البرلمان العراقي
البرلمان العراقي

أثارت تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق، موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني وسط اتهامات بأنها تعزز الطائفية في البلاد وتهضم حقوق المرأة، بل وتشرعن زواج القاصرات.

وناقش رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، الأربعاء، الملاحظات المتعلقة بالمشروع بعد انتهاء مجلس النواب من القراءة الأولية له.

وقال المجلس في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن زيدان استقبل مجموعة من النساء من أعضاء مجلس النواب وشبكة النساء العراقيات، حيث ناقشوا الملاحظات المتعلقة بتعديل القانون.

وهذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها الجدل بشأن إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية أو إلغائه، ففي عام 2014، أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي تقدم به وزير العدل آنذاك، حسن الشمري، جدلا واسعا وسخطا من منظمات المجتمع المدني، واعتبرته انتهاكا خطيرا لحقوق الطفولة لإنه يجيز تزويج الطفلة تحت سن 9 أعوام.

ويحدد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري قواعد الميراث والزواج والطلاق والنفقة، ويرى المدافعون عن القانون أنه لا يفعل سوى تنظيم الممارسات اليومية لاتباع المذهب الجعفري.

لكن معارضيه الذين يمثلون تيارات مدنية يعتبرون المشروع خطوة إلى الوراء وانتهاكا لحقوق المرأة في العراق، ويشعرون بالقلق من أن يفاقم الاحتقان الطائفي في بلاد تشهد توترات سنية شيعية متواصلة.

يلقى المشروع دعما قويًا من المكون الشيعي في البرلمان العراقي، بدعوى أنه يستند إلى المادة 41 من الدستور التي تمنح العراقيين حرية الالتزام فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية، وفق الديانة أو المذهب أو المعتقد.

ومن أبرز المعارضين للتعديلات تحالف 188 الذي يضم مجموعة من الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني، وقوى سياسية ومدنية، وأعلنوا في بيان سابق رفضهم للتعديلات لما تمثل من "انتهاك سافر للدستور والحقوق والحريات الواردة فيه، ويمثل تراجعا عن الحقوق القانونية التي اكتسبتها المرأة".

كما يعتبر التحالف أن التعديلات سوف "تقود إلى انقسام مجتمعي طائفي ومذهبي".

ويمنح القانون الحق للمواطنين في اختيار اللجوء إلى إحدى ما يطلق عليهم مدونتين (واحدة شيعية وأخرى سنية) في تنظيم أحوالهم الشخصية، ويعد المدونات، التي تمثل ضوابط وأحكام شرعية، المجلسين السنّي والشيعي ويتم تقديمها إلى البرلمان.

وقال أستاذ القانون المدني، ماجد جباس، في تصريحات لقناة الحرة، إن تعديلات القانون "من حيث المبدأ وبعيدا عن التفاصيل تتماشى مع المادة 41 من الدستور التي تجيز حرية العراقيين في أحوالهم الشخصية، لكن لو هناك ملاحظات كثيرة نتمنى أن تؤخذ في الاعتبار".

وأضاف جباس: "لما لا نعدل المواد من دون هذه المدونات... لماذا يصنع المجلسان السني والشيعي قانونا؟ أرفض ازدواجية المعايير ليكون هناك قانون الأحوال المدنية ثم مدونة شيعية وأخرى سنية. هنا سينتهي القانون وسنظل نعمل وفق المدونتين".

الزواج المبكر

في عام 2017 اقترح نواب شيعة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يحظر الزواج قبل سن 18 عاما، ويمنع خصوصا رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة.

ونص التعديل في حينه على أنه "يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) كل وفق مذهبه، من قِبَل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد".

وقوبل المقترح بجدل وغضب واسعين من قبل منظمات المجتمع المدني مما اضطر القائمين على الخطوة على التراجع.

يشار إلى أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية الحالي الصادر عام 1959، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاما لعقد القران، أو 15 عاما مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".

وترفض منظمات مجتمع مدني التعديلات الجديدة، التي يرون أنها سوف تفتح الباب أمام زواج القاصرات، إذ سيكون الرأي في الزواج هنا بعيدا عن القاضي والمحكمة، وتحدده المدونة الشيعية أو السنية.

وقالت أنفال فاروق عضو "تحالف 188"، في تصريحات لموقع الحرة، إن التعديلات "ملغومة وتهدم الأسرة".

وأضافت: "هناك تقسيم مذهبي في عقود الزواج ثم حرمان الأم من حضانة الأبناء وسلب حقها في الميراث، بجانب زواج القاصرات".

ودافع عضو المكتب السياسي لحزب اقتدار (الشيعي)، نسيم عبد الله، عن تعديلات القانون المقترحة، وقال إن هذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها مقترحات لتعديل القانون، ولم تمر في المرات السابقة، موضحًا أن هذه المرة هناك توافق.

وأضاف في حديثه لقناة الحرة: "ارتفاع نسبة الطلاق داخل الأسرة العراقية سببه عدم التوازن في حقوق المرأة والرجل... كل هذا بسبب خلل في التشريعات ونحتاج لمعالجة الخلل، وذلك بهذا المقترح الموجود في مجلس النواب".

كما أشار إلى أن "المقترحات لا تحدد سن الزواج، فالبلوغ والرشاد هنا المعيار، قد يكون 16 أو 17، وإطلاقا لا يكون تسع سنوات".

لكن البرلمانية وعضو لجنة المرأة والطفولة النيابية السابقة، ريزان شيخ دلير، أوضحت أنه "لا يوجد فراغ قانوني هنا يجعلنا نعود إلى المذاهب... أي زواج خارج المحاكم حاليا يعد جريمة، لكن المقترح لا يجعل هناك أي دور للمحاكم، فأي شخصية دينية يمكنها إبرام عقد زواج".

وأضافت في حديثها لقناة الحرة أن "هناك حوالي 70 نائبا شيعيا يحاولون فرض قواعد على الشعب العراقي".

شرعنة الطائفية

كما قالت رئيسة منظمة حمورابي لحقوق الإنسان، باسكال وردا، في تصريحات لموقع الحرة، إن تعديلات القانون "تكرس للطائفية والمذهبية وعامة الشعب العراقي مضار هنا. يقولون إن كل شخص حر في اللجوء إلى أي طائفة. يفتح ذلك الباب على أن تكون الطائفية مسألة طبيعية. لدينا طوائف مختلفة لكن الأساس يجب أن يكون واحدا".

واعتبرت أنفال فاروق أن "تعديل القانون يعيدنا للمربع الطائفي بشكل أبشع، فهو سيعمل على شرعنة الطائفية، ولا يهدر حقوق المرأة فقط، بل يسحق كرامتها وإنسانيتها".

لكن عبد الله عاد وقال: "هذا القانون بجانب المرأة ويحفظ حقوقها، ونحن بحاجة إلى تعديلات مع تغير الأزمان، حتى تكون منسجمة مع الواقع الاجتماعي".

ومن ائتلاف دولة القانون، خرجت النائبة عالية نصيف، تنتقد التعديلات، إذ كتبت على حسابها بمنصة إكس: "من بين الأسباب التي جعلتنا نرفض تعديل قانون الأحوال الشخصية المادة التي تنص على وضع مدونة الأحكام الشرعية من قبل الجهات الدينية وتقديمها إلى البرلمان خلال 6 شهور من نفاذ هذا القانون. هم يقترحون قانونا بالتقسيط، يعني نصوت على القانون اليوم وبعد ستة أشهر تكتب مدوناته!!".

وبحسب المقترحات يتم تقديم تلك المدونات من المجلسين السني والشيعي إلى البرلمان، خلال ستة أشهر من سن التشريع. 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.