صورة جوية للحدود العراقية السورية، 2024
صورة جوية للحدود العراقية السورية، 2024- ا ف ب

جدار كونكريتي بطول 170 كيلومتراً وارتفاع ثلاثة أمتار، يشكل جزءً رئيساً من التحصينات الحدودية التي يواصل العراق اتخاذها منذ 4 سنوات على الشريط الحدودي مع سوريا، للحد من عمليات التسلل والتهريب الذي يشهده منذ أكثر من عقدين.

يبلغ طول الشريط الحدودي الفاصل بين العراق وسوريا أكثر من 600 كيلومتر، وقد أنشأ العراق عليه جدارا كونكريتيا من جزئين رئيسين يغطيان الثغرات والمناطق الضعيفة منه.

يمتد الجزء الأول مسافة 157 كيلومتراً من قضاء سنجار باتجاه ناحية ربيعة ثم نهر فيشخابور، أما الجزء الثاني فيمتد على طول 13 كيلومترا في منطقة الباغوز ليفصل بين مدينتي القائم العراقية والبوكمال السورية.

وشهدت الحدود العراقية السورية خلال السنوات الماضية تدابير مشددة اتخذها العراق، تضمنت تطبيق خطة مكونة من سبعة محاور، بالإضافة لتعزيز القطعات العسكرية المتواجدة على الشريط بنحو 13 فوجاً جديدا من قوات الحدود.

في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية الرسمية، قال قائد قوات الحدود- الفريق الحقوقي، محمد سكر السعيدي، في يوليو الماضي، إن محاور خطة تحصين الحدود العراقية السورية "تضمنت شق خندق بعرض ثلاثة أمتار وعمق ثلاثة أمتار، ووضع ساتر بارتفاع متر واحد إضافة لوضع مانع نفاخ رباعي قنفذي وسياج (بي آر سي)، ونشر نقاط حراسة لكل كيلو متر مع برج كونكريتي، وغُطيت الحدود بكاميرات حرارية متداخلة في ما بينها. والجزء الأهم منها تمثل بمد جدار كونكريتي بطول 170 كيلو متراً".

وأشار السعيدي إلى مواصلة العمل لإكمال مد كابل ضوئي على الحدود سيقوم بنقل الصور وتأمين الاتصال بشكل مباشر إلى مقر قوات الحدود.

واعتمدت القوات العراقية في بناء الجدار الكونكريتي على معمل الكونكريت الجاهز والمنتجات الإنشائية الذي أنشأته قوات الحدود في سنجار، ويُدار من قبل منتسبيها.

يمتد الشريط الحدودي العراقي السوري من المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني وصولا إلى بلدة فيشخابور التابعة لقضاء زاخو في إقليم كردستان العراق، وتشكل الصحراء جزءا كبيرا من الحدود بين الدولتين، إلى جانب وجود أكثر من 100 قرية موزعة على جانبي الحدود، اضطر سكان العديد منها إلى تركها نتيجة التدهور الأمني الذي شهدته على مدى العقدين الماضيين، من النشاط الكبير لتنظيمي القاعدة وداعش وكذلك المليشيات والجماعات المسلحة الأخرى بعد عام 2003، كما تعتبر ممراً لمهربي السلاح والمخدرات بين البلدين.

بدوره، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية، ياسر إسكندر وتوت لـ"ارفع صوتك"، إن الجدار الكونكريتي والتحصينات الحدودية الأخرى المتخذة "أسهمت في إنهاء التسلل على الحدود العراقية السورية بنسبة 90%"، معرباً عن أمنياته بأن يشمل الجدار كافة حدود العراق مع دول الجوار.

ورغم تأكيدات القوات الأمنية والسلطات العراقية على أهمية الجدار في إنهاء الخروقات على الحدود بين الجانبين، ما زالت الخطوات الحكومية لتحصين الحدود تواجه عوائق عديدة أمام تحقيق الضبط الكامل للحدود، مثل انتشار عدد من المليشيات العراقية الموالية لإيران على أجزاء من الشريط الحدودي والتحكم به لاستمرار نقل المسلحين والأسلحة إلى سوريا، وتحكم مسلحين تابعين لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا المتواجدين في سنجار وأطرافها، بقسم آخر منه.

من جهته، يقول الخبير الإستراتيجي علاء النشوع إن الجدار الكونكريتي وتحصيناته "غير كافية لضبط الحدود" معللاً لـ"ارفع صوتك": "هذا الجدار لا أهمية له من الناحية الأمنية والعسكرية خاصة مع الشريط الحدودي بين العراق وسوريا الذي يعتبر طويلا، إذ تصعب السيطرة على حدود بهذه المسافة عبر جدار بهذا الطول".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.