طلاب مدرسة في البصرة، ديسمبر 2017/ ا ف ب
طلاب مدرسة في البصرة، ديسمبر 2017/ ا ف ب

أثار إعلان وزارة التربية، عن عدم تحديد موعد بدء العام الدراسي الجديد حتى الآن، جدلاً واسعاً بين الأوساط الشعبية.

وقالت الوزارة في بيان، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، إنه "لا يوجد دوام في المدارس يوم الأحد 2 تشرين الأول/أكتوبر".

وأضافت أنه "لغاية الآن لم يتم تحديد موعد بدء العام الدراسي الجديد".

وكان من المقرر أن يبدأ العام الدراسي الحالي، كما في كل عام، في الأول من تشرين الأول/أكتوبر.

يأتي هذا الإعلان في وقت يتأهب فيه المحتجون لانطلاق تظاهرات شعبية في بغداد، وعدد من المحافظات العراقية السبت الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة على تظاهرات تشرين عام 2019.

وهناك نحو 13 مليون من الطلبة المسجلين خلال العام الماضي، كما ووصل عدد المعلمين والمدرسين إلى ما يقارب 750 ألف معلم ومدرس، من بينهم المحاضرون المنضمون للسلك التعليمي خلال العام 2019، بحسب المتحدث باسم الوزارة حيدر فاروق.

اندلاع تظاهرات

تقول حوراء علي، 28 عاماً، لـ "ارفع صوتك" إن "التلاميذ يستعدون بحماس الآن للدراسة والالتحاق بمدراسهم، وخاصة من المسجلين الجدد في المراحل الابتدائية، لكن عدم تحديد موعد بدء العام الدراسي لغاية الآن دفعهم للشعور بالإحباط".

وتضيف حوراء، وهي أم لتلميذة تستعد الآن للالتحاق بمرحلة الأول ابتدائي: "لقد كانت طفلتي تترقب بشوق بدء العام الدراسي، ولكن بعد سماعها لخبر التأجيل شعرت بخيبة أمل وظلت تبكي منذ حينها".

محتجون في ذكرى إحياء احتجاجات تشرين
تظاهرة في بغداد إحياءً للذكرى الثانية لاحتجاجات تشرين الشعبية
يسود شعور بالإحباط واليأس في أوساط الناشطين بإزاء إمكانية أن تحمل الانتخابات النيابية المبكرة تغييراً، فيما ما زال العراق غارقاً بأزمات عديدة كانقطاع الكهرباء والنقص في الخدمات وتدهور الوضع الاقتصادي والبطالة المرتفعة بين الشباب، نتيجة سنوات من الحروب والفساد المزمن.

لكنها مع ذلك، تجد أن تأجيل موعد بدء العام الدراسي أفضل مع ما يتم تداوله من إمكانية اندلاع تظاهرات قد تتطور وتحدث مواجهات خطيرة تؤثر على حياة التلاميذ وهم في أول يوم من رحلتهم الدراسية الجديدة.

فقدان الحماس

ويرى حامد نعيم، وهو أب لخمسة أبناء كلهم في مراحل دراسية مختلفة، إنه "أمر مزعج للغاية البقاء في البلاد".

ويقول لـ "ارفع صوتك": أستغرب حقيقة من أوضاع البلاد ومؤسساتها المخيبة للآمال، لقد أصابنا التعب والملل من هذا الحال، يوم عطلة وآخر حظر للتجوال وغيره احتجاجات وتظاهرات وغيرها من الأيام تضيع في زحام مروري خانق "بينما الجميع يوهمون أنفسهم بأنهم يعملون ويدرسون".

ومؤخراً، بيّن نقيب المعلمين العراقيين عباس السوداني جملة من المشكلات التي نوقشت في المجلس المركزي لنقابة المعلمين العراقيين، منها مسألة بداية العام الدراسي الجديد ونقص المناهج الدراسية وعدم وجود المخصصات المالية لطبعها.

أحد الصفوف المدرسية في كردستان العراق، خلال اليوم الأول في السنة الدراسية 2022-2023- فرانس برس
ماذا تقول التربية العراقية حول أزمة تأخر طباعة الكتب المدرسية؟
وتؤكد معاونة الشؤون العلمية في المديرية العامة للمناهج بوزارة التربية، الدكتورة إسراء طالب توفيق، إن "محاولات وزير التربية مستمرة لتأمين مبالغ مالية لطباعة الكتب المدرسية وخاصة للمراحل الابتدائية، وبالتالي فإن مسألة طباعة الكتب غير مغلقة". 

ويتساءل نعيم: "ألا يكفي تحملنا لتدهور المنظومة التعليمية في البلاد، وتفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، والفساد الذي يدفعنا لتوفير المستلزمات المدرسية والكتب التي كانت توزع مجاناً في السابق؟".

ويحرص غالبية الآباء والأمهات على مواصلة أبنائهم التعليم حتى لو كانت تكاليف الدراسة المالية مرتفعة جداً، "ولكن لعجز وزارة التربية وقراراتها التي دوماً ما تعتمد على الأوضاع السياسية في البلاد يلعب دوراً كبيراً في فقدان التلاميذ والطلبة للكثير من الحماس في إتمام الدراسة"، يضيف نعيم.

ويشير الأب إلى أن المشكلة تتمثل في أن الذين يسيطرون على العملية السياسية لا يأخذون بنظر الاعتبار أن غالبية الطلبة والتلاميذ يشعرون بالراحة من تزايد الخلافات السياسية وتأزمها، "لأن إغلاق المدارس أو تأجيل الدراسة بالنسبة لهم فرصة للهو بعيداً عن متاعب الالتزام".

تدني المستوى التعليمي

وترى الناشطة الحقوقية عذراء محسن أن "قرار تأجيل الدوام المدرسي إلى إشعار آخر لا يصب في صالح التلاميذ، خاصة وأننا ما زلنا لغاية الآن نعاني من تداعيات انتشار فيروس كورونا الذي تسبب في إغلاق المدارس وفرض التعليم الإلكتروني لأشهر طويلة سابقة".

وكشفت محسن عن معاناة العديد من عوائل التلاميذ من ارتباك مخططات وزارة التربية، إذ يعيشون في توتر وقلق على مستقبل أبنائهم التعليمي والذين بات أغلبهم لا يشغلون بالهم بمسألة مواصلتهم للدراسة أو النجاح.   

وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "السبب وراء كل ما يحدث من تدني بالمستوى التعليمي هو عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد، وتحديداً، في عدم وجود مخصصات مالية تسد حاجة المؤسسات التعليمية".

وتحتاج وزارة التربية الآن إلى 8 آلاف مدرسة، وفقاً لتصريح وكيل الوزارة عادل البصيصي الذي أكد اكتمال المرحلة الأولى بتخصيص 1000 قطعة وبكل إنشاءاتها، "وربما سيبدأ استلامها اعتباراً من العام المقبل". 

وترى الناشطة أنه من المستحيل حل مشكلة التعليم ما دامت الحكومة تهمل واجباتها تجاه هذا المفصل المهم الذي يوضح التخبط السياسي ويؤكد مدى بعد خططتها عن هموم المجتمع. 

وكانت وزارة التربية قد أعلنت في وقت سابق عن مساعيها في توفير المبالغ المالية اللازمة لطباعة الكتب المدرسية للمناهج الدراسية للعام الجديد 2022- 2023، نتيجة النقص الحاد في المناهج الدراسية لجميع المراحل.

من جهتها، أشارت عضو لجنة التربية في البرلمان العراقي، محاسن الدليمي، في تصريح سابق، أنه بعد إلغاء الأول من أكتوبر الذي كان موعداً لانطلاق العام الدراسي الجديد، تتم حاليا مناقشة تحديد الـ 15 من أكتوبر موعداً لبدء الدراسة عبر عقد اجتماعات وزيارات موسعة. 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.