فجر تنظيم داعش مسجد النبي يونس في 24 يوليو 2014، أي بعد شهر فقط من احتلاله للموصل  في يونيو 2014.
فجر تنظيم داعش مسجد النبي يونس في 24 يوليو 2014، أي بعد شهر فقط من احتلاله للموصل  في يونيو 2014.

 تبدو الشابة لمى الحسن مندهشة وهي تخبرنا عن التجربة الإفتراضية التي خاضتها في "المتحف الإفتراضي في مؤسسة تراث الموصل".

تحكي الحسن عن "جولة ممتعة بين أبرز المواقع الأثرية والبيوت والمواقع التراثية في نينوى، ومن ضمنها المواقع الاثرية التي تعرضت للتدمير على يد تنظيم داعش وخلال الحرب".

بعض المواقع التي شاهدتها الحسن، لم يعد لها وجود بعد تدميرها. لكن بفضل شركة "قاب لاف"، وهي شركة محلية في الموصل، مختصة بريادة الأعمال وتدار من قبل مجموعة من الشباب العراقيين، فإن الكثير من المواقع التي دمّرها "داعش"، عادت إلى الحياة افتراضياً.

عادت هذه المواقع بفضل عملية التوثيق الرقمي وأرشفة تراث الموصل وتأسيس المتحف الافتراضي، الذي قامت به الشركة منذ العام 2019 بهدف الحفاظ على تراث المدينة وتعريف العالم بها بعد الحرب وما تعرضت له الموصل من دمار على يد تنظيم داعش.

واختارت "قاف لاب" إحدى قاعات مؤسسة تراث الموصل، وهي مؤسسة مجتمع مدني محلية مختصة بالحفاظ على تراث الموصل، لتكون مركزاً للمتحف الافتراضي الذي افتتح عام 2022 أمام الزوار العراقيين والأجانب الذين يزورون الموصل للتعرف عليها وعلى تراثها.

تكمل الحسن سرد تجربتها الفريدة: "أجرينا جولة في الجامع النوري، هذه التحفة المعمارية التي دمرها داعش. إنها أول مرة أشاهد فيها الجامع، ولولا المتحف الافتراضي لما استطعنا رؤيته، كذلك زرنا افتراضيا مدينة الحضر وبيوت الموصل القديمة والكنائس التاريخية"، مشيرة إلى أنها زارت من خلال المتحف المواقع التاريخية قبل التدمير وما بعد التدمير.

تشير إحصائيات مؤسسة تراث الموصل إلى أن عدد المواقع الأثرية والتراثية التي وثقت افتراضيا ضمن المشروع في محافظة نينوى حتى الآن بلغت أكثر من 14 موقعاً، هي جامع المصفي، والجامع النوري قبل الحرب، والجامع النوري بعد الحرب، كنيسة مار توما، جامع الباشا، مدينة الحضر، جامع النبي يونس، بوابة نرگال، كنيسة الطاهرة، بارود خانة، قصر نعمان الدباغ، بيت سليمان الصائغ، دير مار متي، ومتحف الموصل.

أطفال يشاهدون افتراضياً مع ذويهم تاريخ الموصل الذي دمره "داعش"

ويشرح مسؤول فريق الواقع الإفتراضي في شركة "قاف لاب" عبد الله بشار، لـ"موقع ارفع صوتك"، آليات عملية التوثيق، وهي "مبنية على أساس علمي عبر تقنية "Photogrammetry"، التي تعتمد على عمل مسح كامل للموقع بواسطة الصور بطريقة تصوير خاصة، عبر تصوير أرضي عن طريق المصورين، وجوي عن طريق طائرات درون الخاصة بالتصوير، ومن ثم وعبر استخدام عدة برامج خاصة بتقنية "photogrammetry" تحول الصور إلى نماذج ثلاثية الأبعاد".

ويشير بشار إلى أن المتحف الافتراضي يتكون من تفاصيل عدة، من نظارات الواقع الافتراضي وتقنيات الواقع المعزز ومطبوعات ثلاثية الابعاد لقطع اثرية، وتقنية الهولوغرام وشاشة العرض، التي تعرض فيها فديوهات توضيحية عن المواقع الاثرية.

وبحسب مؤسسة تراث الموصل، بلغ عدد زوار المتحف الافتراضي منذ انطلاقته قبل نحو عامين وحتى الآن أكثر من 80 ألف زائر من مختلف الاعمار من المحافظات العراقية ومن العرب والأجانب.

ويعتبر رئيس مؤسسة تراث الموصل أيوب ذنون، المتحف الافتراضي نقطة تحول عبر أرشفة المواقع التي دمرت، لافتاً إلى أن من أهداف المتحف دعوة الجهات المحلية والدولية لإعادة إعمار وترميم هذه المواقع.

ويضيف ذنون لـ"ارفع صوتك": "نركز على جيل الشباب والأطفال من خلال زيارة المدارس والجامعات للمتحف، لذلك بحسب الإحصاءات الموجودة بين أيدينا بلغ عدد زوار المتحف من طلاب المدارس والجامعات حتى الآن 15 ألف زائر"، معرباً عن طموحه لتوسيع المشروع، كي يشمل مواقع العراق الأثرية كلها، ويكون هناك متحف افتراضي في المتحف الوطني العراقي ببغداد.

ويؤكد ذنون على أن العوائق التي تواجه عمل التوثيق في نينوى تتمثل في صعوبة الحصول على التسهيلات من قبل الجهات القائمة على هذه المواقع والتصوير والموافقات، والبيروقراطية الموجودة في دوائر الدولة، مضيفاً: "العائق الآخر يتمثل في كون عمليات التوثيق مكلفة نوعا ما قياسا بالتوثيق الفيديوي وغيره، لذلك عادة ما نلجأ إلى الشراكة مع الجهات الدولية لتنفيذ عمليات التوثيق هذه".

انطلقت مؤسسة تراث الموصل التي أسسها أيوب ذنون بعد تحرير محافظة نينوى من تنظيم داعش عام 2017 بهدف الحفاظ على التراث في المحافظة بعد الحرب، وتسعى المؤسسة إلى حفظ و"إسعاف" وتوثيق التراث في محافظة نينوى، وتنشيط السياحة في العراق بشكل عام وفي الموصل بشكل خاص، والعمل على تنمية قدرات العاملين في مجال الثقافة والتراث في محافظة نينوى.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.