الحكومة العراقية استعادت جزءا من مبالغ الأمانات الضريبية. أرشيفية
الحكومة العراقية استعادت جزءا من مبالغ الأمانات الضريبية. أرشيفية

على الرغم من مرور وقت طويل على اعتقال المتهم الأول بما سُمّي "سرقة القرن" في أكتوبر 2022، إلا أنه، حتى الآن، لم تعلن الجهات الرسمية عن استعادة 2.5 مليار دولار "نهبت من حسابات الأمانات الضريبية" كما لم يُعلن بشكل رسمي عن الشبكة الكبيرة من المتورطين فيها.

 وكانت قضية سرقة القرن أثارت جدلاً واسعاً في العراق الذي يحتل المرتبة 157 عالمياً في مؤشر منظمة الشفافية، بعد إلقاء القبض على المتهم الرئيس فيها المدعو نور زهير، خلال محاولته الفرار من العراق بطائرته الخاصة عبر مطار بغداد الدولي، ثم إطلاق سراحه بكفالة.

 واحد من أسباب اهتمام المجتمع العراقي بالقضية هو "عدم الإعلان عن استعادة إلا مبلغ ضئيل من المال، بالإضافة إلى عدم الإعلان عن صدور أحكام ضد أي من المتهمين فيها" كما يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني لـ "ارفع صوتك".

 ومن الملاحظ، بحسب المشهداني أن "كثير من قضايا الفساد المالي والإداري يتم الحكم فيها بشكل مخفف لا يتناسب مع الجرم المرتكب بحق الاقتصاد والمجتمع، وهو ما ينعكس سلباً على جهود مكافحة الفساد في العراق".

 

 ضرر اقتصادي

 يشرح المشهداني كيفية الكشف عن القضية والذي تم عبر وزير النفط في الحكومة السابقة إحسان عبد الجبار الذي تسلم مسؤولية إدارة وزارة المالية بالوكالة عقب استقالة وزير المالية علي علاوي.

 وكان علاوي قدم استقالته في أغسطس 2022، ملقياً باللائمة على الفساد الذي يسري في مفاصل الدولة، حيث "تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وتسحب مليارات الدولارات من الخزانة العامة"، على حدّ تعبير الوزير في رسالة استقالته.

يفنّد المشهداني ما حدث: "قبل تسلم عبد الجبار ملف وزارة المالية كانت هناك مطالبات من الشركات النفطية التي أودعت أموالها في حساب الضرائب لاستعادة ما تبقى من حساباتها. لكن، لم تتم الاستجابة للمطالب، وحين وصل وزير النفط إلى وزارة المالية طالب بملف الأموال الضريبية ليكتشف عدم وجود الأموال".

 كانت ردة فعل وزير النفط هي تقديم استقالته هو الآخر في أكتوبر العام 2022 وقد نشر تغريدة على موقع "أكس"، أعلن فيها عن نتائج تحقيق أجري خلال وجوده في المنصب أظهرت أن 3.7 تريليونات دينار عراقي، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار "سرقت" من أموال الضرائب المودعة في مصرف الرافدين التابع لوزارة المالية العراقية.

 ينظر المشهداني إلى قضية سرقة القرن من ناحية حجم الضرر الكبير الذي أصاب الاقتصاد العراقي في الموازنة وفي قدرته على جذب المستثمرين، كما يقول. من ناحية الضرر المالي "فإن الحكومة العراقية ملزمة بدفع مبالغ الأمانات الضريبية للشركات النفطية التي وضعت ملايين الدولارات وكان يفترض استعادتها بعد التسويات الضريبية". وحين سرقت تلك الأموال "فإن من حق تلك الشركات استعادة أموالها بغض النظرعن قدرة العراق على استردادها ممن سرقها أو لا، لأن هذا يعتبر مشكلة العراق وليس الشركات".

 الموضوع أيضاُ أضر بسمعة البلد، بحسب المشهداني، إذ إن "هناك قضية لم يتم حسمها رغم مرور مدة زمنية كبيرة تتعلق بسرقة أموال شركات عالمية نفطية، وهو أمر يؤثر على المستثمرين الجدد الراغبين بدخول السوق العراقية".

 لدينا أيضا، يتابع المشهداني، "استجابة بطيئة في الحكم بالقضية أو القبض على المتهمين وغيرها من الأمور التي ينظر لها المستثمر الأجنبي بعين التدقيق".

محكمة الكرخ
"سرقة القرن".. القصة الكاملة لقضية "أموال الضرائب" المنهوبة في العراق
في يوم أمس الثلاثاء، حوالي الساعة السابعة مساء، اقتحم رجلا أمن طائرة خاصة في مطار بغداد بغية الوصول إلى "رجل أعمال" استقر لتوه على كرسيه. حاولت مضيفة أجنبية إيقافهما لخرقهما قوانين الطيران، لكنهما لم يأبها لاعتراضاتها ووصلا إلى الرجل. جادلهما الرجل حول عدم قانونية الإجراء. رفع أحدهما مذكرة إلقاء القبض أمام وجهه واقتاده الشرطيان إلى خارج الطائرة.

أين وصلت القضية؟

 حاول فريق "ارفع صوتك" الحصول على إجابات عن الأسئلة المتعلقة بمصير الأموال وحجم ما تم استرداده من الجهات المعنية بالقضية، وهي هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية ووزارة المالية ومجلس القضاء الأعلى. ولكن، كل الجهود التي بذلت لم تؤد إلى الحصول على أي تعليق مرتبط بالقضية، بسبب تحفّظ الجهات الرسمية عن إجراء لقاء، كون القضية ما زالت منظورة أمام القضاء ولم يبت بها حتى الآن.

 أما النتائج التي تم الإعلان عنها إعلامياً فبدأت في نوفمبر 2022 عندما ظهر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني محاطاً بمبلغ 182 مليار دينار عراقي (أكثر من 121 مليون دولار) وأعلن عن تمكن الحكومة العراقية من استرجاعها من أصل مبلغ 1.6 تريليون دينار سرقت من قبل رجل الأعمال نور زهير.

 كما كشف عن التوصل إلى تسوية يمنح زهير من خلالها إفراجاً بكفالة "مصفى يمتلكه" مقابل إرجاعه المبلغ المسروق "خلال مدة أسبوعين". وقال إن القضاء سيشرف على بيع أصول مالية يمتلكها زهير يفترض أن قيمتها "أكبر من المبلغ".

 ولم تظهر أي أخبار أخرى عن استرجاع الأموال، حتى مارس 2023 عندما كشف رئيس هيئة النزاهة العراقية حيدر حنونا لوكالة الأنباء الرسمية عن استعادة 400 مليار دينار عراقي من الأموال المسروقة. وأكد على أن الهيئة تعمل على تتبع بقية الأموال، مشيرا إلى أن قائمة المتهمين "سوف تطول". هذه القائمة التي قال عنها لاحقا إنها وصلت إلى 48 متهماً.

 

 أداة بيد نافذين

 المحلل السياسي غني الغضبان يقول لـ "ارفع صوتك" إن سرقة القرن "شهدت اشتراك مجموعة كبيرة من الفاسدين سواء من السياسيين أو الموظفين الفاسدين". مع ذلك لم يُسلّط الضوء إلا على شخصية واحدة (نور زهير) و"لكن الحقيقة أن هذا الرجل ما هو إلا أداة من قبل بعض الأحزاب والنافذين والذين قاموا باستمالة الرجل ورسم الخطة له على تلك السرقة"، بحسب الغضبان الذي يضيف: "هناك مع المتهم الأساسي الكثير من الشخصيات قسم منه كان ظاهراً للعيان، وقسم آخر لم يخرج على الساحة ولم يسلط الضوء عليه ". -والدليل على ذلك- أنه" سرعان ما تم إطلاق سراحه وهو حر طليق ويتمتع بالأموال بحجة أن خروجه من خلف القضبان يساعده على بيع الممتلكات التي استحوذ عليها من الصفقة وإعادة المبالغ للحكومة".

 لكن المدة الزمنية الطويلة وعدم الإعلان عن استرداد الأموال يعني، بحسب الغضبان، أن "هناك جهة أو بعض الأشخاص هم داعمون لهذا الرجل ويحاولون عرقلة كل الإجراءات القانونية بحق الرجل ومن معه "، بحسب تعبيره.

 لكن المشكلة الحقيقية التي يواجهها العراقيون الآن كما يرى الغضبان تكمن في أن هذه الصفقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد ظهرت بعدها العديد من الصفقات، بالإضافة إلى السرقات غير المعلنة والأموال التي تذهب في مشاريع وهمية وُضع لها حجر الأساس وصرفت لها أموال ولم يتم تنفيذها أو معاقبة مرتكبيها رغم مطالبات شعبية بالكشف عن المتسببين بهدر المال العام".

 "أحكام مخففة"؟

 ويقول المحامي صفاء اللامي لـ" ارفع صوتك "، إن "إطلاق سراح المتهم بكفالة أمر ممكن وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو من صلاحية قاضي التحقيق ولا يعني إيقاف القضية لأنها مستمرة وفقا للإجراءات القانونية".

 ويعتقد اللامي أن "هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة. فالمحكمة كانت أمام خيارين الأول سجن المتهم والثاني إطلاقه وبيع الأصول لاستعادة الأموال، وهو ما فضلته المحكمة لأنها رأت أن الفائدة أكبر باستعادة الأموال لتعود إلى خزانة الدولة ".

 أما عن اسباب خروج المحكومين بقضايا سرقة المال العام دون تسديدها، فيشير اللامي الى إن السبب وراء ذلك، "يعود إلى إلغاء قانون مجلس قيادة الثورة المنحل الذي كان ينص على أن من يحكم بسرقة أموال الدولة لا يخرج من التوقيف إلا بإعادة الأموال".

 ويوضح اللامي أن "إحدى الشخصيات قامت برفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية ضد القرار باعتباره يخالف مبادئ حقوق الإنسان، فألغته المحكمة وأصبح من يتم الحكم عليه لسرقة أموال الدولة يحكم لفترة اقصاها سبع سنوات، و ينهي مدة السجن ويخرج حتى لو لم يتم تسديد المبالغ المسروقة بالكامل".

 أما مرور وقت طويل من دون البت بالقضية أو استعادة كامل الأموال المنهوبة، فيعتبر، بحسب اللامي، "أمراً طبيعياً في هذه القضية، بسبب تداخل الأطراف السياسية فيها، ووجود عدد كبير جداً من المتهمين وكثير منهم فارّون خارج البلد ولم يتم استعادتهم".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.