من جديد تشعل تصريحات برلمانية، حول إلقاء القبض على شبكة ابتزاز تستهدف مسؤولين كبار، الجدل وسط الشارع العراقي.
نشر هذه التصريحات النائب مصطفى سند، على حسابه في موقع "إكس"، حيث أعلن عن "اعتقال محكمة الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، على رأسهم المقرب محمد جوحي وعدد من الضباط والموظفين".
واتهم سند هذه "الشبكة" بممارسة "عدة أعمال غير نظيفة" منها "التنصّت على هواتف عدد من النواب والسياسيين" بالإضافة إلى "توجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات سياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".
وقال أيضاً إن "الشبكة اعترفت بأعمالها، وهناك ضغوطات تُمارَس من أجل إخراجهم لكن القاضي المختص لم يخضع لتلك الطلبات".
وفي حديثه لتلفزيون محلي، قال سند إن الشبكة "كانت تتنصّت على هواتف النواب، وتستخدم أرقام هواتف مزيفة لشخصيات مؤثرة من أجل توجيه النواب أو الضغط عليهم للتصويت في مشاريع قوانين وملفات حساسة مثل اختيار مرشح رئيس البرلمان".
قضية "الابتزاز" المفترض الجديدة هاته ليست الأولى من نوعها. ففي شهر مارس الماضي أعلن المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء يحيي رسول إلقاء القبض على شبكة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لابتزاز المؤسسة الأمنية والضباط والمنتسبين ومساومتهم.
وقال في بيان إن اللجنة التحقيقية قررت "إحالة الضباط المتورطين بهذا الفعل غير القانوني إلى الإمرة، واستمرار الإجراءات القانونية اللازمة وإكمال التحقيقات بحقهم".
"سحب يد"
دون أي إيضاح إذا ما كانت الشبكة التي أشار إليها النائب مصطفى سند هي المقصودة، وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيقية بحق "أحد الموظفين" العاملين في مكتبه "لتبنيه منشوراً مسيئاً لبعض المسؤولين وعدد من أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق".
وشدد مكتب رئيس الحكومة في بيان، على أنه "يدعم كل الإجراءات القانونية بهذا الصدد".
في منشوره على "إكس" قال سند إن المتهم برئاسة شبكة الابتزاز "هو محمد جوحي الذي تولّى منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية بمكتب رئيس الوزراء، كما يشغل منصب سكرتير الفريق الحكومي ومسؤول التواصل مع النواب".
ويُعتبر جوحي واحداً من المؤثرين خلال احتجاجات تشرين 2019، وهو ابن أخ رائد جوحي الذي شغل منصب رئيس فريق التحقيق مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وأركان نظامه، كما شغل منصب مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي قبل أن يتحول إلى مطلوب للعدالة، ويصدر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة عام على خلفية اتهامه بتهريب أحد المتهمين.
بعض النواب أيدوا ما ذهب إليه سند، منهم النائبة سروة عبد الواحد التي قالت في منشور على "إكس" إن "محمد جوحي الذي زوَّر وهدَّد وأرسل أخباراً مفبركة إلى النواب ليس المتهم الوحيد بانتحال الصفة، فهناك شخص آخر يدّعي أنه مستشار رئيس مجلس الوزراء، والآن يجري التحقيق معه أيضاً بسبب استخدامه اسم السوداني وتهديده للنساء وإهانتهن".
وطالبت عبد الواحد مكتب رئيس الوزراء بـ"متابعة الإجراءات وعدم التنازل عن حقه، ليكون هؤلاء عبرة لكل مبتز يمارس ابتزازه باسم السلطات" على حدّ تعبيرها.
تواصل فريق "ارفع صوتك" مع المكتب الإعلامي للسوداني للحصول على إيضاحات، لكنّه رفض التعليق على الموضوع. واكتفى الناطق باسم الحكومة باسم العوادي بالقول لـ"ارفع صوتك" إن "القضية تتعلق بشكوى قُدمت من عضو في مجلس النواب ضد أحد الموظفين في مكتب رئيس الوزراء وهي قيد التحقيق".
من جهته، قال مجلس القضاء الأعلى لـ"ارفع صوتك" إن القضية "واحدة من قضايا عديدة يتم النظر فيها من قبل القضاء وهي في طور التحقيق، ولا يمكن التصريح حولها إلا بعد الانتهاء من التحقيق".
"تصفية حسابات"؟
في السياق ذاته، يقول المحلل السياسي أحمد الشريفي لـ"ارفع صوتك" إن "ما يحصل من حالات الابتزاز بين مسؤولين كبار سببه أن عنصر الضبط غير متحقق في مؤسسات الدولة، فالذي يأتي للمنصب عن طريق حزب لا يلتزم بالقوانين واللوائح الناظمة للمؤسسة، فضلاً عن أنه ينقل فيروس الأيديولوجية الحزبية التي يمتلكها إلى قلب المؤسسة وبالتحديد الأمنية والعسكرية" وفق تعبيره.
ويضيف أن ترشيح المسؤولين في تلك المناصب بهذه الطريقة "يؤدي إلى عدم التزامهم بالأوامر المرجعية" مردفاً: "كما أن المسؤول لا يخشى المحاسبة لأنه يعرف أن حزبه أو من قام بترشيحه يدعمه بشكل كامل ويجعله في موقع قوي لا يستطيع حتى الأعلى منه رتبة محاسبته".
لهذه الأسباب، يتابع الشريفي: "نرى شخصيات تقوم بمهام مشبوهة ومنها ما يتعلق بقضايا التجسس لمصالحه الشخصية أو لمصالح حزبية، لذلك نرى في كثير من الأحيان يكون المبتز أدنى رتبة أو موقع ممن يتم ابتزازهم. وهذا كله بسبب الخلل في القوانين واللوائح الناظمة لعمل المؤسسات".
ويقول: "نخضع لتوازنات إقليمية ودولية تزرع حلفاء في قلب المؤسسات للسيطرة على شخصيات سواء كانت برلمانية أو عسكرية أو أمنية، وهؤلاء إذا توفرت لديهم أوراق ابتزاز فمعنى ذلك أن هناك حالة ترويض، يليها التجنيد لصالح مشاريع خارجية".
ويعني هذا بحسب الشريفي أن العراق "بحاجة لعملية تطهير للمؤسسات، شرط أن تقوم بها جهات وطنية تكون القيادات فيها غير خاضعة وقادرة على مواجهة أي جهة حزبية تحاول فرض يعض الشخصيات لتحقيق أجندات معينة تصب في مصلحتها".
وفي معرض إجابته عن الاعتقالات التي تحصل ضد شبكات ابتزاز رفيعة المناصب الحكومية ومدى كونها مؤشراً إيجابياً، يقول الشريفي "علينا أن نتساءل: هل هي هذه العملية تصحيحية لتنقية المؤسسات من الفاسدين، أم أن حقيقتها هي تصفية حسابات بين الفاسدين؟".
من وجهة نظره، فإن "التفاؤل يحصل عندما تهدف هذه الممارسات إلى تصحيح الوضع الحالي، أما إن كانت لتصفية الحسابات، فهي أكثر خطورة من ممارسة عملية الابتزاز".
يقول الشريفي: "بالتالي، لا يوجد ضامن بوجود مبتزين آخرين قريبين إلى المنظومة السياسية الحاكمة يجري غض النظر عنهم، والدليل أن الشخصيات التي تتعرض للابتزاز هي أيضاً جزء من صراع سياسي لطرف آخر"، بحسب تعبيره.