قوة من لواء فرقة العباس التابع لقوات الحشد الشعبي في كركوك
تسمية "مجاهدين" شكّلت مادة إشكالية في قانون الخدمة والتقاعد الخاص بالحشد- تعبيرية

ما إن أنهى البرلمان العراقي القراءة الأولى لقانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي، حتى تجدّد السجال السياسي والقانوني المتعلق بأهمية توحيد القوات الأمنية العراقية، وعدم إضفاء صبغة دينية عبر إطلاق صفة "مجاهد" على مقاتلي الحشد.

أول المعلّقين على "مشروع قانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي هيئة الحشد الشعبي" كان رئيس البرلمان السابق ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي الذي اتهم القانون في تغريدة على موقع "إكس" بأنه "يضرب مبدأ استقلالية الأجهزة العسكرية والأمنية الذي نص عليه الدستور، ويجبرنا على أن يكون رئيس الهيئة رئيساً لحزب سياسي يسير ويستخدم الهيئة وقواتها بحسب رؤيته ومنهاجه السياسي".

جوبهت هذه التغريدة بعاصفة من البيانات المنددة، في مقدمتها بيان صدر عن رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي الذي أكد أنه قام بـ"توجيه اللجان المعنية بالإسراع في إنضاج القانون".

وجدد المندلاوي تعهّده بـ"دعم التشريعات التي تنصف أبناء شعبنا، بل ونعتبرها من أقدس واجباتنا كوننا ممثلين عنهم"، كما أعلن عن رفضه الشديد "لما يصدر عن البعض من إساءة بحق من قدموا آلاف الشهداء قرباناً لتراب العراق".

هيئة الحشد بدورها رفضت ما قالت إنه "تشويه صورة مجاهدينا والقفز على تضحياتهم الكبيرة وإعادة النعرات الطائفية التي تجاوزها شعبنا من خلال اختلاط دماء أبنائه من المكونات والمذاهب كافة في ملحمة الدفاع عن الوطن والمقدسات". وأضافت الهيئة: "من يتجاوز على الدستور والقانون ويدان بالتزوير غير مؤهل أن ينصّب نفسه واعظاً وناصحاً للآخرين".

أعداد وتخصيصات

تضم هيئة الحشد الشعبي أكثر من 238 ألف منتسب، رُصد لهم أكثر من 4.5 مليارات دينار عراقي، بحسب أرقام موازنة العام 2024. وهو أكثر بنحو الضعف عن أرقام العام 2017 وهو العام الذي أعلن فيه العراق النصر على الإرهاب وحينها لم تكن الميزانية تتجاوز 122 ألف مقاتل خصص لهم نحو 1.8 تريليون دينار.

هذه الأرقام، كما يقول الخبير الأمني والمحلل السياسي أحمد الشريفي لـ"ارفع صوتك"، "تضاعفت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة رغم تراجع أعمال العنف وانتهاء المعارك، والتي تستوجب إجراء عملية ترشيق وليس تضخيم للمؤسسات الأمنية. لكن، ما نراه يحدث هو العكس من دون وجود مبررات".

هذه الزيادة بالإعداد كما يتوقع الشريفي "لا يمكن تفسيرها إلا إذا كان هناك بعد انتخابي في الموضوع. أي أن يتم تفعيل معادلة التعيين مقابل الصوت الانتخابي لإدامة زخم البقاء في العملية السياسية، وزيادة نسب مشاركة يعتد بها دولياً لتمضي العملية السياسية وفق إرادات معينة".

استغلال القوانين لأغراض انتخابية "أمر وارد، وحدث في قوانين أخرى تم تشريعها سابقاً، مثل قانون الموازنة وغيره، ونتأمل أن لا يتكرر ذلك مع هذا القانون"، يقول عضو مجلس النواب محمد الخفاجي لـ" ارفع صوتك ".

ويشير الخفاجي إلى أن القانون "ذو أهمية كبيرة، فهو يتعلق بتنظيم وضع المنتسبين في الحشد الشعبي من حيث الرواتب والتقاعد ومنح الرتب العسكرية وفق شروط المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد".

 

جدل برلماني

أثارت مسودة القانون الجدل داخل أروقة البرلمان بين مؤيد ورافض لإقرار القانون. ويرى النائب سجاد سالم أن تقديم مسودة للقانون "يتعلق بوجود إرادة سياسية معينة اتفقت أن تكون هناك مؤسسة أمنية أخرى تختلف عن بقية القوات الأمنية الموجودة في العراق".

ومن وجهة نظر سالم فإن القانون "لا يحفظ ولا يضمن حقوق المنتسبين اللذين قاتلوا تنظيم داعش الإرهابي ". كما أن الرفض جاء على خلفية "رفض مبدأ خلق مؤسسات أمنية جديدة أو سياقات أمنية جديدة في الدولة العراقية تتعدد بها مصادر القرار الأمني بحيث نفتقد لوحدة القرار ضمن القوات الأمنية".

"الحل الذي طرحناه هو دمج قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسات العسكرية العراقية، وأن يتم تخيير المقاتلين تثميناً لجهودهم بين التحول إلى إحدى المؤسسات المدنية، أو البقاء ضمن المؤسسة العسكرية التي تتمتع بسياق أمني وتشريعات واضحة، وتخضع للقائد العام للقوات المسلحة حسب رغبتهم"، يقول سالم.

في المقابل، يرى عضو مجلس النواب ثائر الجبوري أن هناك أهمية كبيرة لتشريع قانون خاص بالحشد الشعبي. فالحكومة العراقية اعتبرت الحشد، عبر هذا القانون "جزءاً لا يتجزأ من القوات الأمنية للحفاظ على أمن العراق وحدوده، وما يسري عليها من قوانين ورواتب وتقاعد وأسس تنظيمية، يسري على الحشد".

في السابق، كما يقول الجبوري، كان يتم تنظيم تمويل الحشد عبر "وضع فقرة مقطوعة بالموازنة. وبهذا القانون سيتم تنظيم التمويل لتوفير التجهيزات والحقوق والرواتب وغيرها من المتطلبات التي تحتاج اليها القوات الأمنية بشكل عام". وأشار إلى أنه بموجب القانون الجديد "فإنه لن يكون هناك فرق تقريباً بين رواتب وتقاعد القوات الأمنية عن هيئة الحشد".

وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أصدر أوامره في العام 2018 بمساواة متطوعي الحشد مع الجيش من حيث الرواتب والمخصصات.

مقاتل ومجاهد

تفضيل الانفصال وإقرار قوانين خاصة بالحشد الشعبي جاء كما يقول النائب ثائر الجبوري، استناداً إلى "رغبة هيئة الحشد التي فضلت أن تكون قوة عسكرية أساسية منفصلة، وقفت موقفاً مشرفاً خلال المعركة ضد داعش".

وتكريماً لمنتسبي الحشد، كما يقول الجبوري،"أطلق عليهم لقب مجاهدين". هذه التسمية "جاءت على خلفية استجابة أبناء الحشد الشعبي لفتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع علي السيستاني العام 2014، بعد الوضع الحرج الذي تعرض له العراق إثر انهيار المنظومة الأمنية من جيش وشرطة أمام داعش".

وبحسب نسخة مشروع القانون الذي تمت قراءته قراءة أولى في البرلمان العراقي، حمل القانون عنوان "مشروع قانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي هيئة الحشد الشعبي". ويشير التعريف الوارد ضمن المسودة إلى أن "المجاهد" هو "كل من ينتسب إلى هيئة الحشد الشعبي سواء كان ضابطاً او متطوعاً أو موظفاً مدنياً أو مبلغاً دينياً أو متقاعداً أو طالباً في إحدى كلياتها أو معاهدها أو مدارسها أو مراكز التدريب أو في أي من تشكيلاتها".

ويعتبر الجبوري إن اطلاق اسم المجاهد على منتسبي الحشد وليس مقاتل يأتي "تثميناً وتكريماً لتركهم مصالحهم وأعمالهم وتطوعهم ضمن الحشد لفترة طويلة للجهاد ضد داعش".

لكن هذا المصطلح بحسب النائب سجاد سالم "واحد من المسائل الإشكالية في القانون لأنه غريب على اللغة القانونية، فقضية تسمية المجاهد لا تعرفها المنظومة الأمنية سابقاً".

ويتفق الشريفي مع سالم، لأن العراق، برأيه، "دولة مدنية وليس دينية، ويتم تكييف الألقاب وفق ذلك. فالمنتسب في القوات الأمنية بالميدان نطلق عليه اسم المقاتل، ويتم تحديد واجباته وفق لوائح وقوانين ناظمة لسلوكه وكذلك تحدد حقوقه وامتيازاته".

أما تسمية "المجاهد" فهي ترتبط، بحسب الشريفي، "ببعد عقائدي يتناقض مع أصل الدستور، ويتقاطع مع العدالة الاجتماعية كونه تمييز لهوية فرعية، وهو خطأ استراتيجي نأمل أن لا يقع فيه أحد".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.