي مع نهاية الحرب العالمية الثانية، عقب توقيع 29 دولة على ميثاقه في مؤتمر" بريتون وودز" في الولايات المتحدة الأميركية.

مع مرور الوقت، سارعت العديد من الدول للانضمام إلى الصندوق. وحالياً، يبلغ عدد أعضائه 190 دولة، ويقع مقره الرئيس في العاصمة الأميركية واشنطن.

بشكل عام، تتمثل مهام الصندوق في ثلاث نقاط رئيسة هي: "تعزيز التعاون النقدي الدولي، وتشجيع التوسع التجاري والنمو الاقتصادي، وتثبيط السياسات التي من شأنها الإضرار بالرخاء".

وتُعدّ "حصص العضوية" مصدر التمويل الرئيسي للصندوق، إذ تخصص لكل بلد عضو في الصندوق حصة معينة تتحدد عموماً حسب مركزه النسبي في الاقتصاد العالمي. كذلك، يستمد الصندوق بعض إمداداته من خلال بعض الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول الاقتصادية الكبرى حول العالم.

 

العراق

بدأ التعاون الفعلي بين العراق وصندوق النقد الدولي عقب الإطاحة بنظام صدام حسين في سنة 2003. منذ ذلك الوقت، قدم الصندوق قروضاً عديدة للعراق استهدفت دعم استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإصلاحات المالية المطلوبة.

في يونيو 2015، وافق الصندوق على خطة مساعدة للعراق بقيمة 833 مليون دولار، بهدف التصدي لتنظيم داعش الذي سيطر على الموصل. وبعد سنة واحدة، حصلت بغداد على قرض آخر من الصندوق بقيمة 5.34 مليار دولار أميركي على مدار ثلاث سنوات بغرض "دعم الاستقرار الاقتصادي".

وفي يناير 2021 لجأت بغداد للصندوق مرة أخرى عندما طلبت حزمة قروض سريعة بقيمة 6 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع.

على مدار السنوات الماضية، قدم الصندوق العديد من النصائح الاقتصادية للجانب العراقي. على سبيل المثال، في مايو 2023، قام فريق من خبراء صندوق النقد الدولي بمناقشة المسؤولين العراقيين في الخطط المتعلقة بالسياسات الاقتصادية التي تنتهجها بغداد في الفترة الأخيرة.

وأشاد الخبراء بالإجراءات التي اتخذها البنك المركزي العراقي في مجال تحسين إدارة السيولة النقدية، وأُطر مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. أيضاً، في ديسمبر 2023 دعا الصندوق العراق لإجراء بعض الإجراءات الإصلاحية، منها تشديد موقف سياسة المالية العامة بصورة تدريجية، وتعبئة المزيد من الإيرادات غير النفطية، والتقليل من المصروفات الحكومية.

 

مصر

انضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر 1945. وفي منتصف خمسينيات القرن العشرين توجهت إليه من أجل تمويل مشروع بناء السد العالي. وبعد سلسلة من المفاوضات، أعلن الصندوق الموافقة مناصفةً مع إنجلترا وأميركا، مقابل مجموعة من الشروط التي تتعلق بالسياسات المالية للقاهرة.

في حينه، رفض الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر تلك الشروط، فانسحب الصندوق ومن بعده أميركا وإنجلترا من المشروع، بينما حصلت مصر على على المساعدات المالية المطلوبة من الاتحاد السوفييتي.

في بداية عام 1977، أعلنت القاهرة نيتها لتنفيذ مطالب الصندوق في ما يخص زيادة أسعار السلع الأساسية، مثل الخبر والبنزين والسكر والأرز. وعلى إثره اندلعت العديد من المظاهرات الغاضبة في أنحاء البلاد. أطلق على هذا الحراك "انتفاضة الخبز"، التي لم تهدأ إلا بعد تراجع الحكومة عن قرارها.

في التسعينيات، وقعت مصر عدداً من اتفاقيات التمويل مع صندوق البنك الدولي، استُثمرت في حركة الإصلاح اقتصادي.

وبعد تظاهرات 25 يناير 2011، تزايدت وتيرة الاستدانة، حيث عُقدت مفاوضات متعددة بين الحكومات المصرية والصندوق في عهدي المجلس العسكري والرئيس الأسبق محمد مرسي.

وشهد شهر نوفمبر 2016 الإعلان عن تقديم قرض لمصر بقيمة 12 مليار دولار على 6 شرائح على مدار 3 سنوات. وفي مارس الماضي، رضخت الحكومة المصرية لمطالب الصندوق الداعية لتعويم العملة المحلية ورفع سعر الفائدة في البنوك. على أثر هذه القرارات، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، توقيع اتفاق تمويلي بين مصر وصندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليار دولار ليصل إجمالي ديون مصر نحو 15 مليار دولار، لتحتل المركز الثاني في قائمة أكثر الدول اقتراضاً من الصندوق، بعد الأرجنتين.

 

تونس

انضمت تونس إلى عضوية صندوق النقد الدولي في أبريل 1958. وفي بداية ستينيات القرن الماضي، تمكن الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة من إقناع الصندوق بتقديم مجموعة من القروض لتونس بهدف تحسين البنى التحية للاقتصاد، فتسلمت عام 1964 أول قرض.

وخلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، حافظت الحكومات التونسية المتعاقبة على سياستها الخاصة بالتعامل الحذر مع صندوق النقد الدولي، حتى تغير الوضع بعد ثورة يناير 2011، إذ اضطرت تونس للتوسع في الاقتراض من الصندوق.

تم ذلك على مرحلتين رئيستين، الأولى عام 2013 بقرض 1.74 مليار دولار، والثانية في 2016 بقرض  2.8 مليار دولار.

في السنوات الأخيرة، وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الحراك الديمقراطي في تونس، عبّرت العديد من الفئات الشعبية التونسية عن رفضها التوسع في سياسة الاستدانة الخارجية من صندوق النقد الدولي. فقد أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في يونيو 2022، رفضه للإصلاحات التي يريدها الصندوق كشرط لمنح قرض للبلاد، حيث قال أمينه العام: "نرفض شروط صندوق النقد الدولي في ظل ضعف الأجور وضعف الإمكانيات وارتفاع نسبة الفقر والبطالة".

رغم حالة الرفض الشعبي، واصلت الحكومة التونسية مفاوضتها مع صندوق النقد الدولي، ليتفق الطرفان بشكل مبدئي على تقديم قرض قيمته 1.9 مليار دولار، غير أن بنود الاتفاق لاقت اعتراضاً جديداً من قِبل السلطة التنفيذية هذه المرة عندما وصف الرئيس التونسي قيس سعيد خطة الصندوق بأنها "شروط وإملاءات غير مقبولة"، محذراً من أنها "لو طُبقت ستهدد السلم الاجتماعي".

 

الأردن

في عام 1952 انضمت الأردن لعضوية صندوق النقد الدولي. ومع نهاية التسعينيات، بدأت عمّان في عمليات الاقتراض المباشر من الصندوق، قبل أن تتوسع في منتصف العقد الثاني من الألفية الجديدة. بدأ ذلك في أغسطس 2016 حين وافق المجلس التنفيذي للصندوق على طلب الأردن عقد اتفاق ممدد يغطي ثلاث سنوات ويتيح تمويلاً قدره 723 مليون دولار أميركي.

في 2020، وطدت الحكومة الأردنية علاقتها مع الصندوق بعدما تم الاتفاق على برنامج اقتصادي جديد وضعت ضوابطه من قِبل خبراء الصندوق. وفي مايو 2023، زارت بعثة الصندوق العاصمة الأردنية لمتابعة برنامجها الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، وأشادت البعثة بالخطوات التي يسير عليها البرنامج، مؤكدة أن البرنامج "يسير بثبات على المسار الصحيح، مع تحقيق جميع الأهداف الكمية الرئيسة مدعوماً بالأداء القوي في ما يتعلق بالمعايير الهيكلية".

عزز التقرير السابق من قيام الأردن بعمليات اقتراض جديدة من الصندوق. ففي يناير الماضي، وافق على منح المملكة قرضاً بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي على شكل شرائح يتم منحها على مدار 4 سنوات، وذلك "لدعم برنامج الأردن للإصلاح الاقتصادي والمالي".

بشكل عام، تسببت كل تلك القروض في احتلال الأردن المركز الثالث في قائمة أكبر الدول العربية المدينة للصندوق، بإجمالي دين تقترب قيمته من 2 مليار دولار.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.