FILE PHOTO: Protest against the assassination of Iranian Major-General Soleimani in Tehran
بدأت مليشيات الظل تعلن عن نفسها بعد مقتل قاسم سليماني في يناير 2020- تعبيرية

تشهد الساحة العراقية منذ نحو أربع سنوات الإعلان عن العديد من مليشيات الظل الموالية لإيران بمسميات جديدة، تتبنى المسؤولية عن الهجمات التي تستهدف القواعد العسكرية والمصالح الأميركية في العراق وسوريا.

من هذه المليشيات التي بدأت الإعلان عن نفسها سنة 2020، تحديداً بعد مقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" الإيراني ومهدي المهندس رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي: "عصبة الثائرين، أولياء الدم، الغاشية، أصحاب الكهف، قبضة الهدى، قاصم الجبارين، ذو الفقار، سرايا المنتقم، ثأر المهندس، لواء خيبر، سرايا ثورة العشرين الثانية، المقاومة الدولية، الشهيد كريم درعم، كتيبة السابقون، أولو العزم، المنتقمون، ألوية الوعد الحق، الثائرون، ربع الله، ولد الشايب، أبناء المهندس".

في الواقع، تم تشكيل هذه المليشيات في نهاية 2017، إذ كانت ضمن مشروع أشرف عليه سليماني بشكل مباشر بالتنسيق مع المهندس، ومثّلت النواة الأولى لتشكيل قوة جو- فضائية، تتكون من مجموعة مختارة من مسلحي المليشيات العراقية المنضوية في هيئة الحشد الشعبي.

بحسب المعلومات التي توصل إليها "ارفع صوتك" من مصادر أمنية وسياسية خاصّة، فإن انطلاقة تأسيس هذه المليشيات كانت باختيار مجموعة مكونة من 100 مسلح عراقي، أُرسلوا على دفعتين إلى إيران، بهدف خوض تدريبات مكثفة على تنفيذ هجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة وصناعة وتجميع الصواريخ والطائرات المسيرة.

استمرت كل دفعة في تدريباتها نحو ستة أشهر، حيث أجريت التدريبات في معسكرات تابعة لمقر "رمضان"، وهو أحد أفرع "فيلق القدس"، المسؤول عن العراق في الفيلق، وأشرف ضباط من القوة الجو- فضائية في الحرس الثوري الإيراني على هذه التدريبات.

عند عودة الدفعتين لبلادهم، قام أعضاؤهما بتدريب مجموعات جديدة داخل العراق تم اختيارها من بين مئات  المسلحين في المليشيات الموالية لإيران، وبإشراف هيئة مكونة من ضباط "فيلق القدس" ومدربين من حزب الله اللبناني مختصين بالصواريخ والطائرات المسيرة في قواعد المليشيات المنتشرة في مناطق عراقية مختلفة، مثل بلدة جرف الصخر شمال محافظة بابل.

الخطوة التي تلت ذلك، كانت تشكيل مليشيات صغيرة جديدة (من المتدربين) جهزتها إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة وقطع غيارها، لتصبح جاهزة لتنفيذ أي هجمة تُطلب منها في العراق.

يقود كل مليشيا منها، إلى جانب قيادي عراقي من المليشيات الرئيسة، فريق من مستشارين إيرانيين غالبيتهم ضباط في "فيلق القدس" وقطعات الحرس الثوري الإيراني.

 

الأهداف والمهام

يقول الخبير السياسي عمر عبد الستار، إن الدور الأساسي لهذه المليشيات هو خوض الحروب بالوكالة عن إيران، مبيناً لـ"ارفع صوتك": "الحروب بالوكالة أقل تكلفة ماديا وبشريا للراعي (إيران) وعادة ما يحقق الوكيل أهداف الراعي أفضل من الراعي نفسه لمعرفته بالسياق المحلي واللغة والأرض، لكن على الوكيل عدم التورط المباشر بالانتهاكات، وتحمل المسؤولية".

ويضيف أنه ووفق مبدأ الوكالة، يكون لكل وكيل راعٍ؛ فالوكلاء هم غالباً مليشيات أو أحزاب أو شركات أمنية وغيرها، بينما الراعي غالبا ما يكون دولة أو مجموعة دول.

والوكيل نفسه يمكن أن يعتمد على وكيل أصغر منه لتنفيذ مهمة ما، كما يحصل مع المجموعات الصغيرة كـ"خلايا الكاتيوشا"، بحسب عبد الستار.

يتابع: "الوكالة بالنسبة لهذه المليشيات تعني أن تكون القوة للراعي والراعي هنا إيران، حيث تمثل فاعلا دوليا يرغب بتحقيق أهدافه بصورة غير مباشرة، لكن العلاقة بين الراعي والوكيل غالبا ما تكون سرية ونادرا ما تكون علنية كما في العراق".

ولعل الهدف الأساسي من تشكيل هذه المليشيات الصغيرة التي تتراوح أعداد مسلحي كلّ منها (300-500) مسلح، أن تكون جزءاً رئيساً من أذرع "فيلق القدس" الذي يستخدمها لترسيخ تواجد إيران العسكري والأمني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

في الوقت ذاته، تمثل مليشيات الظل للمليشيات الرئيسة بعد دخول الأخيرة في العملية السياسية رسمياً خلال الانتخابات النيابية عام 2018 في العراق، لأن تورطها المباشر في أي هجمات ضد المصالح الأميركية والغربية أو أي مصالح أخرى دولية في العراق بعد ذلك التاريخ، كان سيتسبب بأزمة دبلوماسية للحكومة العراقية.

لذلك، أوجد الحرس الثوري أوجهاً جديدة  لها لتنفذ عنها بالوكالة هذه الهجمات، وأصبحت مليشيات الظل جزءً رئيسيا من استراتيجية التضليل الذي تمارسه المليشيات الموالية لإيران للإبقاء على وجودها.

 

وسيلة للتحايل

في السياق نفسه، يعتبر المحلل السياسي في مركز "رامان" للبحوث والاستشارات، شاهو قرداغي، أن استخدام المليشيات الموالية لإيران أسماء مستعارة وعناوين فرعية "وسيلة للتحايل على الضغوطات الدولية والمحلية، وللحفاظ على مرونتها العملياتية".

ويستبعد أن تنجح المليشيات في إخفاء بصماتها على العمليات بهذه الطريقة، موضحا لـ"ارفع صوتك" أن "دقة الردود الأميركية التي تستهدف قادة في هذه الفصائل تعني أن أميركا وبما تمتلكه من وسائل، تستطيع كشف الفاعل الرئيسي ومحاسبته ولا يمكن تضليلها بسهولة عبر هذه التكتيكات".

وبعد هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية على بلدات جنوب إسرائيل، أدى لشنّ الأخيرة عملية عسكرية في قطاع غزة مستمرة حتى الآن، قامت المليشيات العراقية بتنفيذ هجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا تحت اسم "المقاومة الإسلامية في العراق".

من جهته، يعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنىأن "المقاومة الإسلامية في العراق" مصطلح شامل لوصف عمليات جميع المليشيات المدعومة من إيران في العراق.

وقال في تقرير له، إن هذا المصطلح يمثل "امتداداً لإستراتيجية الواجهة التي تستخدمها إيران ووكلاؤها منذ عام 2019 لتجنب المساءلة عن الهجمات ضد الأميركيين".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.