أيزيديون يحتفلون برأس السنة الأيزيدية في معبد لالش قرب مدينة دهوك العراقية/ وكالة الصحافة الفرنسية

الدمار يغطي معظم أجزائه، وقوات مختلفة المراجع العسكرية تتقاسم السيطرة عليه، ونقص حاد في الخدمات الرئيسية، هذا هو حال قضاء سنجار محافظة نينوى شمال العراق، بعد مرور عقد على الإبادة الجماعية بحق سكانه الأيزيديين.

اجتاح تنظيم داعش في 3 أغسطس 2014 قضاء سنجار الذي يضم أغلبية تتبع الديانة الأيزيدية، وارتكب التنظيم إبادة جماعية بحقهم أسفرت عن مقتل أكثر من 5000 أيزيدي، واختطاف 6417 أيزيديا غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب إحصائيات مكتب إنقاذ المختطفين الأيزيديين.

وبلغ عدد المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار حتى الآن 83 مقبرة جماعية، فيما عدد المزارات والمراقد الدينية التي فجرها داعش في حدود سنجار إلى 68 مزارا.

فما حال سنجار اليوم، وهل باتت مؤهلة لاستيعاب أبنائها العائدين ممن نزحوا قبل عشر سنوات؟

قوى عسكرية متعددة

دلبر شنكالي، فتاة أيزيدية عادت منذ نحو 7 سنوات إلى سنجار مع عائلتها بعد رحلة نزوح شاقة، وتمكنت من التأقلم مع أوضاع المدينة المدمرة التي لم تكن أفضل من المخيم، بحسب كلامها.

تقول لـ"ارفع صوتك": "رغم ما نواجهه من نقص خدمات وانعدام فرص العمل، إلا أن أوضاع سنجار الأمنية، مع أنها مستتبة الآن، لا تبشر بالخير وسط هذه الأعداد من القوات العسكرية المتنوعة المختلفة في ما بينها. نحن نخشى أن تصطدم مع بعضها البعض بأية لحظة ونكون نحن الضحية مجدداً".

وتخضع رقعة قضاء سنجار الجغرافية لسيطرة مجموعة من القوى العسكرية المتعددة، تتمثل بمليشيا "عصائب أهل الحق" و"منظمة بدر" و"كتائب الإمام علي" و"كتائب حزب الله العراقي" و"كتائب سيد الشهداء" الموالية لإيران والمنضوية في هيئة الحشد الشعبي، إضافة إلى وحدات "مقاومة سنجار" الموالية لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، وقوات قيادة البيشمركة و"حماية إزيدخان" التابعتين لوزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، إلى جانب الشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وقطعات من الجيش العراقي.

وشهدت سنجار خلال السنوات الماضية التي أعقبت تحريرها من داعش، مناوشات وصلت حد الاشتباكات المسلحة بين هذه القوات، كان أبرزها الاشتباكات التي وقعت بين الجيش العراقي ووحدات حماية سنجار في مايو 2022، التي أدت الى مقتل عنصرين اثنين من الوحدات وجندي من الجيش، كما أدت لنزوح مئات الأيزيديين.

ولا يعتبر تعدد القوى الماسكة للأرض في القضاء التهديد الوحيد الذي يخشى منه الأهالي، إذ تشكل الغارات الجوية التركية التي تستهدف مسلحي حزب العمال وتهديدات أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية في سنجار لإنهاء تواجدهم، مصدر قلق إضافي لهم.

يقول الشاب الأيزيدي مراد خيري، من سنجار أيضاً، إن الأوضاع الأمنية فيها حاليا "مستقرة" و"لا يوجد تهديد على المدنيين من أي جهة سوى القوات التركية وتدخلها الوشيك".

مخاوف من عودة داعش

تشير المنظمة الأيزيدية للتوثيق إلى أنه ورغم مرور 10 سنوات على الإبادة التي تعرضت لها سنجار، ما زالت هناك مخاوف من عودة تنظيم داعش إلى المدينة.

يقول مدير المنظمة حسام عبد الله لـ"ارفع صوتك": "لدينا مخاوف من عودة داعش، فهو لا يزال متواجدا في محيط قضاء سنجار رغم الانتشار الأمني فيه".

ويلفت إلى أن سنجار تواجه جملة من التحديات، منها "استمرار المشاكل المستعصية بين حكومتي بغداد وأربيل بشأن هذه المدينة، ولا توجد لحد الآن إدارة محلية ثابتة لقضاء سنجار في خضم الصراعات الداخلية التي يشهدها، وهذه الصراعات متفوقة على المجالات الأخرى نتيجة الصدمات التي تمخضت عن الإبادة".

بطء في آلية التعويضات

تشكل التعويضات التي خصصتها الحكومة العراقية لأهالي المدن المتضررة من داعش، أحد أبرز التحديات التي يواجها أهالي سنجار لإعادة بناء وإعمار بيوتهم المدمرة.

يبين مدير العلاقات العامة في منظمة "بتريكور" لحقوق الإنسان، سامي بشار عتو لـ"ارفع صوتك"،أن آلاف الأيزيديين "قدموا ملفاتهم وأنجزوا معاملات نيل التعويضات عن الأضرار التي لحقت ببيوتهم وممتلكاتهم في سنجار وأطرافها، إلا أن نسبة من نال هذه التعويضات لا يتعدى سوى 2%".

ويتيح القانون (رقم 20 لسنة 2009) للعراقيين تقديم طلب لنيل التعويضات على الأضرار التي لحقت بهم "جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية".

ويشمل القانون إلى جانب العسكريين جميع ضحايا الحرب من المدنيين وأفراد عائلاتهم في حالات الاستشهاد والفقدان والعجز والإصابات والأضرار التي تصيب الممتلكات والأضرار المتعلقة بالوظيفة والدراسة.

وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في يونيو 2023، أن السلطات العراقية "تقاعست عن دفع التعويضات المالية المستحقة بموجب القانون لآلاف الأيزيديين وغيرهم من قضاء سنجار على الدمار والضرر الذي لحق بممتلكاتهم من قبل داعش وجراء المعارك العسكرية".

ويساهم غياب التعويضات وسير إجراءاتها ببطء في تأخر عودة النازحين. ووفق إحصائيات مكتب وزارة الهجرة والمهجرين في محافظة دهوك بإقليم كردستان، عاد إلى قضاء سنجار منذ بداية العام الحالي 10 آلاف نازح أيزيدي.

ويؤكد مسؤول في إدارة سنجار أن نسبة العائدين إلى سنجار لم تتعدّ 40% من مجمل الموجودين اليوم في العراق، إذ لا يزال هناك نحو 60% نازحون، يتوزعون بين المخيمات ومدن كردستان.

ويضيف المسؤول لـ"ارفع صوتك"، مفضلا عدم الكشف عن اسمه: "لا يختلف الوضع الخدمي في سنجار عن باقي الوحدات الإدارية في محافظة نينوى من حيث التخصيصات المالية، لكن حجم الدمار الذي لحق بسنجار كبير جدا يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لإعادة البنية التحتية للمشاريع الخدمية".

ووفق المسؤول تختلف نسب الدمار الذي لحق بقضاء سنجار من منطقة لأخرى، حيث يصل في مركز القضاء مثلاً إلى 75% وفي ناحية القحطانية 85%، وناحية الشمال 40%، وناحية القيروان 65%. 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.