خط أنابيب كردستان متوقف منذ عام وسط تعثر المحادثات بين بغداد وحكومة الإقليم
صورة أرشيفية لأحد حقول النفط في كردستان العراق

لم تكن محاولة فصائل هيئة الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران، الأحد الماضي، للاقتراب من مواقع قوات البيشمركة الكردية والتوغل داخل منطقة الفراغ الأمني بينها والجيش العراقي، الأولى من نوعها، لكنها "أول محاولة للسيطرة" بحسب مراقبين.

وتوغلت أكثر من 150 آلية عسكرية تابعة للحشد الشعبي معززة بأعداد كبيرة من المسلحين، فجر الأحد، ضمن حدود ناحية كولاجو المتنازع عليها جنوب محافظة السليمانية في كردستان العراق، وتمركزت في حقل كلابات- قمر النفطي ضمن حدود قاطع اللواء الخامس في البيشمركة بعد أن قطعت منطقة الفراغ الأمني، وتمركزت في الحقل حتى منتصف ظهيرة نفس اليوم، ثم انسحبت.

سبب التوغل في منطقة جبل قمر شمال غرب ناحية قرتبة، بحسب بيان لقيادة محور الحشد الشعبي في محافظة ديالى، كان "مباغتة لخلايا تنظيم داعش الإرهابي" وذلك بعد ورود "معلومات استخبارية دقيقة ومراقبة من خلال الطائرات المسيرة التي رصدت تواجدها في المنطقة".

وفي حديث للصحافيين، أكد نائب آمر اللواء الخامس في قوات البيشمركة العقيد بختيار بيسري أن وزارة البيشمركة تواصلت مع الحكومة الاتحادية، وعلى أثر ذلك انسحبت قطعات الحشد الشعبي من المنطقة التي توغلت فيها بعد ساعات من تمركزها.

وكان العراق وقع في فبراير 2023 عقدا مع شركة "نفط الهلال" الإماراتية لتطوير وإنتاج حقول كلابات- قمر في ديالى، بهدف الاستفادة من الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء.

تعقيباً على الحدث، يقول الناشط الحقوقي عمار السرحان إنه يندرج ضمن "محاولات بغداد للاستحواذ بشكل كامل على مصادر الطاقة في إقليم كردستان وفي الوقت نفسه استجابة لرغبة إيران في السيطرة على مصادر الطاقة في الإقليم".

ويعتقد أن ما جرى "بتوجيه إيران عبر قيادات الإطار التنسيقي للسيطرة على هذه الآبار واستخدامها كورقة ضغط على إقليم كردستان".

"كما تأتي ضمن محاولاتهم (الفصائل الموالية لإيران) المستمرة لتقويض سلطة إقليم كردستان"، يتابع السرحان لـ"ارفع صوتك".

 

"مسألة محسومة"

تمكنت الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني التي شكلها "الإطار التنسيقي" المكون من الأحزاب والفصائل المسلحة الموالية لإيران، بالتحالف مع الأطراف الكردية والعربية السنية، من حسر سلطات إقليم كردستان بشكل كبير خلال العامين الماضيين عبر قرارات المحكمة الاتحادية.

يقول الخبير في قطاع النفط والغاز كوفند شيرواني لـ"ارفع صوتك" إن "الهجمات التي تكررها بعض الفصائل الموالية لإيران على حقول النفط والغاز ليست بالأمر المستجد".

ويوضح: "هناك تركيز أكبر في هذه الهجمات على الغاز الطبيعي لأنه يثير قلق إيران مخافة أن يتطور استثمار الغاز في أي مكان سواء في إقليم كردستان أو حتى جنوب العراق ويصل العراق إلى حد الاكتفاء، بالتالي التوقف عن استيراد الغاز الإيراني".

ويعتبر شيرواني أن ذلك أحد أسباب "تأخر العراق في استثمار حقول ضخمة من الغاز الطبيعي على مدى الـ20 سنة الماضية".

ويؤكد أن السيطرة الكاملة من قبل الحكومة الاتحادية على الحقول النفطية "مسألة محسومة في الدستور العراقي وفق المادة (112)، التي تكرّس المشاركة بين الحكومة الاتحادية والمحافظات والأقاليم المُنتِجة في إدارة النفط المستخرَج من حقولها".

يشرح شيرواني أن "كيفية توزيع المهام في إدارة النفط ستُترك ضمن التفاصيل في مشروع قانون النفط والغاز الجديد الذي لم يُمَرر بعد كقانون"، لذلك هناك الآن "فراغ كبير وفجوات، تعطي المجال دائماً لخلافات حول إدارة النفط والغاز وإيراداتهما وكيفية الاستفادة منهما".

 

"أجندات خاصّة"

من أبرز حقول إنتاج الغاز الخاضعة لإقليم كردستان الذي تعرض خلال العامين الماضيين لهجمات صاروخية هو حقل كورمور الغازي، وبلغ عدد الهجمات الصاروخية التي تعرض لها منذ مطلع 2022 حتى مايو الماضي 9 هجمات، أشارت مصادر أمنية وعسكرية عقب كل هجوم منها إلى تورط المليشيات الموالية لإيران فيها، بغية إبعاد العراق عن الاعتماد على غازه بدلا من استيراد الغاز الإيراني لتوليد الطاقة الكهربائية.

يعتبر المحلل السياسي رمضان البدران أن عدم وجود تفاهم بين حكومتي المركز والأقليم "خلق فجوه سياسية وقانونية توفر فرصة سهلة للتطفل على الكثير من موارد الدولة في كردستان، لا سيما على يد الفصائل المسلحة التي يغطي تواجدها بعض القوانين كقانون الحشد".

ويرى أن تحركات الفصائل للسيطرة على آبار النفط الخاضعة لسيطرة الإقليم "لا تخلو من أجندات خاصة بها، للاستفادة من ابتزاز المشاريع المرتبطة بتشغيل الحقول ولأعمال التهريب أحياناً".

يوضح البدران لـ"ارفع صوتك": "لا تخلو تحركات الفصائل كذلك من محاولات إرباك سياسة إقليم كردستان في إدارة النفط والغاز بما يتعارض مع سياسات بعض دول الجوار، لا سيما في قطاع الغاز بالنسبة لإيران وروسيا وفي قطاع التشغيل بالنسبة للصين التي تمددت كثيرا في تشغيل معظم القطاع النفطي في بقية أنحاء العراق خارج الإقليم".

ويُحرق العراق سنويا أكثر من 18 مليار مكعب من الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، في وقت تعتمد البلاد على إمدادات الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. 

وعلى الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، يحصل العراق بشكل متواصل منذ عام 2018 على إعفاء من الولايات المتحدة لاستيراد الغاز منها.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.