وضع أبو جعفر المنصور الحجر الأساس لبناء مدينة بغداد عام 762 ميلادي.
وضع أبو جعفر المنصور الحجر الأساس لبناء مدينة بغداد عام 762 ميلادي.

في العام 762 ميلادي، أي قبل ما يقارب 1262 عاماً، أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ببناء عاصمة جديدة لدولته، تكون بعيدة عن المدن التي كثر فيها الخروج على الخلافة، كالكوفة والبصرة. وأرادها مدينة تتمتع بمناخ معتدل وموقع حسن، على ما تتفق المصادر التاريخية، وقام بوضع الحجر الأساس لهذه المدينة بيده.

هذه حكاية ولادة مدينة بغداد، التي يحفظ التاريخ لأبي جعفر المنصور فضل بنائها.

وضع أبو جعفر المنصور الحجر الأساس لبناء مدينة بغداد عام 762 ميلادي.
"دار السلام" و"مدينة المنصور".. ما قصة بناء بغداد؟
"بسم الله والحمد لله! وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، ابنوا على بركة الله!".. هذا ما قاله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 762م/ 150هـ عندما وضع الحجر الأساس لبناء عاصمته الجديدة "بغداد" أو "دار السلام"؛ بحضور جمع غفير من الأمراء والوزراء والعلماء الأعيان.

في العام 1977 وفي عهد الرئيس أحمد حسن البكر، أنجز النحات العراقي الشهير خالد الرحال تمثالا برونزيا يمثّل رأس أبي جعفر المنصور، تكريماً لدوره في بناء بغداد، ووُضع الرأس على قاعدة مرتفعة في أحد شوارع ناحية الكرخ في العاصمة العراقية، وسميت المنطقة على اسمه.

في السيرة التي كتبها الأديب العراقي نجم والي لمدينة بغداد ("بغداد سيرة مدينة"، دار الساقي)، يشير، نقلاً عن مصادر تاريخية، إلى أن المنصور جلب عدداً من كبار المهندسين للإشراف على بنائها، بمساعدة أعداد كبيرة من أكثر البنائين والصنّاع المهرة.

انتهى بناء بغداد في زمن قياسي، بالنسبة إلى تقنيات البناء في تلك المرحلة الزمنية. "فبعد أربع سنوات فقط من وضع أبي جعفر المنصور حجر الأساس لها، انتهى البناء منها لتصبح مدينة جاهزة لانتقال الخليفة وحاشيته ومعه دواوين الدولة إليها، ولتصبح منذ ذلك الحين عاصمة للدولة العباسية"، يقول نجم والي.

وبحسب إسماعيل مرسي في كتابه "ملوك الدولة العباسية"، فإن العباسيين "ظلّوا قبل ذلك ثلاثة عشر عاماً منذ وصولهم إلى الحكم دون عاصمة لملكهم حتى بنوا بغداد".

وقد نزل المنصور بغداد قبل إتمام بنائها، وكان لا يدخلها أحد أبداً راكباً، "حتى إن عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي فلم يأذن له".

سكن المنصور بغداد حين تم البناء، وكان سورها دائرياً، عرضه خمسون ذراعاً في أسفله، وعشرون في أعلاه، وله ثمانية أبواب، وكذا السور الداخلي، إلا أن الأبواب الداخلية والخارجية غير متقابلة، يضيف مرسي.

كان موقع بغداد الذي اختاره المنصور يمتاز بحصانته من الناحية العسكرية، إذ "لا يمكن الوصول إليه إلا على قنطرة أو جسر، فإذا قطعت الجسور وخربت القناطر، لا يصل إليها العدو"، بحسب مرسي. كما شكّل نهرا دجلة والفرات سوراً وخندقاً طبيعيين، وتميز الموقع ببعده عن مناطق الحدود البيزنطية مما جعله آمناً وبعيداً عن غاراتهم.

وللدلالة إلى علو شأن شخصية المنصور في التاريخ، ينقل مرسي عن الشيخ الخضري قوله: "كان المنصور أعظم رجل قام من آل العباس شدة وبأساً ويقظة وثباتاً".

كغيره من المعالم والرموز العراقية، تعرض تمثال أبو جعفر المنصور بعد 2003 للتخريب والسرقة، وتم تفجير قاعدته كليا في العام 2005، قبل أن تقوم السلطات العراقية بترميمه وتعيد نصبه مرة أخرى عام 2008 في المنطقة الغربية من المدينة التي سميت على اسمه. 

لكن، على الرغم من مرور مئات السنين على وفاة الخليفة العباسي، إلا إن مجموعات عراقية أطلقت بشكل متكرر عبر السنين، دعوات لإزالة تمثاله الذي شيد خلال سبعينات القرن العشرين، على يد النحات العراقي خالد الرحال.

وتطالب هذه المجموعات بإزالة تمثال المنصور، لأسباب طائفية تعود الى اعتبار الشيعة أن المنصور هو الذي أعطى الأمر بقتل سادس أئمة الشيعة الاثني عشرية جعفر  الصادق.

مواضيع ذات صلة:

السلطات الطاجيكية تشن حملة قمع ضد اللحى والحجاب
السلطات الطاجيكية تشن حملة قمع ضد اللحى والحجاب

بدأت طاجيكستان حملة قمع واسعة تستهدف المظاهر الدينية كاللحى الطويلة والحجاب، بعد اتهام عدد من الطاجيكيين بتنفيذ هجوم إرهابي كبير في موسكو، بحسب تقرير مطول لصحيفة "نيويورك تايمز".

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن تنظيم "داعش-خراسان" المتطرف، الذي ينشط في آسيا الوسطى، كان وراء الهجوم، وهو ما سلط الضوء على الدور الذي يلعبه الطاجيك المتطرفون في تنفيذ عمليات إرهابية على مستوى العالم.

وبعد اعتقال رجال طاجيك واتهامهم بشن هجوم إرهابي على قاعة حفلات في موسكو في مارس الماضي، أدى إلى مقتل 145 شخصاً وإصابة أكثر من 500، كان المواطنون هناك يتوقعون حملة قمع حكومية.

وتستعرض الصحيفة قصة فتاة طاجيكية في الـ27 من العمر، شاهدت عناصر من السلطات المحلية تحمل مقصا خارج أحد المطاعم في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، وهي تقص اللحى التي اعتبرت طويلة للغاية.

وتعرضت الفتاة بحسب حديثها للصحيفة إلى الاعتقال عدة مرات حتى قررت التخلي عن الحجاب حتى لا يؤثر على مستقبلها المهني.

 وتفرض الحكومة الطاجيكية برئاسة إمام علي رحمن، الذي يتولى السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، كثيرا من القيود ومنها حظر الحجاب في المدارس منذ عام 2007 والمؤسسات العامة في طاجيكستان منذ عام 2009.

واعتمد البرلمان في الدولة ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة مسودة تعديلات على قانون "التقاليد والاحتفالات" والتي ستحظر ارتداء "الملابس الغريبة عن الثقافة الطاجيكية"، وهو مصطلح يستخدمه المسؤولون على نطاق واسع لوصف الملابس الإسلامية، بحسب إذاعة أوروبا الحرة "راديو ليبرتي". 

وتمنع التعديلات أيضا استيراد تلك الملابس وبيعها والإعلان عنها.

وفرضت غرامات مالية كبيرة  تتراوح ما بين 660 إلى 1400 دولار على من يخالف هذه القوانين، ما يزيد الضغط على السكان في بلد يعاني من الفقر والبطالة.

وفي عام 2018، قدمت طاجيكستان دليل الملابس الموصى بها الذي يحدد ألوان الملابس وأشكالها وأطوالها وموادها "المقبولة".

وأنشأت الحكومات المحلية فرق عمل خاصة بينما داهمت الشرطة الأسواق لاعتقال "المخالفين"، بحسب "راديو ليبرتي". 

فرق عمل حكومية في طاجيكستان تغرم النساء اللاتي ترتدين الحجاب في الشوارع

يُظهر مقطع فيديو حديث يُزعم أنه لموظفي مستشفى في جنوب طاجيكستان وهم يساعدون زائرتين ترتديان الحجاب في تنسيق غطاء الرأس "على الطريقة الطاجيكية" بربطه خلف رأسيهما كوشاح، بحسب راديو "ليبرتي". 

 

 

ويبدو أن المنطق وراء هذا هو القضاء على المظاهر العامة للإسلام المحافظ، وهو ما تعتقد الحكومة أن من شأنه أن يساعد في كبح جماح الإسلام المحافظ والحد من التطرف.

ورغم هذه التدابير، يشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن هذه السياسة قد تأتي بنتائج عكسية.

ويرى لوكاس ويبر، المؤسس المشارك لمنظمة "ميليتانت واير" التي تركز على بحث نشاط الجماعات المتطرفة، إن الحملة القمعية التي تقودها الحكومة قد تؤدي إلى زيادة الغضب والاحتقان الاجتماعي، مما يغذي مزيدا من التطرف بدلا من الحد منه.

وأضاف أن ردود الفعل الحكومية على الهجمات الإرهابية قد تكون بالضبط ما يسعى إليه المتطرفون، إذ يرغبون في تأجيج التوترات بين المواطنين والسلطات.

إلى جانب القمع الداخلي، زادت طاجيكستان من تعاونها الأمني مع روسيا بعد الهجوم الإرهابي في موسكو، حيث يُنظر إلى الطاجيكيين المهاجرين في روسيا بريبة متزايدة.

ويعمل حوالي مليون طاجيكي في روسيا، ما يمثل نحو 10 في المئة من سكان البلاد، وهم يرسلون أموالا حيوية لعائلاتهم في الوطن.

ولكن في أعقاب الهجمات، أصبح الطاجيكيون هدفا رئيسيا للمداهمات الأمنية في روسيا، لتفتيش مساكنهم وأوراقهم الثبوتية بانتظام.

هذا الاعتماد الكبير على روسيا لم يمنع طاجيكستان من تعزيز علاقاتها مع دول أخرى، فقد بدأت أيضاً في تعزيز التعاون مع الصين، رغم التقارير التي تفيد ببناء قاعدة صينية في شمال البلاد، وهي تقارير نفتها بكين.

ووقعت طاجيكستان اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة في مايو الماضي، تهدف إلى تحسين مراقبة الأشخاص الذين يدخلون البلاد ويشتبه في صلتهم بالجماعات المتطرفة.

ويرى مراقبون أن التركيز على المظاهر الدينية قد لا يكون حلا فعالا لمكافحة الإرهاب، خاصة أن بعض أفراد عائلات المتهمين في الهجوم الإرهابي في موسكو أشاروا إلى أن المتورطين لم يظهروا أي علامات خارجية على التدين أو التطرف، مما يدل على أن هؤلاء المتطرفين قد يحاولون التهرب من التدابير الأمنية من خلال الابتعاد عن المظاهر الإسلامية التقليدية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

وقالت جولراكات ميرزوييفا (59 عاما)، والدة أحد المتهمين في الهجوم، إن ابنها لم يكن متدينا بشكل علني ولم يظهر أي ميول للتطرف.

وأشارت إلى أن الفقر والظروف الاقتصادية القاسية هي التي دفعت ابنها إلى السفر مرارا للعمل في روسيا لتوفير احتياجات أسرته.

كان المهاجمون الأربعة المتهمون يعملون في روسيا لعدة أشهر على الأقل، وكان بعضهم يقوم برحلات متكررة للدخول والخروج.

ويشير خبراء في مجال حقوق الإنسان إلى أنه بدلا من أن تعالج الدولة المشاكل الجوهرية مثل الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية، تبحث عن أمور مظهرية قد لا يكون لها علاقة بجذور أزمة التطرف. 

وقال العديد من سكان دوشانبي لراديو ليبرتي إنهم لا يدعمون حظر أنواع معينة من الملابس لأنهم يعتقدون أن الناس يجب أن يكونوا أحرارا في اختيار الملابس التي يريدون ارتدائها.