مزارعون يستخدمون المرشات بدلاً من طريقة الغمر التقليدية
مزارعون يستخدمون المرشات بدلا من طريقة الغمر التقليدية

بعد سنوات شهد خلالها على تآكل أرضه تدريجيا، يواجه المزارع، منتظر الجوفي، الجفاف وشح المياه في العراق عبر زراعة الأرز بطرق ري حديثة وبذور مقاومة للحر.

على وقع الجفاف الذي أنهك العراق طوال 4 سنوات، يعمل خبراء لدى وزارة الزراعة على تجارب يأملون من خلالها إنقاذ زراعة الأرز، وخاصة صنف العنبر الحاضر على كل مائدة في البلاد.

ويعمد هؤلاء إلى تطوير بذور جديدة، بينها ما هو تركيبة وراثية من العنبر، وزرعها عبر استخدام المرشات بدلا من طريقة الغمر التقليدية التي تتطلب أن يبقى الأرز مغمورا بالمياه على مدى 5 أشهر، الأمر الذي لم يعد متاحا بسهولة جراء الجفاف.

ويقول الجوفي (40 عاما)، وهو يتصبب عرقا أثناء تنقله في أرضه بمحافظة النجف (وسط البلاد)، إنها "المرة الأولى التي بدأنا فيها الزراعة بالطرق الحديثة عبر (الري) بالمرشات".

ويضيف الرجل الذي يعمل في الزراعة منذ 15 عاما بأن "الفرق كبير جدا"، مقارنة بالغمر.

استخدام المرشات بدلا من طريقة الغمر في زراعة لأرز

وتحتاج زراعة الأرز، ومنه صنف العنبر، إلى ما بين 10 إلى 12 مليار متر مكعب من المياه خلال الموسم الواحد، لكن الخبراء يقولون إن المرشات تستهلك 30 بالمئة فقط من كمية المياه.

ولم يتمكن الجوفي العام الماضي من زراعة أرضه تماما بسبب شح المياه، لكنه اليوم يتنقل بين المرشات للتأكد من أنها تعمل بالشكل الصحيح غير آبه بالشمس الحارقة ودرجات الحرارة التي تلامس 50 درجة مئوية.

ويقول الجوفي إن المزارعين كانوا سابقا يقضون وقتهم في ضمان تدفق المياه بالطريقة الصحيحة، وأما اليوم "فيقوم شخص واحد بتشغيل المرشات، لتسقي الأرض بصورة صحيحة ... ولا يبقى موقع لا تصله المياه التي تطال جميع الجهات بالتساوي".

ويعد العراق الذي يتعافى من عقود من النزاعات والفوضى من الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة.

الجفاف أثر على زراعة الأرز في العراق

وتسبب الجفاف بخفض انتاج الأرز بشكل هائل في العراق، فبعدما كانت مساحات الأرز تتخطى 300 ألف دونم، بمعدل إنتاج 300 ألف طن، لم يزرع في عام 2023 سوى 5 آلاف دونم فقط، وفق خبراء بوزارة الزراعة.

"شح المياه"

وبعدما سئم مزارعو الأرز من رؤية حقولهم، وقد باتت أشبه بالصحراء، كان لا بد من إيجاد طرق للتأقلم مع الظروف القاسية المفروضة عليهم.

ويقول المسؤول في برنامج إكثار بذور الأرز لدى وزارة الزراعة، عبدالكاظم جواد موسى، "جراء الجفاف وشح المياه، كان لا بد لنا من استخدام تقنيات ري حديثة وبذور بتركيبات وراثية جديدة".

ويضيف: "الأمر الأهم هو استخدام التقنيات الحديثة في زراعة الأرز لمقاومة شح المياه"، مشيرا إلى أن فريق الخبراء يسعى إلى إيجاد المزيج الأفضل بين طرق الري والبذور.

ويجرب الخبراء طرق ري باعتماد أنواع مختلفة من المرشات، بينها الصغيرة والثابتة أو تلك التي تتنقل داخل الحقل، والري بالتنقيط، كما يعملون على 5 أنواع بذور مختلفة أقل استهلاكا للمياه.

فريق خبراء يسعى إلى إيجاد المزيج الأفضل بين طرق الري والبذور

ويوضح موسى بأنه وفريقه يريدون "اختبار التراكيب الوراثية (لتحديد) أي من هذه الأصناف يتحمل عملية الري بالمرشات" بدلا من الغمر.

وبعدما حقق الخبراء نتائج إيجابية العام الماضي مع بذور الغري، وهي أحدى "التراكيب الوراثية" من العنبر، وأرز الياسمين وأصله من جنوب آسيا، عبر الري بالمرشات، قدموها لمزارعين مثل الجوفي لتحديد مدى نجاحها.

ويقول جواد: "في نهاية الموسم سنخرج بتوصيات حول أي مرشات يجدر استخدامها وأي صنف بذور ملائم لها"، آملا أن يسهم ذلك في زيادة "مساحة الأراضي المزروعة بالأرز".

صعوبات وعوائق

وأرغم الجفاف كثر على هجرة الزراعة والنزوح بعيدا عن أراضيهم، كما عمدت السلطات إلى تقنين استخدام المياه وتقليص الأراضي الزراعية لتوفير مياه الاستخدام اليومي للسكان البالغ عددهم 43 مليون نسمة، لا سيما خلال الصيف.

الأرز يعد مادة غذائية رئيسية في العراق

وفي عام 2022، قلصت السلطات مساحات زراعة الأرز إلى 10 آلاف دونم فقط في محافظتي النجف والديوانية (جنوب العراق)، المعقلان الرئيسيان لتلك الزراعة وخصوصا العنبر.

وخلال الفترة الماضية، تظاهر العشرات في الديوانية لمطالبة الحكومة بالسماح لهم بالعودة إلى أراضيهم بعد توقف لعامين. لكن السلطات لم تسمح لهم العام الحالي بزراعة سوى 30 بالمئة من حقولهم، وفق قولهم.

ويقول المزارع فائز الياسري (57 عاما)، الذي هرع لزراعة جزء من أرضه، إن "2020 كانت آخر سنوات الوفرة ومن بعدها حل الجفاف".

وفي محاولة لتوفير بعض المياه، يؤكد الياسري بأنه سيقوم بحراثة الأرض وتعديلها قبل غمر بذور الأرز معتمدا الطريقة التقليدية، داعيا السلطات إلى تزويد الفلاحين بالمبيدات والكهرباء في بلد يعاني من أزمة طاقة مزمنة.

وبرغم اعتقاده أن "الربح ليس بكثير" هذه المرة، يقول الياسري: "نتحمل من أجل إعادة بذور العنبر والياسمين".

وبعكس الياسري، فقد ابن عمه باسم (30 عاما) الأمل بعودة زراعة الأرز بحيث أن المعوقات كبيرة وبات يصعب التغلب عليها.

ويقول باسم: "سمحوا لنا بزراعة نسبة (من الأرض) لكن ليس هناك مياه أو كهرباء".

وتابع: "الزراعة انتهت نهائيا بسبب شح المياه ... انتهى الشلب" في اشارة إلى نبات الأرز كما يُعرف في العراق.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.