سجون العراق
صورة أرشيفية من داخل أحد السجون العراقية

تكتظ السجون العراقية بأكثر من قدرتها الاستيعابية بنحو 300 %، ونتيجة لذلك تسعى وزارة العدل ويطالب حقوقيون بالتخفيف من عدد السجناء عبر إقرار قانون لاستبدال العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة، منها البدل المالي وتحديد الإقامة والعقوبات المجتمعية.

فقد أدى الاكتظاظ إلى تلقي رئاسة الجمهورية العراقية شكاوى هائلة، شكلت على أثرها لجنة ضمت ممثلين عن رئاسة الجمهورية ووزارتي الداخلية والعدل ومجلس القضاء الأعلى ومستشارية الأمن القومي.

كما أعلنت في بيان مقتضب، عن إطلاق سراح 12 ألف معتقل وموقوف ممن انتهت مدد محكوميتهم أو ألغيت من قبل محكمة التمييز.

وتتزايد أعداد السجناء في العراق سنويا بنحو 3-4 آلاف سجين، وهو عدد كبير جداً أغلبه يتعلق في الوقت الحالي بقضايا المخدرات، التي يتجاوز عدد سجنائها 11 ألفاً. ما يعني وجود اكتظاظ كبير في السجون العراقية، كما يقول الخبير في حقوق الإنسان كامل أمين لـ "ارفع صوتك".

وتتجاوز أعداد السجناء في وزارة العدل، 65 ألفا، يضيف أمين، وهو رقم أكبر من القدرة الاستيعابية (24 ألف سجين)".

"وهذا من شأنه إعاقة عملية الإصلاح التي تتطلب التأهيل وإعادة الدمج وتوفير التعليم والخدمات الصحية وتفاصيل أخرى كثيرة، لا يمكن أن تتم بوجود هذا العدد الكبير من النزلاء في السجون"، يتابع أمين.

وهناك توجه قانوني في العراق يطالب بتشريع عقوبات بديلة، يتم العمل عليه منذ سنوات.

وكانت أول مسودة تتعلق بالعقوبات البديلة أعلن عنها مجلس القضاء الأعلى في دراسة نشرت على موقعه الإلكتروني أواخر عام 2020، أصدرتها هيئة الإشراف القضائي في بيان حول مقترح "قانون استبدال العقوبة السالبة للحرية بمبالغ مالية".

الهدف من مشروع القانون كما جاء في الأسباب الموجبة "إعطاء الفرصة لبعض المحكومين بالجرائم العمدية والمخالفات التي لا تتصف بالخطورة، وتقليلا للنفقات التي تثقل كاهل الدولة وإضافة موارد لخزانة الدولة".

شمل مشروع القانون، المحكوم عليه وجاهياً أو غيابياً بعقوبة سالبة للحرية لا تزيد مدتها عن خمس سنوات فأقل، على أن يتم استبدال المدة بالغرامة (20 ألف دينار عراقي عن كل يوم).

تستثنى من ذلك جرائم الفساد المالي والإداري وجرائم المخدرات والاتجار بالبشر وغسيل الأموال وجرائم غسل العار. في وقت لاحق، طالبت هيئة الإشراف القضائي بتعديل الفئات المستثناة من القانون لتشمل "تجارة المخدرات والجرائم المخلّة بواجبات الوظيفة وغسيل الأموال والقتل العمد".

في أبريل 2024 وصلت المسودة الأولية إلى البرلمان العراقي، كما أفاد بيان للجنة القانونية، أشارت فيه إلى حصول موافقة رئاسة مجلس النواب على مقترح القانون وإدراجه قريباً على جدول أعمال المجلس.

يوضح المتحدث باسم وزارة العدل أحمد العيبي، لـ"ارفع صوتك" أن مقترح القانون "يتضمن منح المحكوم بعقوبة الحبس ثلاث سنوات فأقل للكبار، تزيد إلى خمس سنوات للأحداث فأقل، بتقديم طلب بعد قضاء ربع المحكومية لاستبدال المتبقي منها بمبلغ مالي قيمته عشرة آلاف دينار لليوم الواحد".

ويشمل القانون "الجرائم البسيطة بعد تنازل أصحاب الحق الشخصي، ويستثنى المشمولون بقانون العفو سابقاً وعادوا إلى ارتكاب جرائم، والمحكومون بجرائم الاتجار بالمخدرات والفساد والإرهاب"، وفق العيبي.

ويؤكد أن من شأن القانون "معالجة الاكتظاظ الكبير في السجون الذي وصل إلى 300% بسبب ضعف البنية التحتية"، مردفاً "نسعى إلى بناء سجون جديدة وإضافة أبنية إلى السجون الموجودة حالياً" للتقليل من حدة الأزمة.

من جهته، يستبعد النائب وعضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، محمد عنوز، قراءة مشروع القانون ومناقشته في الوقت الحالي، بسبب "ضيق الوقت"، مستدركاً "يمكن أن يتم طرحه بعد العطلة التشريعية".

"حاجة ملحّة"

في السياق نفسه، يقول المحامي خليفة الربيعي إن القانون العراقي للعقوبات تم إقراره قبل أكثر من 60 عاماً، ولم يشهد الكثير من التطوير والتحديث في العقوبات، لذلك فإن "الحاجة ماسّة لاستبدال العقوبات السجنية مواكبةً للتطور في العالم، فلا يجوز أن نستمر بحبس من لديهم مخالفات تعتبر بسيطة وغير مؤذية للآخرين لفترات بسيطة تصل أحياناً إلى حوالي سنة واحدة"، بحسب تعبيره. 

ويرى أن للعقوبات السالبة للحرية "دور سلبي في أحيان كثيرة" خصوصاً التي تكون مددها قصيرة "نتيجة اختلاط المعاقبين بها بالمجرمين المتمرسين، فضلاً عن تكلفتها خزينة الدولة أموالاً باهظة دون تحقيق الفائدة المرجوّة منها. كما أنها تترك آثاراً غير مقبولة على حياة المحكوم عليه وعائلته".

وهذه الآثار السلبية دفعت العديد من الدول إلى التفكير بالعقوبات البديلة التي يمكن تطبيقها على أنواع معينة من الوقائع الجرمية، مع وضع سلطة تقديرية للقاضي في اختيار العقوبة حسب الواقعة الجرمية وما يكتنفها من أسباب التشديد أو التخفيف، على ألّا تتعارض مع مصلحة المجتمع.

يتفق أحمد العيبي مع الربيعي، مضيفاً أن "القانون يشترط عدم التسبب بضرر مجتمعي وألّا يكون السجين مشمولاً بجرائم القتل والإرهاب".

"ويمكن أن تكون العقوبة على شكل عمل داخل مؤسسة لمدة 8 ساعات يومياً، كما لا يتم شمول من يسبب خروجه من السجن ضرراً مجتمعياً أو خطراً على السجين نفسه" كما يقول العيبي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.