شاب عراقي أثناء ممارسته رياضة التجذيف في نهر دجلة - فرانس برس
شاب عراقي أثناء ممارسته رياضة التجذيف في نهر دجلة - فرانس برس

على كتفه، يحمل لاعب المنتخب الوطني للتجذيف محمد رياض قاربه من مركز تدريب "جمعية التجذيف" لينزل به على درجات ملونة باتجاه ضفاف نهر دجلة. يضع حمله الثقيل على الماء ثم يبدأ ربط مجذافيه قبل أن يستقله برشاقة ويُباشر تمرينه اليومي استعداداً لمشاركته المرتقبة في بطولة آسيا.

 لاحقاً؛ يبدأ بقية اللاعبين والمتدربين بالنزول إلى دجلة بالطريقة ذاتها ليكملوا تمارينهم اليومية التي تنطلق من القاعة الرياضية وتنتهي في النهر.

يتذكر الكابتن رياض بداية تعلقه برياضة التجذيف، قائلاً لـ"ارفع صوتك": "حين شجعني جدي الذي كان يمتلك قارباً خشبياً ويشارك في بطولات شعبية لسنوات، قبل أن تتحول اللعبة إلى رياضة رسمية لها إدارتها الخاصة بها".

 أغلب المتدربين هنا يشبهونه في قرب مناطقهم السكنية من مياه النهر "ولهذا يجيد أغلبنا السباحة ويرغب بممارسة هواية لها علاقة بالماء"، يضيف رياض.

وعلى العكس، يتابع الرياضي العراقي "كلما ابتعدت مناطق السكن عن الماء زاد التعلق بأنواع أخرى من الرياضة، خصوصاً كرة القدم وهي الأكثر شعبية في بلدنا".

لاعب المنتخب العراقي محمد رياض- ارفع صوتك

على ضفة النهر يقف الطفل محمد أيسر (12 عاماً) يراقب سير التدريبات، فهو يعتبر رياض "مثله الأعلى في هذه الرياضة الصعبة" كما يقول لـ"ارفع صوتك".

أيسر الذي بدأ تدريبه قبل أكثر من شهر لا يزال يعاني من رهبة السباحة في مياه النهر، يقول "لكل لاعب نقطة ضعف البعض في التنفس والآخر في الغوص. وأنا لحد الآن أخشى النزول إلى مياه النهر".

لكنّه متفائل بأنه سيتجاوز هذه العقبة، أسوةً بمن سبقه من الرياضيين، ومدفوعاً بحبّه وطموحه في المشاركات الدولية.

التقينا في المكان نفسه لاعب منتخب الشباب للتجذيف حسين علي فوزي، يقول "التجذيف رياضة مرهقة وتحتاج إلى شخص لديه صبر وقوة وقدرة على الاستمرارية، لأن أسبوعاً واحداً من ترك اللعبة يعني العودة لنقطة البداية".

ويمازح أيسر الذي كان يجلس إلى جانبه وتحلق حولهما أطفال آخرون "انقلبت خمس مرات قبل أن أتمكن من الجلوس بتوازن في القارب. لكن، الآن أصبح استقرار القارب يأتي دون تفكير".

تمكن فوزي من حصد الميدالية الذهبية في التجذيف الأرضي (الأركوميتر) ضمن بطولة آسيا عام 2020 للفئات تحت سن 13 عاماً، التي أقيمت بسبب الحظر (أون لاين).

"إحساس الفخر والسعادة حفّز في داخلي حب اللعبة أكثر وأصبحت أكثر مثابرة وأنظر لمستقبل هذه الرياضة بتفاؤل"، يضيف فوزي.

 في الوقت الحالي يتدرب للوصول إلى بطولة آسيا التي ستقام في أغسطس المقبل، آملاً بثقة "لدي إرادة قوية للوصول لمركز متقدم وتحقيق نتائج متقدمة".

مراحل التطور

 بدأت رياضة التجذيف في العراق من خلال الفرق الشعبية التي تمارس عملها ورياضتها في استخدام القوارب للتنقل بين ضفتي النهر، كما يقول رئيس الاتحاد العراقي للتجذيف عبد السلام خلف .

لكن كرياضة احترافية، يروي خلف لـ"ارفع صوتك"، لم تبدأ إلا عام 1987 ضمن الألعاب الخفيفة رغم أنها ليست من هذه الفئة. حيث كان إلى جانبها ألعاب الريشة والقوس والسهم والبولينغ، واستمرت كذلك حتى 1992 حين أصبح للعبة اتحاد مستقل كان اسمه "التجذيف والكانوي".

ويضيف "في تلك الفترة اشترك الفريق في بطول العرب بمصر. حينها، كنا نمتلك زورقاً واحداً، ما زلنا نحتفظ به حتى الآن معلقاً في مدخل جمعية التجذيف".

واجهت هذه الرياضة تحديات عديدة في العراق، أبرزها كما يشرح خلف "يتعلق بالمعدات حيث كان من الصعب الحصول عليها خلال فترة الحصار الاقتصادي (1990-2003) حتى اتفاق النفط مقابل الغذاء الذي بدأ أواسط التسعينيات، فتمكنّا بعدها استيراد قوارب متخصصة، وكانت التدريبات تتم في جزيرة بغداد السياحية".

بعد سقوط النظام البعثي اختفت قوارب الاتحاد، ولم يجد منها خلف سوى القليل ليعيدها ويستأنف التدريبات. ولاحقاً، أرسل الاتحاد الدولي مدرباً للعراق وبدأت رحلة فريق التجذيف مجدداً، ولم يستقل عن "الكانوي" إلا قبل أربع سنوات.

يقول خلف: "منذ 2004 بدأ فريقنا الاشتراك في بطولات عربية وعالمية، وشاركنا في دورتين أولمبيتين تأهل فيها اللاعب محمد رياض عام 2016 و2021".

وخلال العام الحالي يستعد الفريق العراقي للاشتراك في بطولتي آسيا للشباب بقوارب الزوجي والرباعي وبطولة آسيا للتجذيف الأرضي.

التحديّات 

رغم التطور السريع الذي تشهده رياضة التجذيف إلا أن هناك صعوبات وعقبات تقف أمام الرياضة في العراق على رأسها "صعوبة جذب اللاعبين فهي رياضة غير معروفة على نطاق واسع وهي تحتاج إلى تدريبات مكثفة وطويلة يومية" بحسب خلف.

يتابع: "كما أن ممارسة اللعبة كهواية خارج الجمعية تحتاج إلى معدات تخصصية كالقارب نفسه (كاياك، الذي يُعتبر باهظ الثمن بالنسبة للأفراد، بالإضافة إلى التدريب على جهاز التجذيف الأرضي. ومؤخراً أضيفت صعوبة جديدة تتعلق بالتحويلات المالية عبر البنك المركزي لشراء المعدات".

بالإضافة لما سبق، يتحدث خلف عن المخاطر التي تعترض طريق المتدربين في نهر دجلة، حيث "تعرض بعد المتدربين للرشق بالحجارة ما أدى لإصابتهم وتضرر القواب، ناهيك عن العوائق داخل النهر ووجود الزوارق الأخرى الخاصة بالصيادين والمتنقلين والمتنزهين، كونه ملكية عامة وليس خاصاً بالاتحاد".

من جهته، يؤكد المدرب محمود نهاد الذي بدأ بممارسة التجذيف عام 1992 وحصل على عدة ميداليات، أن أهم مشكلة تواجهه "قلة عدد المتدربين" إذ يُدرب حاليا سبعة أشخاص فقط، سيتم اختيار ثلاثة لأربعة منهم للاستمرار في التدريب وينضموا للفريق.

ويشرح لـ"ارفع صوتك": "أعداد المتقدمين في الدول الأوروبية والأميركيتين تصل إلى المئات، مقابل اختيار عشرة منهم أو أقل تكون لديهم اللياقة والقدرة البدنية المطلوبة لهذه الرياضة الشاقة التي تتطلب التجذيف لألفي متر على المياه".

 ويضيف نهاد، أن العمر المطلوب للبدء بالتدريب على التجذيف يوازي سنّ الدراسة المتوسطة في العراق (13-15 عاماً)، لذلك هناك صعوبة في اجتذاب المهتمين لأن أهاليهم يشددون عليهم للتركيز في الدراسة وترك التمرين، خصوصا فترة الامتحانات، حيث يرون أن "الرياضة لا مستقبل لها في العراق".

كما تعاني رياضة التجذيف من "نقص حقيقي في البنية التحتية المناسبة من حيث وجود ماء ثابت لممارستها وليس ماء النهر الجاري" بحسب نهاد، مردفاً "لا يمكن قياس السرعة الحقيقية للاعبين أو الثبات على خطوط السباق المستقيمة التي يتطلبها السباق".

وكل ما ذكره نهاد يؤدي وفق توضحيه إلى التسبب بـ"معاناة كبيرة للاعبين والتأثير على مشاركاتهم في البطولات، ما يستدعي الحاجة لإقامة معسكرات خارج العراق في تركيا والصين ودول أوروبية قبل المشاركة".

في ختام لقائنا معه، يستدرك نهاد القول، بأن هذه الصعوبات والعوائق لا تلغي "تصميم اللاعبين الكبير على المشاركة في الأولمبياد وتحقيق مراكز متقدمة للعراق".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.