بعد أكثر من ستين عاماً على إحراز العراق لميداليته البرونزية اليتيمة في أولمبياد روما، تبدو فرص المشاركين في حصد الأوسمة الملونة صعباً، في ظل ضعف الإمكانيات وقلة الاهتمام بالألعاب الفردية والتركيز على كرة القدم الأكثر شعبية في البلاد.
وتتألف بعثة العراق في أولمبياد باريس 2024 المقرر إجراؤها بين 26 يوليو الجاري و11 أغسطس المقبل، بحسب بيان للجنة الأولمبية العراقية، من 26 رياضياً في ألعاب كرة القدم ورفع الأثقال وألعاب القوى والجودو والسباحة إضافة إلى الإداريين والمدربين والأطباء والمعالجين.
وأوضح مدير المكتب الإعلامي للاتحاد العراقي لكرة القدم يوسف فعل أن اللاعبين ينقسمون إلى قسمين "الأول تأهل بفضل إمكانياته ومشاركاته عبر منتخب كرة القدم الذي تأهل بعد حصوله على المركز الثالث ببطولة آسيا تحت سن 23 عاماً. ورفع الأثقال ممثل بالرباع علي عمار يسر الذي يعول عليه بشكل كبير للوصول إلى أدوار نهائية متقدمة في منافسات رفع الأثقال".
والثاني يضم "أعضاء ثلاث فعاليات أخرى يسافرون إلى باريس ببطاقات دعوة من الأولمبية الدولية تسمى البطاقة المجانية في فعاليات السباحة وسباق 100 متر والجودو، وهذه البطاقات تمنح لأي دولة لا يوجد لديها عدد كاف من اللاعبين"، أضاف فعل.
وقال إن المنتخب العراقي لكرة القدم "هو الممثل الوحيد في القارة الآسيوية ونعوّل عليه كثيراً لتحقيق إنجاز أفضل من أولمبياد 2004 حين حلّ رابعاً في دورة أثينا".
ميدالية يتيمة
طوال تاريخ الألعاب الأولمبية لم يسجل العراق مشاركة منتظمة في دوراته، أول مشاركة له كانت العام 1948 ثم شارك العام 1960 للفوز بالميدالية البرونزية في رفع الأثقال على يد الرباع عبد الواحد عزيز (1931-1982) في روما، ولم يكررها في مشاركاته اللاحقة حتى الآن.
أما في مجال كرة القدم فتعتبر دورة ألعاب باريس 2024 هي الدورة السابعة التي يشارك بها العراق وكانت أعلى أرقامه مسجلة عام 2004، حين تمكن من تحقيق المركز الرابع في دورة أثينا.
خلال تلك المدة، يقول الإعلامي الرياضي حسين قاسم "كان الرباع عبد الواحد عزيز يعمل على تطوير نفسه وشارك بشكل مستمر في البطولات العراقية والعربية والعالمية وحصد ألقاب عديدة قبل أن يتأهل إلى الأولمبياد، وكان من المؤمل أن يحصد الميدالية الفضية".
ويضيف قاسم لـ"ارفع صوتك": "الأمر ذاته كان ينطبق بشكل عام على أغلب المشاركين بالألعاب الأولمبية. يبدأ الأمر من الهواية ويتم التدرب بعمر مبكر، وهو ما تنبهت له الدول المشاركة وأصبح الموضوع بالتدريج صناعة واحترافاً حقيقياً".
لكن ذلك لم يحصل في العراق "مع الأسف" وفق تعبير قاسم. يشرح "يركز العراقيون على كرة القدم، أما الألعاب الفردية فلا تحصل على الاهتمام المطلوب رغم أهميتها ووزنها في دول عديدة أهمها الدول الثلاث الأولى في مجال الألعاب الفردية وهي على التوالي الولايات المتحدة وروسيا والصين".
احتياجات
يتفق مدير المكتب الإعلامي للاتحاد العراقي لكرة القدم يوسف فعل مع ما ذهب إليه حسين ويتحدث لـ "ارفع صوتك" عن صعوبات كثيرة تواجه لاعبي الألعاب الفردية عكس كرة القدم.
يقول "المنافسة تحتاج إلى الكثير من المشاركات والاستعدادات لتحقيق نتائج إيجابية، لذلك نرى أن مشاركات العراق غالباً ما تكون شحيحة وقليلة ويعاني لاعبوه من صعوبات خلال المنافسات".
ويعدد فعل ملامح قلّة الاهتمام بالرياضات الفردية الأولمبية: "ضعف في الإدارات وعدم وجود تخطيط وغياب الفكر والتنظيم الإستراتيجي في الرياضة العراقية بصورة عامة. بالإضافة لعدم وجود خطط قصيرة وطويلة المدى من أجل تهيئة اللاعبين بألعاب الفردية والجماعية من أجل الدخول للمنافسة".
يتابع: "في الوقت الحالي أصبحنا نرى دولاً أقل إمكانيات من الناحيتين المادية والبشرية تحقق إنجازات أكثر من العراق. وهذا دليل على التشتت وغياب الإستراتيجيات والفكر الرياضي الذي يقود هذه العملية أسوةً ببقية الدول".
فألعاب الأولمبياد، يضيف فعل "تختلف عن البطولات الإقليمية والقارية، وتحتاج جهداً وتنظيماً وتخطيطاً ورؤية مستقبلية لتحقيق معايير الاحتراف واحتضان اللاعبين والطاقات التي يرى فيها المدربون القدرة على تحقيق الأوسمة".
بالنسبة لتحقيق مراكز أولى في أولمبياد باريس، يعتقد فعل أن الأمر "صعب" مستدركاً "لكنّه ليس مستحيلاً بوجود فريقنا الكروي والرباع علي عمار".
في الوقت ذاته، يؤكد فعل أن هناك طرق يمكن اتباعها لتحقيق الاحترافية في العراق، وهي "إدخال طرق تدريب حديثة قادرة على استثمار الطاقات والقدرات لدى اللاعبين من أجل المنافسة، في ظل التطور الرياضي والتكنولوجي الذي بفضله أصبحت الرياضة تدار بطرق مختلفة علينا دراستها وتطبيق ما يفيد البلد منها في الداخل".
من جهته، يرى الإعلامي الرياضي أمين شراد، أن العراق لديه "فرصة طيبة" للظهور بشكل مؤثر في أولمبياد باريس "باعتبار أنه المتأهل الوحيد من آسيا ويتأمل التأهل إلى تصفيات كأس العالم".
"فالفريق المشترك لديه طموح بتحقيق أحد المراكز الثلاث الأولى وتحقيق إنجاز أعلى مما وصل إليه في 2004، ونحن نعوّل عليه للوصول إلى إحدى الميداليات الملونة"، يقول شراد لـ"ارفع صوتك".
يتابع: "توجد إمكانية كبيرة للرباع علي عمار للحصول على ميدالية جديدة. ونتمنى ألا تبقى الميدالية التي حصدناها قبل ستين عاماً وحيدة بعد هذه الأولمبياد".
ويقرّ شراد أن "تحقيق ميدالية أولمبية ليس بالأمر السهل، لأنه إنجاز يأتي نتيجة العمل بشكل مستمر لسنوات، بينما يقوم العراق عادة بالتحضير للألعاب الأولمبية في وقت متأخر وخلال مدة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر من بدئها".
ويختم حديثه بالقول "في حال كانت لدينا رغبة بالحصول على المزيد من الأوسمة والتقدم الرياضي، علينا البدء مبكراً لتحقيق إنجاز أفضل وتحقيق نسب مشاركة أكثر تنوعاً وقدرة واستعداداً من السنوات السابقة وتوفير الإمكانيات والتدريب المتطور والمستمر للاعبين العراقيين".