عنصر مسلح من جماعة الحوثي الموالية لإيران في أحد شوراع العاصمة اليمنية صنعاء- تعبيرية

منذ أيامٍ قليلة أُعلن مقتل العميد حسين عبدالله مستور الشعبل، القيادي في جماعة "أنصار الله" الحوثية، خلال تواجده في موقعٍ لتصنيع الطائرات المسيّرة في منطقة جرف الصخر العراقية.

وكان العراق استعاد السيطرة على مدينة "جرف الصخر" من مسلحي "داعش" في 2015، لكن بدلاً من عودة سكانها إليها، تتمركز فيها مليشيات عسكرية مقربة من إيران مثل "النجباء" و"سيد الشهداء" و"حزب الله"، وترفض عودة أهلها إليها بعدما حولتها إلى مركز كبير لعملياتها العسكرية.

التواجد الحوثي

التواجد الحوثي في العراق بدأ منذ سنوات، ففي 2011 أعلن عبدالله الحوثي تعيين ممثّل شخصي له في العراق، وهو منصبٌ تعاقب عليه القياديان الحوثيان السيد يحيى طالب ثم محمد أحمد القبلي ثم الممثل الحالي أبو إدريس الشرفي الذي سبَق أن اشترك في ملف التصنيع العسكري عند الحوثيين.

في العراق حظي الشرفي وفريقه بصفة شبه رسمية مكّنته من الالتقاء ببعض المسؤولين العراقيين مثلما فعل خلال لقائه قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي الشهر الماضي، فضلاً عن لقاءات أخرى جمعتهم ببعض شيوخ القبائل العراقية.

يقول  الخبير في الجماعات الإسلامية أحمد سلطان لـ"ارفع صوتك" إن تعيين الشرفي "يمثّل إشارة كبيرة لرغبة أنصار الله في زيادة حجم التعاون العسكري مع الفصائل الموالية لإيران داخل العراق".

بجانب ذلك أنشأ الحوثيون مؤسسة "محمديون" التي تتخذ من البصرة مقراً لها وتنظم أنشطة اجتماعية وثقافية للترويج لتعاليم الحوثيين داخل المجتمع العراقي.

 

 

وحدة الساحات

يبين سلطان أن الحوثيين "لعبوا دوراً في مساعدة الفصائل العراقية المسلحة في حربها ضد داعش بعد سيطرة التنظيم على عددٍ كبير من مدن العراق الكبرى"، حتى أنهم "أرسلوا بعثة استشارية شاركت في معارك استرداد الموصل وتكريت من داعش" وفق كلامه.

في 2018 أعلنت مليشيا "سيد الشهداء" التابعة للحشد الشعبي تطوعها للقتال في اليمن لمساندة الحوثيين في حربهم ضد السعودية، بعدها بعامٍ تعرضت شركة أرامكو النفطية السعودية إلى هجمات صاروخية تبنّتها حركة "أنصار الله" الحوثية.

حملت هذه الهجمات إشارات كبيرة على تعمّق التعاون بين الطرفين مع ظهور تقديرات استخبارية عديدة بأن المسيّرات لم تخرج من اليمن إنما من العراق.

وفي أول 2022 نظّم حزب الله العراقي حملات تبرع لصالح الحوثيين تحت عنوان "أموالكم مسيّرات". 

قبل أشهر، على أثر الحرب المستعرة في قطاع غزة، جرى إنشاء غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين الحوثيين والفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، يجتمع أعضاؤها بشكلٍ منتظم لبحث كيفية اختيار الأهداف وتوقيتات العمليات، خاصة المتعلقة بإطلاق المسيّرات نحو إسرائيل.

وفي أواخر مايو الماضي أعلن عبد الملك الحوثي زعيم "أنصار الله" أن قواته ستبدأ عمليات عسكرية منسّقة مع المليشيات الموالية لإيران في العراق، وصفها بـ"المرحلة الرابعة من التصعيد".

لم تتأخر نتائج هذا "التنسيق" بعدما جرى الإعلان عن تنفيذ عمليتين بالاشتراك مع "المقاومة الإسلامية في العراق" استهدفتا ميناء حيفا الإسرائيلي في يونيو الماضي، ثم أُعلن تنفيذ المزيد من العمليات المشتركة ضد ميناء حيفا ومجموعة سفن زعم الحوثيون ارتباطها بإسرائيل.

الخبير في الجماعات الإسلامية أحمد سلطان، يرى أن طبيعة التنسيق الأخير في تنفيذ عمليات ضد إسرائيل لم تتضح حتى الآن إلا أنها قد تشمل تبادل المعلومات والخبرات والمسيّرات قبل تنفيذ العمليات العسكرية ضد الموانئ الإسرائيلية.

وعن موقف الحكومة العراقية من هذا التعاون، ظهرت آراء متباينة، ففي حين اعتبر مايكل نايتس وأمير الكعبي المتخصصان في الشؤون الأمنية العراقية والإيرانية أن مقتل العميد الشعبل في "جرف الصخر" يؤكد تعاون بغداد مع المليشيات الإيرانية، فإن تسريبات إعلامية عربية كشفت أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يكن لديه أي معلومات عن وجود العميد الشعبل في بلده وأنه "فوجئ" بإخطاره في أحد الاجتماعات أن القيادي الحوثي دخل البلاد عن طريق أحد المنافذ البرية بينها وبين إيران.

نحو المزيد من التسخين

فرض مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، داخل طهران، خياراً صعباً على إيران وهو ضرورة الانتقام برد قوي يحفظ ماء وجهها في المنطقة.

يقول  الخبير في الشأن الإيراني إسلام منسي لـ"ارفع صوتك"، إن طهران تعلم أنها لن تستطيع توجيه ضربة مؤثرة ضد إسرائيل لذا فإنها تسعى لأن يكون ردها "دعائياً" من الدرجة الأولى يحفظ ماء وجهها أمام العالم لا أكثر.

"هذه فرصة ذهبية قد لا تتكرر مرة أخرى في ظِل موافقة أميركا وإسرائيل الضمنية على تنفيذ الرد الإيراني بشرط ألا يتجاوز الخطوط الحُمر"، يضيف منسي.

ويعتبر أن سعي إيران لتجاوز الإذلال الذي تعرضت له بعد مقتل هنية على أرضها، سيتمثّل في تأكيد أن أذرعها الخارجية التي تُشكل ما يُسمى بـ"محور المقاومة" قادرة على التعاون معاً لضرب إسرائيل.

كذلك، يتابع منسي، تعتقد إيران أن "تنفيذ مثل هذه العمليات المشتركة بين الحوثيين والفصائل داخل العراق سيكون كافياً لترميم هيبتها العسكرية أمام دول المنطقة ولإثبات قوة هذا المحور وقُدرته على إيذاء إسرائيل".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.