فجر تنظيم داعش مسجد النبي يونس في 24 يوليو 2014، أي بعد شهر فقط من احتلاله للموصل  في يونيو 2014.
فجر تنظيم داعش مسجد النبي يونس في 24 يوليو 2014، أي بعد شهر فقط من احتلاله للموصل  في يونيو 2014.

شكلت المواقع الأثرية في مدينة الموصل هدفاً دائما لتنظيم داعش إبان سيطرته على المدينة، إذ شنّ على نطاق واسع حملات تدمير ونهب للمدن الأثرية، والمتاحف، موثّقاً العديد منها بمقاطع مصوّرة بثّها على منصاته الإعلامية.

خسرت المدينة خلال الفترة الواقعة بين 10 يونيو 2014 و9 يوليو 2017 – بين سقوط الموصل حتى إعلان تحريرها- العديد من آثارها الفريدة، التي توثّق لتعاقب الحضارات على مر العصور.

نستعرض فيما يلي أبرز المواقع الأثرية والتاريخية التي تعرضت للتدمير والنهب:

 

"جريمة حرب" ضد نمرود

يرجع الباحثون تاريخ المدينة إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حين أسسها الملك شلمنصر الأول (1274-1245). واختارها بعد التأسيس الملك آشور ناصربال الثاني مقراً لحكمه وعاصمة عسكرية للدولة الآشورية، وهو ما أكسبها أهمية استثنائية في الحضارة الآشورية.

وتقع المدينة التي اكتشفت في القرن التاسع عشر على ضفاف نهر دجلة إلى الجنوب من مدينة الموصل.

ومنذ الكشف عنها، حظيت المدينة باهتمام الباحثين وبعثات التنقيب المحلية والخارجية، حيث عثر على العديد من الآثار في الموقع كان من أبرزها "كنز نمرود" الذي تكون من نحو 613 قطعة من الأحجار الكريمة والمجوهرات الذهبية.

ومن أهم معالم المدينة تماثيل الثيران المجنجة المنتصبة عند مدخل قصر آشور ناصربال الثاني، والزقّورة، والعديد من المعابد والمقابر.

في 17 نوفمبر 2016، بثّ التنظيم تسجيلاً مصوراً للدمار الذي ألحقه بالموقع، حيث استخدم آلات ثقيلة لتحطيم الواجهة الرئيسية للموقع وكذلك النقوش الآشورية، وتجريف الزقّورة، علاوة على عمليات النهب التي طالت المعابد والمقابر.

الفيديو خلق موجة من الغضب العالمي، حيث وصفت اليونيسكو ما قام به التنظيم بأنه يرقى "لجريمة حرب".

 

خورسباد.. عاصمة آشور القديمة

في مارس 2015، شنّ التنظيم الإرهابي حملة نهب واسعة النطاق لموقع خورسباد الأثري الواقع على بعد ١٥ كم شمال شرق الموصل، قبل أن يقدم على تدمير مساحات واسعة من الموقع باستخدام الآليات الثقيلة.

وخورسباد هي مركز مدينة دور شروكين القديمة التي أمر ببنائها الملك سرجون الثاني  (٧٢١-٧٠٥ قبل الميلاد) في موقع لم يسبق استيطانه.

واختيرت مدينة دور شروكين عاصمة لفترة بسيطة من الزمان في نهاية حكم سرجون الثاني، حيث قرر ابنه وخليفته سنحاريب التخلي عنها كعاصمة بعد وفاة والده.

بدأت أعمال التنقيب في الموقع عام 1843. ومن أبرز معالم المدينة قصر الملك سرجون الثاني الذي يتألف من حوالي 200 غرفة وساحة، إلى جانب المعابد والمذابح.

 

الحضر.. تدمير أول مدينة عربية

مملكة الحضر هي أول موقع أثري عراقي يدرج ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، عام 1985، فهي واحدة من أبزر المدن الأثرية في العراق وأقدم الممالك العربية.

يوجد الموقع الأثري في منطقة صحراوية على بعد 110 كيلومترات جنوب غربي مدينة الموصل، وعلى وادي الثرثار الذي يمر إلى الشرق منها بنحو 3 إلى 4 كيلومترات.

يعود تأسيسها للعام 330 قبل الميلاد، على يد خلفاء الإسكندر الأكبر، قبل أن تصبح عاصمة لأول مملكة عربية في العام 160 للميلاد.

وتتميز المملكة بالخليط الهندسي الذي جمع بين الزخارف الإغريقية والشرقية. ومن معالمها البارزة السور السميك المعزز بإبراج للمراقبة، والمعابد.

في أبريل 2015، بثّ التنظيم شريط فيديو مصور لتدمير المدينة الأثرية باستخدام المعاول والكابلات والأسلحة، حيث أقدم عناصر التنظيم على تدمير المنحوتات الموجودة على الأسوار الخارجية إلى جانب عدد كبير من التماثيل داخل المبنى.

في أعقاب التخريب، قال بيان مشترك صادر عن "اليونيسكو"، والمنظمة الإسلامية  للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) إن " تدمير مدينة الحضر يمثل نقطة تحول في استراتيجية التطهير الثقافي المروعة الراهنة في العراق. إنه هجوم مباشر ضد تاريخ المدن العربية الإسلامية يؤكد هدف تدمير التراث الذي تروج له دعاية المجموعات المتطرفة".

 

جامع النبي يونس

تمتع جامع النبي يونس الأثري بمكانة خاصة في العراق، حيث حظي بقدسية لدى المسلمين وغير المسلمين، الذين كانوا يتوافدون على زيارته.

لا يعرف تاريخ محدد لبناء الجامع فيما تجمع غالبية الروايات على أنه يعود إلى القرن الرابع الهجري،  وأنه جاء على أنقاض معبد يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.

وضمن الحملة التي شنها التنظيم على الجوامع التي تحتوي على أضرحة، على اعتبارها "من أشكال الشرك" وفقاً للتفسيرات المتشددة للتنظيم، أقدم عناصر التنظيم في 24 يوليو 2014، على تفجير الجامع وتسويته بالأرض.  

بعد تحرير المدينة أعلن عن إعادة بناء الجامع، غير أن المشروع تأخر بسبب أعمال التنقيب عن قصر آشوري اكتشف تحت الجامع.

 

منارة الحدباء

يعود بناء المنارة للعام 1170 م، وذلك في عهد والي الموصل عماد الدين زنكي، حيث بلغ ارتفاعها 56 متراً، وبعرض 17 متراً.

أصبحت المنارة المائلة أحد أبرز الآثار التاريخية في مدينة الموصل، وهي جزء من الجامع النوري الكبير الذي يعود للقرن السادس الهجري. وهو الجامع الذي شكل رمزية خاصة للتنظيم حيث صعد زعيمه أبو بكر البغدادي، في 14 يونيو 2014، إلى منبر الجامع معلناً نفسه خليفة للمسلمين.

غير أن تلك الرمزية لم تنقذ الجامع من "بطش" التنظيم الذي أقدم في 21 يونيو 2017، على تفجير الجامع الذي تحول مع المنارة إلى أنقاض.

في عام 2019، أطلقت حملة لإعادة بناء جامع النوري ومنارة الحدباء، ضمن مبادرة "إحياء روح الموصل" في عملية وصفتها اليونيسكو بـ"المعقدة" نطراً لحجم الضرر الذي لحق بالموقع.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.