على الرغم من أن تعديل قانون العفو العام كان أحد أبرز شروط "الكتل السنية" خلال المفاوضات التي سبقت تشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، إلا أن الملف ما زال يراوح مكانه دون أي انفراجة في الأفق.
بحسب البرنامج الحكومي الذي أعلن عنه السوداني، يُفترض إجراء مراجعة لقانون العفو العام بهدف تعريف "جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية"، لتشمل كل من ثبت أنه "عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لصالحها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".
يقول النائب في البرلمان العراقي سجاد سالم إن هذا التعريف هو نفسه الذي تمت قراءته الأولى في جلسة مجلس النواب في الرابع من أغسطس الجاري.
"وهو أيضاً ما تمت الموافقة عليه من قبل الإطار التنسيقي في الاتفاق السياسي لتحالف إدارة الدولة، لكن هناك خلافات سياسية تتعلق بالوضع العام تعيق إقراره داخل المجلس"، كما يشرح سالم لـ"ارفع صوتك".
من جهته، يشير المحلل السياسي صفاء الشمري إلى أن الخلافات السياسية بين الكتل "تتعلق بالموقف من المنتمين إلى تنظيم داعش"، موضحاً أن "الكتل السنية ترى أن هناك الكثير من السجناء أبرياء ووقعوا ضحية للمخبر السري أو نتيجة تهمة كيدية وتشابه أسماء وغيرها" .
ويقول الشمري لـ"ارفع صوتك" إن الخلاف "يتعلق أيضاً ببعض القوى في الإطار التنسيقي، التي ترى أن هناك جهات ستحقق مكاسب انتخابية في حال إقرار قانون العفو العام، أو في حال معارضته. وهو ما يمكن أن يؤثر على ناخبيهم في ظل وجود مخاوف شعبية من إطلاق سراح إرهابيين منتمين إلى تنظيم داعش".
بغض النظر عن الخلافات السياسية، يتابع الشمري: "هناك أشخاص في السجون العراقية نعتقد أنهم أبرياء وهناك دعاوى كثيرة بوجود ابتزاز، أو عدم تطبيق الإجراءات الصحيحة خلال الاعتقال كأخذ الاعترافات بالإكراه. وهذا أمر سجلته الحكومة العراقية في أوقات سابقة ويستحق المراجعة واتخاذ إجراءات ضمن قانون العفو بخصوصها".
عوائل السجناء
التعديل المقترح الجديد يثير حفيظة عدد من أهالي السجناء و"المغيّبين"، كما يقول المتحدث باسمهم أمير علي، ذلك أن هذا التعديل "لا يحقق مطالبهم التي تظاهروا لأجلها مراراً المتمثلة في توسيع التعديلات لتشمل القضايا الجنائية ومنها القتل والسرقة والعقوبات المالية والمحكومين بسبب الديون وغيرهم".
وينتقد علي في حديثه لـ"ارفع صوتك" إطلاق عنوان "العفو العام" على القانون، كونه "ليس شاملاً ويعتبر عفواً خاصاً لتضمنه نحو 14 استثناء".
ويستنكر التصريحات المختلفة للنواب في البرلمان، حيث "يُفسر كل منهم القانون وفقاً لأسباب طائفية أو دينية. بعضهم يركز على الإرهاب والمخبر السري والبعض الآخر يركز على عدم إقرار القانون".
هؤلاء النواب، كما يرى أمير، "ينسون أو يتناسون أن العفو هو للإنسان المخطئ، الذي يمكن استدراك خطئه وإخراجه من السجون المكتظة في جميع أنحاء العراق من الشمال إلى الجنوب، بغض النظر عن الدين أو الطائفة".
أما التعديل الجديد في القانون الذي يتضمن تعريف الجريمة الإرهابية، فإن "الفائدة المرجوة منه، وهي شمول أعداد أكبر من السجناء، لن تتحقق مع إقرار هذه التعديلات. بل سيحصل العكس، إذا يبدو التعريف الجديد أكثر تشدّداً من التعريف السابق ولن يستفيد منه أحد"، يتابع علي.
في المقابل، يرفض الكثير من العراقين أن يشمل العفو المتهمين بجرائم جنائية.
قانون العفو
أول قانون عفو صدر في العراق بعد إسقاط النظام البعثي كان عام 2008، وتضمن تسع مواد قدمت إعفاء عاماً للمحكومين وما تبقى من مدد محكومياتهم، على أن يتم إطلاق سراحهم بقرار من لجنة تتشكل بموجب القانون.
استثنى القانون 14 جريمة، منها التي يعاقب عليها بالإعدام وفق قانوني العقوبات وقانون المحكمة الجنائية العراقية العليا، أو المحكومين بجرائم الإرهاب إذا نشأ عنها قتل أو عاهة، وجرائم القتل العمد والخطأ إذا لم يتنازل ذوو العلاقة، والخطف والاختلاس والسرقة المقترنة بظرف مشدد، والاغتصاب، والزنا بالمحارم، وتزييف العملة، والمخدرات، وتهريب الآثار، والجنايات المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكري".
في عام 2016، أقر البرلمان العراقي قانوناً جديداً للعفو العام (رقم 27 لسنة 2016) ووضع الاستثناءات ذاتها، ووسّع تعريف الجريمة الإرهابية لتشمل "جريمة تخريب مؤسسات الدولة، وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية، وكل جريمة إرهابية أسهم شخص بارتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق".
كما تم توسيع لائحة الجرائم المستثناة من العفو لتشمل الجرائم التي تمسّ أمن الدولة الخارجي والداخلي، وجرائم الاتجار بالبشر، وكل ما يندرج تحت عنوان "السبي".
بعد أشهر قليلة وفي عام 2017، أقر التعديل الأول للقانون الذي شدّد مجدداً الاستثناءات بخصوص الجرائم الإرهابية وجرائم الخطف، خاصة التي ارتُكبت بعد يونيو 2014؛ بغية عدم إتاحة الفرصة لمرتكبيها من الإفلات من العقاب.
بلغ عدد المطلَق سراحهم وفقاً لبيان وزارة العدل عام 2023 ضمن قانون العفو العام منذ شهر نوفمبر 2016 حتى ديسمبر 2022، أكثر من ٩٥٠٠ شخص.
تعديلات حقيقية
ينتظر أهالي السجناء والمغيبين في العراق إنهاء مراسيم الزيارة الأربعينية لتنظيم مظاهرة جديدة، يطالبون فيها بإقرار تعديلات تتضمن قضايا جنائية وجنحاً، كما يقول الناشط أمير علي.
يقول: "لدينا قضايا جنائية مثل القتل والقتل الخطأ، وهي ذات طبيعة عشائرية وفي قانون العفو العام لا يشمل الإفراج جرائم القتل التي لم يتنازل ذوو العلاقة فيها عن حقوقهم الشخصية"، كما لدينا قضايا "تتعلق بغرامات المرور وقضايا الصكوك والديون، ولدينا أشخاص تم الحكم عليهم بسبب ديون بسيطة بثلاث سنوات في السجن".
أما أكثر القضايا إلحاحاً بحسب أمير فهي "قضايا المخدرات التي تصل فيها أعداد المسجونين اليوم إلى 12 ألف سجين أغلبهم نتيجة تحويلهم بموجب المادة 28 المتعلقة بتجارة المخدرات. وهي في الأصل في كثير منها قضايا تعاطي يمكن أن يتم إصلاحهم ومعالجتهم من الإدمان وليس زجهم في السجون لمفاقمة مشاكل إدمانهم".
ومنذ مطلع العام 2024 الحالي ولغاية الأول من يونيو الماضي، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن القبض على ما يقارب من 7000 متورط بجرائم المخدرات.
وثق علي، كما يقول، "حالات ابتزاز عديدة تعرض لها أهالي المحكومين أو من أُلقي القبض عليهم ولم يخضعوا بعد للمحاكمات. وكثير منهم، نتيجة عدم خضوع تلك العوائل للابتزاز من قبل جهات أمنية أو قضائية، تمت محاكمة أبنائهم وفق مواد الاتجار، رغم أنهم متعاطون شباب وارتكبوا فعلاً طائشاً يمكن أن يتم إصلاحهم وإخراجهم من دوامة الإدمان قبل فوات الأوان".
ويختم حديثه بالقول :"لا أحد يريد الإفراج أو العفو عن من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين. لكن، لدينا اليوم مظلومية تشمل الجميع ونتمنى من البرلمانيين التفكير بأهالي السجناء الذين اكتظت بهم السجون".
أهمية إقرار القانون
في السياق نفسه، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن العراقيين بمختلف فئاتهم "يتطلعون لإقرار قانون العفو العام، إذ إنه من شأنه الإسهام في تعزيز السلم المجتمعي وزيادة ثقة المواطن بالحكومة".
وبرأيه، "سيُنقذ هذا القانون شريحة واسعة ممن يقبعون داخل السجون لأسباب بعضها يعود لظروف قاهرة خارجة عن إرادة المحكوم".
يضيف التميمي لـ"ارفع صوتك": "هناك عدة نقاط ملحة لإقرار قانون العفو العام، أهمها اكتظاظ السجون بالمحكومين وازدياد تكاليف السجناء من طعام وعلاج وتوفير مستلزمات الحياة لهم، ما يكلّف موازنة الدولة مبالغ طائلة".
وكانت وزارة العدل العراقية أقرّت باكتظاظ سجونها الذي وصل إلى 300% من الطاقة الاستيعابية.
يتابع التميمي: "الجانب الإنساني المرتبط بعوائل السجناء له أهمية كبيرة في حال إصدار قانون العفو العام سواء للسجناء بتهم جنائية وجنح أو حتى بعض فئات من المتهمين بالإرهاب ولم تتلطخ أيديهم بالدماء".
ويؤكد أن وضع بدل نقدي لمن تبقت لهم مدة قليلة أو لمن تم اتهامهم بقضايا فساد مالي، من شأنه "تعزيز الاقتصاد والإسهام باستعادة الأموال المنهوبة، ما يعني إنعاش موازنة الدولة".
من جانبه، يؤيد النائب سجاد سالم إقرار قانون العفو العام، وهو "ضد من يتحدث عن أن القانون مصمم لصالح فئة معينة في المجتمع العراقي"، شارحاً: "لدينا حالات اكتظاظ كبيرة في السجون وهو أمر لا يتعلق بفئة معينة دون أخرى، بل حالة شاملة، خصوصاً الذين قضوا مدة كبيرة من محكوميتهم في السجون".
بالتالي، فإن القانون سيقلل من الازدحام داخل السجون ويعطي الفرصة لعملية إصلاح حقيقية للسجناء، وفق سالم.