تقارير إخبارية

خبراء عراقيون يطرحون حلولاً للأزمة السياسية.. هل هي ممكنة؟

دلشاد حسين
21 سبتمبر 2022

ما زالت الأزمة السياسية العراقية تراوح في مكانها منذ نحو سنة على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، رغم استمرار المساعي الداخلية والخارجية للتقارب بين أطراف الصراع وإنهاء الانسداد السياسي، خشية تكرار المواجهات المسلحة، التي شهدتها البلاد نهاية أغسطس الماضي.

ورغم تكرار الأزمات بعد كل عملية انتخابية في العراق، إلا أن الحالية تعتبر الأكبر منذ عام 2003، فالأطراف السياسية تجاوزت كافة المدد والتوقيتات التي حددها الدستور العراقي، لتنفيذ الاستحقاقات الدستوري بعد إعلان نتائج الانتخابات المتمثلة باختيار رئيس الجمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة الجديدة.

وقال رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي قبل أيام، بمناسبة انتهاء مراسم زيارة الأربعين، إن "العراق يمرّ بأزمة سياسية قد تكون من أصعب الأزمات بعد 2003، ولكن لدينا أمل وعزيمة لإيجاد حلول لتجاوز هذه الأزمة من أجل العبور والمضي نحو عراق آمن ومستقر"، داعيا القوى السياسية الى التضحية من أجل العراق والعراقيين.

وتشير ملامح الأزمة العراقية إلى أن الحلول الدستورية والقانونية باتت الأقل حظا في إنهائها، فيما ينتظر الشارع حلولا بديلة قد تأتي عبر المبادرات الداخلية والخارجية. 

 

الممكن وغير الممكن

يقول الخبير القانوني وائل البياتي، لـ"ارفع صوتك"، إن "الطريقة القانونية والدستورية لحل الأزمة الحالية تتمثل بانتخاب رئيس الجمهورية من خلال دعوة مجلس النواب للانعقاد، سواء من قبل رئيس المجلس أو من قبل رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء، أو 50 نائبا لتحديد جلسة استثنائية، الغرض منها اختيار رئيس الجمهورية".

"وبخلاف ذلك، سيبقى الحال على ما هو عليه وتبقى حكومة تصريف أعمال إلى حين انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي لأربع سنوات من انعقاد جلسته الأولى، إلا إذا قرر هذا المجلس حل نفسه بنفسه"، يضيف البياتي.

ويوضح أن الحلول الأخرى خارج نطاق الدستور، تتمثل بـ"العمل على إيجاد اتفاق سياسي لتشكيل حكومة واسعة التمثيل تحظى برضى وقبول جميع الأطراف، سواء كانت هذه الحكومة تشكل من خلال تكليف رئيس الوزراء الجديد، أو من خلال تكليف رئيس الوزراء الحالي بكابينة وزارية جديدة يصوت عليها داخل مجلس النواب، لكن عدم التوصل إلى اتفاق سياسي سيعيد العملية إلى المربع الأول المتمثل باستمرار الانسداد السياسي".

ويعتبر البياتي تشكيل حكومة مؤقتة يصوت عليها داخل مجلس النواب "حلا آخر من الحلول خارج الدستور، لكنه يتمتع بغطاء دستوري على أن يكون هناك اتفاق سياسي".

ويتابع: "أمد الحكومة المؤقتة لا يتجاوز سنة أو سنتين يكون الغرض منها هو التهيئة لإجراء الانتخابات مبكرة، بالتالي سوف تتمتع بصلاحيات كاملة لإدارة البلاد طيلة هذه الفترة لحين إجراء انتخابات مبكرة، على أن يكون ضمن أجندتها العمل على إجراء تعديل على بعض بنود الدستور للخروج من الأزمة الحالية، خصوصا المواد المتعلقة بتداول السلطة".

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، دعا في تصريحات سابقة، إلى "إعادة النظر بصياغة مواد الدستور المعرقلة لتشكيل السلطات الدستورية التي سببت حالة الانسداد السياسي، وما رافقها من أحداث مؤسفة، بأن يتم النص على جزاء مخالفة أي نص دستوري بنفس النص بصياغة واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل"، حسب تعبيره.

من جهته، يؤكد الحقوقي هاني البصري على أن "الحل القانوني ما زال قائما وممكناً".

ويبيّن لـ"ارفع صوتك"، أن "السبب الرئيسي للانسداد السياسي هو تفسير المحكمة الاتحادية للمادة (76) من الدستور الخاصة بتعريف الكتلة الأكبر، وكذلك تفسير المادة (70) الخاصة بنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، التي قادت إلى تشكيل الثلث المعطل، بالتالي عدم تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الأكبر، لذلك لا فائدة من انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء تعديلات دستورية لحل الإشكالية أعلاه".

ويرى البصري الحل في "تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات شرط أن تكون مهمتها الإشراف على تعديل الدستور"، مردفاً "من أهم التعديلات الدستورية تحول نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي، يضمن هذا التعديل إلغاء المواد المذكورة، وانتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة ثم تشريع قانون انتخابات جديد، وحل البرلمان بموجب المادة ( 64) من الدستور، تعقبه انتخابات مبكرة بموجب الدستور وقانون الانتخابات الجديدين، بالتالي يصار إلى عملية سياسية جديدة".

وما زال الخوف من عودة الاصطدامات المسلحة إلى الشارع بين طرفي الصراع: التيار الصدري والإطار التنسيقي، يطغي على أحاديث العراقيين، إثر تمسك كل طرف من الطرفين بموقفه الرافض للتقارب والاتفاق حتى الآن، فيما تتعمق الصرعات بينهما والأطراف الأخرى على الاستحقاقات الدستورية يوما بعد آخر.

يقول الصحافي والكاتب زياد السنجري، لـ"ارفع صوتك": "هناك خروقات دستورية وعدم توافق أدى إلى فراغ دستوري داخل العراق، هذا الفراغ لا يمكن معالجته الآن، باعتبار أن الكتل السياسية منقسمة شديدة الانقسام، حتى داخل الكتل نفسها، فهناك تنافر كردي كردي وتنافر شيعي شيعي وتنافر سني سني، وكل هذه الكتل لديها توجهات معينة والكل متمسك بهذه التوجهات".

ويلفت إلى أن الأزمة الحالية تحتاج "إلى حل جذري وإعادة انتخابات مع فترة انتقالية وإمكانية وضع آلية ونقاط وبنود جديدة من أجل تصحيح مسار العملية السياسية".

"كما أن هناك حاجة إلى تصحيح القانون والدستور العراقي الذي يحوي بعض الفجوات، اشتغل البعض بتفسيرها واللعب عليها حسب مصالحه وأهوائه، وهذا أثر كثيرا في انسيابية تسليم السلطة داخل العراق"، يضيف السنجري.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.