قوات أمنية في بغداد
صورة أرشيفية لأحد عناصر قوات الأمن العراقية في بغداد - تعبيرية

الحرة- مصطفى هاشم- رغم أن تظاهرات خريجي المهن الصحية والطبية تتواصل في العراق منذ أشهر للمطالبة بالتعيين المركزي في مؤسسات الدولة، وفق القانون، فإن الحكومة لم ترد بجدية على هذه الدعوات إلا بعد وقوع أحداث عنف ضد المتظاهرين الثلاثاء، تسببت في موجة من الاستياء الشعبي.

وتسلط التظاهرات التي ينظمها خريجو الكليات "المهن الصحية" الضوء على معاناة هذه الشريحة من المجتمع، وتؤكد على حقوقهم في التوظيف.

وينص القانون رقم 6 لعام 2000 على تعيين خريجي كليات المهن الطبية والتمريض والرعاية الصحية، وهو ما أقر به وزير الصحة صالح مهدي الحسناوي في مؤتمر صحفي العام الماضي.

وتقول الناشطة الباحثة في الشأن السياسي، نهاد الشمري، في حديث مع موقع "الحرة": "كان من المعروف أن خريجي كليات المهن الصحية من الطب والصيدلة والتمريض وغيرهم يعينون فور تخرجهم، لكن هذا الأمر توقف في الفترة الأخيرة بسبب عدم وجود ميزانيات تغطي المرتبات للأعداد الهائلة من الخريجين".

وقالت إن هؤلاء المتظاهرين "دخلوا هذه المعاهد والكليات الطبية على أمل أن يتعينوا في القطاع الحكومي لكن صدموا أن هذا الأمر قد توقف".

ويؤكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فاضل غراوي، أن الدولة عليها أن تكفل حق العمل وبضمنه توفير فرص العمل للخريجين والتعيينات في المؤسسات الحكومية، خاصة أن هناك قوانين صدرت سابقا بتعيين خريجي المهن الصحية، وبالتالي هم يطالبون بتطبيق هذا القانون أسوة بأقرانهم الذين تم تعيينهم".

ويشير غرواي في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "القانون لم يتغير ولكن موازنة عام 2024 لم تتضمن مخصصات مالية لتعيين حملة الشهادات العليا بعكس ميزانية العام السابق، ولذلك هم يطالبون بأن تتضمن ميزانية عام 2025 المبالغ التي تضمن تعيينهم".  

عدد هائل

وتلفت الناشطة السياسية نهاد الشمري إلى أن التضخم الاقتصادي والترهل الوظيفي قد أثرا سلبا على قدرة الحكومة على استيعاب جميع الخريجين.

وقالت إن الحكومة الحالية تتحدث عن تفعيل القطاع الاقتصادي الخاص والمشترك بغية إنجاز حلول لهذا الملف وتوفير فرص عمل، لكن هذا الموضوع يتطلب وقتا وخططا وهو ليس حلا آنيا ولذلك خرج الطلاب ليطالبوا بحقوقهم وإيجاد حلول سريعة للمشكلة.

وعزت الشمري سبب عدم وجود ميزانية لتعيين خريجي المهن الصحية إلى أخطاء حكومية.

وأوضحت أن "الحكومة العراقية توسعت في السنوات الأخيرة في منح رخص لجامعات أهلية بدأت تنافس الجامعات الحكومية وتخرج أعدادا هائلة من الخريجين، مما دفع الدولة إلى إيقاف التعيينات في القطاع الحكومي بسبب هذه الأخطاء".

وأشارت إلى أن التوسع في الجامعات الأهلية فاقم مشكلة التوظيف.

وقالت الشمري إن هذه السياسات الخاطئة حرمت خريجي الجامعات الحكومية ذات المعدلات العالية جدا من حقهم في التعيين لأن هناك جامعات أهلية بدأت تنافس هذه الكليات بمعدلات أقل بكثير، إذ يدفع فيها الطالب أموالا كثيرة حتى يتخرج ويساوي الطالب الحكومي، وذلك بدون وجود دراسات لقياس مدى جدوى خريجي هذه الجامعات".

وفي عام 2022، كان عدد خريجي كليات الطب 2,767، وخريجي كليات طب الأسنان 4,860. وبلغ عدد خريجي كليات الصيدلة 5,756. وفي فئة الكوادر الصحية والتمريضية، كان عدد خريجي المعاهد 14,812، وخريجي الكليات التقنية 7,648. بالإضافة إلى ذلك، بلغ عدد خريجي كليات التمريض 2,665، وخريجي معاهد التمريض 6,827، وأعداديات التمريض 91، بحسب خطاب وزير الصحة لمجلس الخدمة العامة الاتحادي لغرض المصادقة على تعيين خريجي المهن الطبية والصحية والتمريضية لسنة 2022، وفق ما نشرته وكالة الأنباء العراقية.

ويرى غراوي أنه يتوجب "على الحكومة توفير كل الإجراءات الأساسية للاستجابة لمطالبهم المشروعة من خلال تعيينهم في مؤسسات الدولة، وكذلك إمكانية إعطائهم فرصة إيجابية على اعتبار أنهم خريجون في تخصصات دقيقة مهمة للدولة العراقية".

اعتداءات أمنية

واستخدم بعض عناصر قوات الأمن العنف المفرض لفض تظاهرة خريجي المهن الصحية  بما في ذلك الضرب بالهراوات واستخدام خراطيم المياه، مما أدى إلى حدوث إصابات بين المتظاهرين، بحسب غراوي.

وأثارت هذه الممارسات ردود فعل قوية من نشطاء المجتمع المدني، بعد انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. ودعت منظمات حقوق الإنسان الحكومة إلى تحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

واعتبر الروائي العراقي أحمد سعداوي في تغريدة على منصة "أكس" أن السلطة في بلاده "لا تتعلم أبدا".

وأدان غراوي الذي كان عضوا في المفوضية العليا لحقوق الإنسان سابقا، الاعتداءات الأمنية واعتبرها انتهاكا صارخا لحقوق المتظاهرين.

وطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حازمة ضد أفراد الأمن المتورطين في استخدام العنف، وضمان توفير فرص العمل للخريجين وفقاً للقوانين السابقة.

استجابةً لهذه الأحداث، وجه رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قيادة العمليات المشتركة بالتحقيق في ملابسات الاعتداءات التي حدثت خلال التظاهرات.

وأكد على أهمية تواجد القوات الأمنية في موقع التظاهرات المستقبلية لتفادي تكرار الحوادث.

وأضاف أن هناك لجنة برئاسة وزير الصحة ستقدم تقريراً حول وضع خريجي المهن الصحية وتحديد الحلول القانونية خلال أسبوع.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.