إيزيدي عراقي بقرب توابيت لضحايا من أبناء شعبه وجدت جثامينهم في مقبرة جماعية
إيزيدي عراقي بقرب توابيت لضحايا من أبناء شعبه وجدت جثامينهم في مقبرة جماعية- أرشيفية

مازال ملف المقابر الجماعية التي تضم رفات ضحايا العنف المتعاقب في العراق أحد أكثر الملفات تعقيدا، إثر ما يشهده من تراكمات العقود الماضية وضعف الإمكانيات المحلية لفتح المقابر والتعرف على هويات الضحايا.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، الثلاثاء، إن جثث مئات الآلاف من ضحايا القتل غير القانوني لا تزال مدفونة في مقابر جماعية في جميع أنحاء العراق.

تضم هذه المقابر جثث ضحايا النزاعات المتعاقبة، بما في ذلك الإبادة الجماعية التي ارتكبها صدام حسين ضد الأكراد عام 1988 وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبها تنظيم داعش بين 2014 و2017.

وقالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: "المقابر الجماعية هي تذكير مؤلم بأكثر فصول التاريخ العراقي عنفا، وفتحها أمر بالغ الأهمية للسماح لأُسر الضحايا، والبلاد بأكملها، بالحصول على أي أمل في العدالة والتعافي من هذه الجروح. يحق للناس معرفة مصير أحبائهم ومنحهم دفنا لائقا وكريما".

وأشار تقرير المنظمة الدولية الى أن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد)، الذي أنشأه مجلس الأمن الدولي عام 2017 لتوثيق الجرائم الخطيرة التي ارتكبها التنظيم في العراق، قدم خلال السنوات الماضية الدعم لـ"دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية" و"دائرة الطب العدلي" التابعتين للحكومة العراقية في فتح 67 مقبرة جماعية مرتبطة بداعش.

لكن مع اقتراب انتهاء مهمة فريق "يونيتاد" في سبتمبر المقبل تزداد المخاوف من عدم تمكن العراق من سد الفجوة التي سيخلفها الفريق الدولي وسط وجود المئات من المقابر الجماعية في غالبية مناطق البلاد.

وتشير إحصائيات المنظمة الأيزيدية للتوثيق إلى وجود 89 مقبرة جماعية في قضاء سنجار وحده خلفها تنظيم داعش، لم يفتح منها سوى 47 مقبرة حتى الآن، ولم يتم التعرف بعد على هويات غالبية الضحايا داخل المقابر المفتوحة.

ويقول مدير عام دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية ضياء كريم طعمة لـ"هيومن رايتس ووتش": "بالطبع، سيكون هناك فراغ عندما يغادر يونيتاد، لكن الحكومة العراقية أصدرت قرارها بأن ولاية الفريق قد انتهت، لذلك يجب أن يكون لدينا خطة بديلة".

ووفق طعمة، يعتبر مختبر تحليل الحمض النووي، التابع لدائرة الطب العدلي في بغداد، مختبر الحمض النووي الوحيد الذي يمتلكه العراق وهو المرخص فقط بإجراء التعرف على الحمض النووي للرفات المستخرجة من المقابر الجماعية.

وضمن استعدادات المغادرة، قدمت يونيتاد الدعم لمختبر تحليل الحمض النووي التابع لدائرة الطب العدلي للحصول على اعتماد ISO / IEC 17025 من "المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس" (أيزو) كي تكون النتائج التي يتوصل إليها المختبر معترفا بها دوليا، مما يسمح بقبول نتائجه كدليل في المحاكم على مستوى العالم.

ورغم الوعود الحكومية بالإسراع بعمليات التنقيب وفتح المقابر الجماعية، مازال الانتظار سيد الموقف بالنسبة لذوي الضحايا الذين يسعون إلى معرفة مصير ذويهم منذ سنوات، معتبرين آليات التعامل مع المقابر الجماعية بطيئة.

أبو سعد، نازح ايزيدي من سنجار يعيش منذ 9 أعوام في أحد مخيمات النازحين في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، تعرض أكثر من 77 فردا من عائلته للاختطاف من قبل داعش عند سيطرته على سنجار في أغسطس 2014، نجا منهم حتى الآن 37 فردا لكن 40 آخرين منهم ما زالوا مفقودين.

يترقب أبو سعد أخبار اكتشاف المقابر وفتحها بفارغ الصبر منذ سنوات، لكنه حتى الآن لم يجد رفات أي من ذويه المفقودين من بين الرفات التي انتشلت من المقابر الجماعية.

يقول أبو سعد لـ"ارفع صوتك": "الحكومة مقصرة جدا مع ملف المقابر الجماعية وفتحها والكشف عن هويات الضحايا، ومع الضحايا وذويهم. قدمتُ طلبا للقاء المسؤولين في الحكومة والجهات المعنية لإيصال معاناتنا لهم، لكن دون جدوى".

وبحسب إحصائيات حصل عليها "ارفع صوتك" من دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية، توجد ما يقارب 150 مقبرة جماعية غير مفتوحة في العراق، فيما بلغ عدد المقابر المفتوحة حتى الآن أكثر من 288 مقبرة، منها المقابر الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش والمقابر الجماعية التي ارتكبها نظام صدام حسين.

ويقدر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق أن المقابر الجماعية تضم رفات 400 ألف شخص.

ووفقا المركز أيضا يمتلك العراقأحد إعلى معدلات المفقودين  في العالم، ويقدر عددهم ما بين 250 ألف ومليون شخص، ويُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.

ويرى الحقوقي والناشط التركماني، جعفر التلعفري، أن قلة المختصين في مجال التعامل مع المقابر الجماعية هي أبرز ما يعاني منه العراق.

ويضيف التلعفري لـ"ارفع صوتك":  "نأمل أن تكون إجراءات التعامل مع المقابر الجماعية أسرع، لأن ذوي الضحايا يشعرون بعدم الجدية والاهتمام من قبل الحكومة في هذا الملف، لا سيما الضحايا التركمان، فهناك 1200 مختطف تركماني من تلعفر ما زال مصيرهم مجهولا."

ولا تصدر الجهات الحكومية شهادة وفاة للضحية في المقابر الجماعية المكتشفة حتى إذا تعرف ذووه عليه سواء من ملابسه أو مقتنياته، الا بعد إثبات هويته من خلال اختبار الحمض النووي، وهو إجراء يتأخر كثيرا. ولا تستطيع أسرة الضحية المطالبة بمزايا التقاعد أو أي دعم حكومي آخر دون تقديمها شهادة الوفاة.


 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.