منذ أوائل شهر يونيو الحالي ومدينة الناصرية جنوب العراق تشهد تصعيداً أمنياً يخشى مختصون أن يتحول إلى احتجاجات عارمة بعد قمع قوات الأمن لمتظاهرين يطالبون بتثبيت عقودهم، في ظل حراك شبابي مستمر منذ ستة أشهر لتوفير فرص عمل وانتشال المحافظة من خط الفقر.
المظاهرات المستمرة في مركز محافظة ذي قار منذ أشهر كانت تجري بسلمية ودون أحداث عنف حتى الأيام القليلة الماضية حين حاولت قوات أمنية أمام بوابة مقرات شركات النفط أدت إلى إصابات بين المتظاهرين والقوات الأمنية على السواء، كما يشرح الأمين العام لـ"البيت الوطني العراقي" حسين الغرابي.
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن الإصابات بين المتظاهرين "كانت نتيجة لضربهم بالرصاص المطاطي، بعضهم إصابتهم بالغة، منهم شخص أصيب في عينه إصابة مباشرة وهو مهدد بفقدانها".
ويتابع الغرابي: "لم تسلم النساء المشاركات في التظاهرة من الأذى، فتعرضن للضرب والإهانة وهو ما يتعارض مع الأعراف والتقاليد". وهنا "خرجت تظاهرات جديدة منددة ومطالبة بمحاسبة المقصرين"، يقول الأمين العام لـ"البيت الوطني العراقي".
وحسب تصريحات إعلامية، من مؤسسات صحية وأمنية في ذي قار، بلغ عدد الجرحى الذين سقطوا نتيجة للاشتباك 15 من القوات الأمنية والمتظاهرين. وقال متظاهرون إن القوات الأمنية اعتقلت عدداً من المشاركين معهم في الاحتجاجات.
أسباب التظاهرات
يقول الناشط المدني مصطفى الفارس إن المحافظة تشهد منذ أشهر تظاهرات تشمل فئات عديدة وشرائح واسعة من أبناء المدينة "بعضها للمطالبة بتحسين الخدمات خصوصاً الكهرباء، وأخرى تطالب بتوفير فرص العمل للخريجين في عقود الـ150 ألف درجة وظيفية ضمن قانون الأمن الغذائي، إضافة لتظاهرات العاطلين المطالبين برواتب الحماية الاجتماعية، وتظاهرات ذوي الاحتياجات الخاصة".
أما الفئة الأخيرة من المظاهرات فهي "تابعة لعقود قرار (315) في وزارة النفط التي أثارت ردود أفعال كبيرة داخل المحافظة بعد تعرض المتظاهرين للعنف ما أسفر عن إصابات كثيرة في صفوفهم، وتعرض المتظاهرات الإناث للضرب، ما أثار موجة سخط كبيرة في المدينة لتخرج مظاهرات جديدة" يوضح الفارس لـ"ارفع صوتك".
وكان مجلس الوزراء العراقي منح بموجب قراره المرقم (315) امتيازات كبيرة للعاملين بصفة أجور يومية وعقود في مختلف المؤسسات الحكومية وفي كافة محافظات العراق العام 2019.
وتقرر في حينها تحويل الأجور اليومية إلى عقود، وتثبيت العقود في الملاك الدائم أو منحهم الأولوية في التعيين والترخيص بعملهم في القطاع الخاص خلال مدة التعاقد، بالإضافة إلى شمولهم بتخصيصات قطع الأراضي والقروض والكفالة والدورات التدريبية والمكافآت.
يقول الأستاذ في جامعة ذي قار باسم خضير "مضى على هذا القرار مدة طويلة وما زال الكثير من الأُجراء وأصحاب العقود يتظاهرون أمام المؤسسات الحكومية التي تم التعاقد معها دون تنفيذ للقرار".
ويشير في حديثه مع "ارفع صوتك" إلى أن "جزءاً منهم كان يتظاهر على بوابات شركة نفط ذي قار للمطالبة بتثبيتهم على المِلاك"، ويعود السبب في تأخير التثبيت كما يقول المسؤولون إلى "عدم توفر التخصيصات المالية، وتأخر إقرار الموازنة ".
من جهته، يرى الغرابي أن عاملاً "مهماً" أدى لتظاهر أصحاب العقود وهو "عبور أغلبهم السن القانوني للتثبيت على ملاك الوازرة بعد سنوات كثيرة قضاها أغلبهم في خدمة المؤسسة على أمل التثبيت، وغالبيتهم من مهندسي ومهندسات النفط".
لماذا الناصرية؟
في معرض إجابته عن أسباب وجود حراك شعبي ومظاهرات بشكل شبه دائم في مدينة الناصرية، يقول الغرابي إن هناك "غضباً من الوضع المزري الذي تعيشه المحافظة".
يوضح: "تعتبر محافظة ذي قار رابع أكبر محافظة في العراق من حيث عدد السكان بعد بغداد والموصل والبصرة، وهي ثاني أفقر محافظة في العراق وفيها أكثر من 65 ألف عاطل عن العمل من الخريجين فقط، ولو جمعنا بقية الفئات لوجدنا جيشاً من الباحثين عن فرص عمل غير متوفرة".
وما يزيد من "مظلومية" المحافظة، يضيف الغرابي "ضعف التخصيصات بالموازنة مقارنة بعدد السكان، ونقص الخدمات وضعف البنى التحتية".
ويؤكد الغرابي أن هذه الأسباب مجتمعة تؤدي إلى "خروج العديد من التظاهرات الفئوية بشكل شبه يومي لتوفير الخدمات وفرص العمل للعاطلين" وفق الغرابي، معرباً عن أسفه لـ"عدم وجود تخطيط حقيقي لتوفير فرص العمل، الذين يضطرون للتظاهر حتى يحصلون على فرص، وأصبح من المتعارف عليه بين الشباب إذا لم تتظاهر فلا أحد يوفر لك أي شيء من مطالبك أو يوفر لك فرصة عمل".
في السياق نفسه، يقول مصطفى الفارس إن "استجابة الحكومات العراقية ضعيفة دون خروج مظاهرات واللجوء إلى الاحتجاجات، وخلال السنوات الأخيرة أصبحت التظاهرات والاحتجاجات ظاهرة في الناصرية بشكل خاص، فمن لا يتظاهر لا يحصل على خدمات أو تعيين".
مظاهرة "ملحق الاستثناء"
أمام مبنى ديوان المحافظة يقف مئات المتظاهرين للمطالبة بما يقولون إنها حقوقهم في الشمول بملحق استثناء في عقود الـ150 ألف درجة وظيفية التي شملت جميع المحافظات غير المنتظمة بإقليم.
يقول أحمد حسين، وهو مشترك في مظاهرات عقود ملحق الاستثناء التي انطلقت منذ ستة أشهر: "حسب التعليمات فإن حصة محافظة ذي قار بلغت 9500 عقد، يتم التقديم عليها ورقياً بالمحافظة والوحدات الإدارية التابعة لها".
ويبيّن لـ"ارفع صوتك": "تم منح استثناء لمحافظة ذي قار للمتظاهرين بأكثر من أربعة آلاف درجة وظيفية معفاة من الشروط باعتبارهم معتصمين منذ ثلاث سنوات. بالنتيجة تدخلت إرادات معينة ولم يتم توزيع الدرجات على جميع المناطق التي شهدت اعتصامات بالتساوي، وهناك مناطق أخذت حصتها بالكامل وبالمقابل مناطق أخرى لم يتم تعيين إلا ربع العدد فقط، وهو ما ولّد مشاكل ومظاهرات جديدة في ذي قار".
جاسم أمير متظاهر آخر من الناصرية، يقول لـ"ارفع صوتك": "خلال أشهر من التظاهر لم يتم تنفيذ أي من الوعود التي أعطاها لنا المسؤولون الذين التقينا بهم، وتم رفض مطالبنا عدة مرات، وكان منها العمل كمحاضرين مجانيين لمدة عام لحين توفر التخصيصات المالية".
يوضح جاسم، وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الرياضيات، أن أغلب شباب المحافظة "عاطلون عن العمل لعدم توفر فرص، وينتهي بهم الأمر إلى اللجوء للعاصمة بغداد من أجل العمل في مطاعمها أو في مشاريع البناء".
وعلى الرغم من الوعود بالحصول على فرص العمل كعقود "إلا أننا نلجأ للتظاهر لعدم ثقتنا بالأحزاب وخشيتنا من أن يتم توزيعها عبر الوساطات أو بيعها مقابل المال، خصوصاً مع وضع درجات مفاضلة مجحفة بحق الشباب من ضمنها شرط الزواج ووجود أطفال، وهي أمور لا علاقة لها بالكفاءة ولا الشهادة"، يقول جاسم.
وينهي حديثه ساخراً: "كيف يمكن أن نحقق شروط المفاضلة بوجود زوجة وأطفال، ونحن غير قادرين على تكوين عوائل لعدم وجود فرص عمل؟!".
يتفق المحلل السياسي غني الغضبان مع ما ذهب إليه أبناء الناصرية الذين التقيناهم، موضحاً: "يتواجد في المدينة شخصيات وشباب يهدفون إلى الارتقاء ولديهم طموح كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل فعلي، لكن هذه الطموحات -بحسب تجربتهم- لا يمكن أن تتحقق دون استخدام حقهم الذي كفله لهم الدستور ألا وهو التظاهر".
وحين خرج المتظاهرون من أصحاب العقود أمام بوابات دائرتهم للمطالبة بحقوقهم "كانوا يظنون أن هناك من سيأتي للتفاوض معهم سواء من أعضاء مجلس المحافظة أو رئيس المجلس أو نائب المحافظ أو غيره لكن هذا لم يحدث" بحسب الغضبان.
في المقابل، يؤكد الغضبان لـ"ارفع صوتك" تعرض المتظاهرين "لهجوم القوات الأمنية بالهراوات، الذين اعتدوا على النساء وحصلت إصابات بين المتظاهرين ورجال الشرطة على السواء، وقيل إن هناك طرفا ثالثاً.. وبهذه الطريقة رجعنا إلى حالة شهدناها سابقاً خلال مظاهرات تشرين 2019، أي إلقاء الكرة في ملعب الطرف الثالث الذي لم نعرف منذ ذلك الوقت من هو بالضبط!".
ويرى أن هناك "أهمية كبرى لإعلان نتائج اللجنة التحقيقية التي تحدثت عن تشكيلها وزارة الداخلية للوقوف على حقيقة ما حصل بالسرعة الممكنة، خشية تدهور الوضع في المدينة التي شهدت تظاهرات في ساحة الحبوبي تنديداً بما حصل مع المتظاهرين والمتظاهرات".