صورة أرشيفية من باحة القصر العباسي في العاصمة العراقية بغداد- فرانس برس
صورة أرشيفية من باحة القصر العباسي في العاصمة العراقية بغداد- فرانس برس

أثار حفل زفاف أقيم في القصر العباسي في العاصمة العراقية بغداد، الذي بني عام 165 هجرية، جدلاً كبيراً على مواقع التواصل، بين مؤيد للحفل باعتباره ترويجا للسياحة، ومعارض لإقامة حفلات زفاف في المكان الأثري بدعوى أنها "لا تليق برمزيته".

ووفقاً لوزارة الثقافة العراقية، فإن الحفل تم التخطيط له ومتابعته بدقة للحفاظ على معالم القصر الأثرية من أي ضرر محتمل.

وكان السبب الرئيس لموافقة الوزارة على منح الترخيص لإقامة الحفل أنه يمثلّ جزءاً من الترويج للمناطق الأثرية العراقية بهدف جذب المزيد من السياح والمهتمين لزيارتها والتعرف عليها، كما تقول.

في حديثه مع "ارفع صوتك"، يقول مفتش آثار بابل علي مهدي، الذي خولته وزارة الثقافة للتصريح حول الجدل المتعلق بحفل الزفاف، إن "الوزارة تلقت طلباً من شركة تنظم المناسبات لإقامة حفل زفاف في القصر العباسي، وتم الاتفاق على أن تكون الثيمة الأساسية هي الفترة العباسية بكل تفاصيلها من ملابس ووسائل نقل وغيرها".

 الهدف من موافقة اللجنة كان "لتسليط الضوء والترويج للمواقع الأثرية وإبراز جمالها وأهميتها"، بحسب مهدي، لافتاً أن الوزارة "أبرمت اتفاقية خطية مع الجهة المنظمة لضمان الالتزام الكامل بشروط ومعايير المختصين".

تضمنت تلك الشروط "استخدام إضاءة ليزرية وتحديد أعداد المدعوين لتقتصر على عدد صغير جدا، والالتزام بالأزياء وبما يتناسب مع تقاليد المجتمع، وعدم إقامة فعاليات صاخبة تستخدم فيها مكبرات صوت يمكن أن تؤدي إلى إحداث اهتزازات في المكان لما لها من تأثيرات كبيرة على الموقع"، يضيف مهدي.

ويشدد على أنه "تم الالتزام بجميع الشروط عدا الالتزام بالأزياء العباسية واستخدام وسائل نقل شبيهة بتلك الحقبة، وما يهمنا فعلاً هو أنه لم يحصل ضرر للمبنى خلال إقامة الحفل فيه".

 

جدل مواقع التواصل

 بعد انتشار صور ومقاطع فيديو للحفل اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالجدل بين معارض للفكرة ومؤيد لها.

في فيسبوك، انتقد صبيح غازي إقامة الحفل في القصر قائلا "أن يأتي العروسان إلى معلم تاريخي في بغداد ويلتقطا الصور التذكارية بثياب العرس فهو أمر جميل ومقبول"، لكن أن يتحول القصر  "إلى صالة أعراس ويتم نصب موائد الطعام والفرقة الموسيقية تعزف ويتم التلاعب بمعالم المكان ووضع إضاءة راقصة"، فهذه "جريمة يجب أن يتم التحقيق فيها ومعرفة كيف تم ذلك ومن منحهم الرخصة بإقامة الحفل".

من جهته، انتقد علي رضا الحكومة العراقية التي لا تبدي برأيه أي اهتمام بالإرث الحضاري لبغداد، قائلا: "نُفاجأ بتحويل القصر العباسي إلى قاعة أعراس". ورغم أنه قال إنه يقدر "اعتزاز العروسين بإرث بلادهما" إلا أنه تساءل: "لكن لِم سمحت السلطات بذلك؟".

في المقابل رأى العديد من رواد مواقع التواصل العراقيين أن الموضوع يتعلق بالترويج للمواقع الأثرية. وكتب علي المقدام في منشور على موقع "إكس" أن ما حصل "ترويج صح للمكان الصح بطريقة جداً فخمة وصحيحة دون إيذاء للموقع"، مبدياً استغرابه من "التأويل والتضخيم الغريب العجيب، كأنما ما حصل مؤامرة كبرى وليس عرساً في غاية الأناقة والجمال وأبرز موقعا بغداديا كان مطموساً بالإهمال وينادي الغوث"، وفق تعبيره.

اتفق سامي التميمي مع المقدام بقوله إن الحفل "ظهر بصورة جميلة ومقنعة"، مضيفاً  أن "صور الزفاف في العالم عند قصور الملوك والحكام وفي كل مكان ولم يضايقهم أحد، كفاكم محاصرة ومضايقات للناس".

 

ماذا يقول "صاحب الفكرة"

 يقول علي المخزومي لـ"ارفع صوتك" إن شركته تلقت طلباً من العروس بإقامة حفل زفافها في إحدى المناطق الأثرية في العراق، مردفاً: "كنت أنا صاحب فكرة إقامة الحفل في مبنى القصر العباسي، وأشرفت وفريقي بمعيّة الدائرة المختصة على كل الكوادر التي عملت على هذا الحفل".

ويضيف المخزومي أن العروس "شابة عراقية عادية تمتلك قناة على الإنستغرام تقوم بمشاركة يومياتها من خلالها. ولم تكن معروفة بشكل واسع حتى سُلط على حسابها الضوء بعد ضجة إقامة حفل زفافها في القصر العباسي".

وعمل المخزومي، كما يقول، لسنوات عديدة مع كوارد وزارة الثقافة وتخصص في مجال تنظيم السياحة، كما عمل مع جامعة "ويدنك" البريطانية بكلية الآثار وحصل على تدريب من قبل "اليونسكو" والمتحف البريطاني ومتحف "اشموليان" ومتحف تاريخ العلوم التابعين لجامعة أوكسفورد.

هذا التاريخ الذي سرده المخزومي، يقول إنه "يؤشر على قدرته" على "المحافظة وعدم الإساءة لموقع القصر العباسي بطريقة مادية أو معنوية، ولكن بسبب إثارة الجدل بهذه الطريقة الواسعة فقد تصوّر الجمهور أن هناك إساءة".

ويرى أن الواقع السياحي والتراثي في العراق "تعرض للإهمال لسنوات طويلة، وليس لدى القطاع العام إلا التعاون مع القطاع الخاص وهي أحد الطرق التي يمكن استخدامها لزيادة الإيرادات بطريقة محترمة ولائقة تحافظ على الموقع من دون تأثير مادي يلحق الضرر به".

ويرد المخزومي على منتقدي استخدام القصر لحفل الزفاف بقوله إن "العباسي استُخدم على مدى التاريخ لإحياء الأمسيات والجلسات الشعرية والاحتفالات منذ أيام الخلفاء، مروراً بالسلاطين إلى أن استخدموه مخزناً للسلاح خلال الحرب ضد البريطانيين".

"وخلال العهد الملكي استُخدم القصر لإحياء الحفلات والفعاليات الثقافية حين كان مسكن الملك يجاور القصر، إلى أن أصبح متحفاً للفن الإسلامي. ثم في زمن الجمهوريات استخدم لأمسيات واحتفالات خاصة مع السفارات، ومؤخراً استخدم لاستضافة بعض الفعاليات وأضيف إليه تصوير الإعلانات وبرامج إطلاق المواسم الرمضانية"، يشرح المخزومي.

في ختام حديثه، يقول علي المخزومي: "ما حصل من جدل حول الحفل نتأمل أن يكون إيجابياً للقصر وجاذباً للزوار، حيث لم يكن الكثير من العراقيين على معرفة حقيقية به".

 

ماذا يقول "المختصون"

الأكاديمي في كلية الآثار بجامعة الموصل حسنين حيدر عبد الواحد يرى أن هناك "حاجة ملحة لإخراج العراق من اعتماده الشديد على النفط، عبر السياحة الآثارية والدينية ومن كافة أنحاء العالم، وهي يمكن أن تدر دخلاً اقتصادياً كبيراً وكسباً للعملة الصعبة".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "لا ضير من استخدام المواقع الآثارية في العراق لكن وفق شروط ورقابة الجهات المختصة التي تحدد نوع الموقع وقدرته الاستيعابية وما هي الفعاليات التي يمكن أن تقام فيه".

على سبيل المثال، يوضح عبد الواحد، أنه في بعض المواقع لا يمكن إقامة حفلات بموسيقى صاخبة، أو لا يمكن أن يحتوي أعداداً كبيرة من الناس في وقت واحد.

ويشير إلى أن "العديد من الدول تستخدم مواقع تراثية وأثرية كفنادق ومقاهٍ وأحياناً تتم إقامة فعاليات ومعارض فيها أو السماح بتصوير الأفلام والمسلسلات التي تؤرخ لحقب زمنية معينة. وهو أمر إيجابي وجاذب ويروج للبلد بصورة صحيحة".

ويشدد عبد الواحد في الوقت نفسه على "ضرورة أن تتم الأمور برقابة الجهات المختصة بشكل كامل".

ويتفق مع هذا أيضا الباحث الآثاري كرار الرازقي،قائلا إن استخدام المواقع الأثرية "سلاح ذو حدين. فمن جهة يجب اتخاذ معايير صارمة للحفاظ عليها من الأذى في حال إقامة الفعاليات فيها. ومن جهة أخرى، هناك قيمة مادية ومعنوية عالية لتلك المواقع ويمكن أن تدر دخلاً جيداً وتجذب الزوار من كل أنحاء العالم".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "يوجد العديد من المواقع الآثارية في العراق وهي مهملة مع الأسف، ولا تتوفر فيها أبسط مقومات الجذب السياحي. هذا الأمر يحتاج إلى تكاتف الجهود. فاليوم، العراق يشهد زيادة كبيرة بأعداد السائحين من دول عديدة، خصوصاً الذين يقصدون الأهوار والمناطق الآثارية، وما يرونه وينقلونه هو من يحدّد عدد الزوار في العام الذي يليه".

مواضيع ذات صلة:

السلطات الطاجيكية تشن حملة قمع ضد اللحى والحجاب
السلطات الطاجيكية تشن حملة قمع ضد اللحى والحجاب

بدأت طاجيكستان حملة قمع واسعة تستهدف المظاهر الدينية كاللحى الطويلة والحجاب، بعد اتهام عدد من الطاجيكيين بتنفيذ هجوم إرهابي كبير في موسكو، بحسب تقرير مطول لصحيفة "نيويورك تايمز".

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن تنظيم "داعش-خراسان" المتطرف، الذي ينشط في آسيا الوسطى، كان وراء الهجوم، وهو ما سلط الضوء على الدور الذي يلعبه الطاجيك المتطرفون في تنفيذ عمليات إرهابية على مستوى العالم.

وبعد اعتقال رجال طاجيك واتهامهم بشن هجوم إرهابي على قاعة حفلات في موسكو في مارس الماضي، أدى إلى مقتل 145 شخصاً وإصابة أكثر من 500، كان المواطنون هناك يتوقعون حملة قمع حكومية.

وتستعرض الصحيفة قصة فتاة طاجيكية في الـ27 من العمر، شاهدت عناصر من السلطات المحلية تحمل مقصا خارج أحد المطاعم في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، وهي تقص اللحى التي اعتبرت طويلة للغاية.

وتعرضت الفتاة بحسب حديثها للصحيفة إلى الاعتقال عدة مرات حتى قررت التخلي عن الحجاب حتى لا يؤثر على مستقبلها المهني.

 وتفرض الحكومة الطاجيكية برئاسة إمام علي رحمن، الذي يتولى السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، كثيرا من القيود ومنها حظر الحجاب في المدارس منذ عام 2007 والمؤسسات العامة في طاجيكستان منذ عام 2009.

واعتمد البرلمان في الدولة ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة مسودة تعديلات على قانون "التقاليد والاحتفالات" والتي ستحظر ارتداء "الملابس الغريبة عن الثقافة الطاجيكية"، وهو مصطلح يستخدمه المسؤولون على نطاق واسع لوصف الملابس الإسلامية، بحسب إذاعة أوروبا الحرة "راديو ليبرتي". 

وتمنع التعديلات أيضا استيراد تلك الملابس وبيعها والإعلان عنها.

وفرضت غرامات مالية كبيرة  تتراوح ما بين 660 إلى 1400 دولار على من يخالف هذه القوانين، ما يزيد الضغط على السكان في بلد يعاني من الفقر والبطالة.

وفي عام 2018، قدمت طاجيكستان دليل الملابس الموصى بها الذي يحدد ألوان الملابس وأشكالها وأطوالها وموادها "المقبولة".

وأنشأت الحكومات المحلية فرق عمل خاصة بينما داهمت الشرطة الأسواق لاعتقال "المخالفين"، بحسب "راديو ليبرتي". 

فرق عمل حكومية في طاجيكستان تغرم النساء اللاتي ترتدين الحجاب في الشوارع

يُظهر مقطع فيديو حديث يُزعم أنه لموظفي مستشفى في جنوب طاجيكستان وهم يساعدون زائرتين ترتديان الحجاب في تنسيق غطاء الرأس "على الطريقة الطاجيكية" بربطه خلف رأسيهما كوشاح، بحسب راديو "ليبرتي". 

 

 

ويبدو أن المنطق وراء هذا هو القضاء على المظاهر العامة للإسلام المحافظ، وهو ما تعتقد الحكومة أن من شأنه أن يساعد في كبح جماح الإسلام المحافظ والحد من التطرف.

ورغم هذه التدابير، يشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن هذه السياسة قد تأتي بنتائج عكسية.

ويرى لوكاس ويبر، المؤسس المشارك لمنظمة "ميليتانت واير" التي تركز على بحث نشاط الجماعات المتطرفة، إن الحملة القمعية التي تقودها الحكومة قد تؤدي إلى زيادة الغضب والاحتقان الاجتماعي، مما يغذي مزيدا من التطرف بدلا من الحد منه.

وأضاف أن ردود الفعل الحكومية على الهجمات الإرهابية قد تكون بالضبط ما يسعى إليه المتطرفون، إذ يرغبون في تأجيج التوترات بين المواطنين والسلطات.

إلى جانب القمع الداخلي، زادت طاجيكستان من تعاونها الأمني مع روسيا بعد الهجوم الإرهابي في موسكو، حيث يُنظر إلى الطاجيكيين المهاجرين في روسيا بريبة متزايدة.

ويعمل حوالي مليون طاجيكي في روسيا، ما يمثل نحو 10 في المئة من سكان البلاد، وهم يرسلون أموالا حيوية لعائلاتهم في الوطن.

ولكن في أعقاب الهجمات، أصبح الطاجيكيون هدفا رئيسيا للمداهمات الأمنية في روسيا، لتفتيش مساكنهم وأوراقهم الثبوتية بانتظام.

هذا الاعتماد الكبير على روسيا لم يمنع طاجيكستان من تعزيز علاقاتها مع دول أخرى، فقد بدأت أيضاً في تعزيز التعاون مع الصين، رغم التقارير التي تفيد ببناء قاعدة صينية في شمال البلاد، وهي تقارير نفتها بكين.

ووقعت طاجيكستان اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة في مايو الماضي، تهدف إلى تحسين مراقبة الأشخاص الذين يدخلون البلاد ويشتبه في صلتهم بالجماعات المتطرفة.

ويرى مراقبون أن التركيز على المظاهر الدينية قد لا يكون حلا فعالا لمكافحة الإرهاب، خاصة أن بعض أفراد عائلات المتهمين في الهجوم الإرهابي في موسكو أشاروا إلى أن المتورطين لم يظهروا أي علامات خارجية على التدين أو التطرف، مما يدل على أن هؤلاء المتطرفين قد يحاولون التهرب من التدابير الأمنية من خلال الابتعاد عن المظاهر الإسلامية التقليدية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

وقالت جولراكات ميرزوييفا (59 عاما)، والدة أحد المتهمين في الهجوم، إن ابنها لم يكن متدينا بشكل علني ولم يظهر أي ميول للتطرف.

وأشارت إلى أن الفقر والظروف الاقتصادية القاسية هي التي دفعت ابنها إلى السفر مرارا للعمل في روسيا لتوفير احتياجات أسرته.

كان المهاجمون الأربعة المتهمون يعملون في روسيا لعدة أشهر على الأقل، وكان بعضهم يقوم برحلات متكررة للدخول والخروج.

ويشير خبراء في مجال حقوق الإنسان إلى أنه بدلا من أن تعالج الدولة المشاكل الجوهرية مثل الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية، تبحث عن أمور مظهرية قد لا يكون لها علاقة بجذور أزمة التطرف. 

وقال العديد من سكان دوشانبي لراديو ليبرتي إنهم لا يدعمون حظر أنواع معينة من الملابس لأنهم يعتقدون أن الناس يجب أن يكونوا أحرارا في اختيار الملابس التي يريدون ارتدائها.