هل يمكن "التذاكي" على الذكاء الاصطناعي؟
هل يمكن "التذاكي" على الذكاء الاصطناعي؟

كان يمكن لهذا التقرير أن يكتبه برنامج "ChatGPT" لمعالجة اللغة المستند إلى الذكاء الاصطناعي، وكان يمكن لمعدّ هذا التقرير أن يزود الموقع بمعلومات بسيطة ويقوم البرنامج بإتمام العمل على أكمل وجه.

يستطيع البرنامج فعل ذلك، طالما أن المعلومات التي يُسأل عنها متوفرة في قاعدة بياناته، أو جرى إدخالها إليها بهدف تحليلها وصياغتها. وهو قادر، عبر خوارزمياته المعقّدة، على كتابة أبحاث وأوراق جامعية بطريقة مدهشة بحسب شهادات لمستخدمين خاضوا التجربة.

ويشكّل هذا البرنامج ومعه برامج أخرى بدأت تظهر مؤخراً، مادة نقاش في الغرب عن فوائده ومضاره. يتفق الجميع على أن قدرات هذا البرنامج وأمثاله خارقة ومثيرة للإعجاب والدهشة، لكنهم يختلفون حول أثره على البشر، وعمّا إذا كان سيكون مفيداً أم ضاراً، وكيف سيكون مستقبلنا لو سيطر الذكاء الاصطناعي على حياتنا وتحكّم بها.


في العالم العربي لا يبدو الجدل محتدماً حول هذا الموضوع بالقدر نفسه الذي يشهده الغرب، لكنه حاضر في النقاشات المتعلقة بعالم المعلومات وتحليلها. وتزداد في العالم العربي التساؤلات عن مخاطر هذا النوع من برامج الذكاء الاصطناعي، بسبب الخوف من استخدامه لغايات استخبارية قمعية أو لأهداف شريرة أخرى. 
منظمة SMEX للحقوق والحريات الرقمية تتابع عن كثب حضور الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية، ويقول المدير التنفيذي للمنظمة محمد نجم لـ"ارفع صوتك" إن "العديد من الدول العربية القمعية بدأت بالتشريع بمواضيع الذكاء الاصطناعي، وهو ملف متشعب وسيؤثر ليس فقط على أنشطتنا عبر الانترنت، لكن أيضاً على كل ما نقوم به داخل وخارج الويب، وكل ما هو متعلق بكينونتنا وخصوصيتنا كأفراد ومجموعات".

ويضيف أن المنظمة تقوم "بدراسة تأثير ذلك على حقوقنا وحرياتنا قبل الغوص أكثر في تفاصيل خطر هذه التكنولوجيا التي قد تقع في أيد خطيرة".  
"ارفع صوتك" سأل المستشار في أمن وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي رولاند أبي نجم عن مدى ملاءمة برنامج ChatGPT وأمثاله للعالم العربي واللغة العربية، وعن مدى خطورته في حال سوء استخدامه في الدول العربية. يعطي أبي نجم مثالاً تجريبياً يتعلق بمصر، حيث سُئل البرنامج عن حقيقة خبر بيع لحم الحمير في مصر بدلاً من لحوم الأبقار والأغنام. هذا السؤل طرح على البرنامج، مرة باللغة العربية ومرة ثانية باللغة الإنجليزية. الإجابتان كانتا مختلفتين تماماً، بحسب أبي نجم، لأن الـ"داتا" المتوفرة حول هذا الموضوع باللغة العربية مختلفة عن تلك المتوفرة باللغة الإنجليزية. وبالتالي فإن "البرنامج حصل على معطيات تتعلق بأخبار عن بيع لحم الحمير في مصر من قاعدة البيانات العربية وأجاب بأن هذا الأمر يحدث في مصر وهو يشكل خطراً على الصحة، فيما بالإنجليزية أجاب بأن لحم الحمير لا يباع في مصر".
يرتكز تعاطي هذا البرنامج مع اللغة العربية على الفصحى فقط، وهو غير قادر، بحسب أبي نجم، على فهم السخرية إذا أتت في جملة مكتوبة، إذ أن طريقة لفظ الجملة نفسها، أو حتى الكلمة نفسها، بأكثر من أسلوب ونبرة يغير معناها تماماً. كما أن تواجد مئات اللهجات واللكنات في العالم العربي يصعّب المسألة على هذا النوع من البرامج. لكن ما يعتبره أبي نجم مؤشراً مقلقاً هو مصدر معلومات هذه البرامج، "المشكلة ترتبط بمصدر البيانات والمعلومات. من أين يحصل الذكاء الاصطناعي على المعلومات وكيف يمكن أن نضمن أنّ مصادر هذه المعلومات دقيقة ومؤكدة؟".

هذه الزاوية من نقد الذكاء الاصطناعي موجودة أيضاً في الغرب، مع ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام عن قلق لدى الباحثين الذين استخدموا برنامج ChatGpt وسألوه أسئلة مستندة إلى نظريات المؤامرة ومعلومات مغلوطة، فكان أن قدم سرديات متمكّنة وتبدو مقنعة لجهة تماسكها، لكنها في الحقيقة قائمة على روايات مضللة.


بالنسبة إلى أبي نجم، الذكاء الاصطناعي "وسيلة مفيدة إذا جرى استخدامها للخير وقد تنقلب إلى خطر كبير إذا وقعت في أيدي من يريد استخدامها للشرّ".
ماذا لو وقعت في أيدي منظمات ارهابية أو عصابات منظمة؟ 

"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

رغم الأدوار الكبيرة التي يمكن أن يضطلع بها الذكاء الاصطناعي في كشف الجريمة ومكافحة الإرهاب، يخشى أبي نجم أن هذه التكنولوجيا ستكون خطيرة جداً إذا وقعت في الأيدي الخطأ. يقول أبي نجم إن الذكاء الاصطناعي قادر أن يعطي خبرات لمقرصنين غير محترفين لكي يقوموا بفك شيفرات واختراق مواقع أو ابتزاز أفراد وحكومات. 
لكن برنامج chatGPT على ما جاء على موقعه الشركة التي أنتجته "يتيح الإجابة على أسئلة المتابعة والاعتراف بأخطائه ورفض الطلبات غير الملائمة"، أي أنه يمتنع عن الإجابة على أسئلة تشكّل الإجابة عليها نوعاً من الخطر، سواء للسائل أو للعموم، ويرفض المساعدة والتجاوب في مثل هذه الطلبات الخطرة. أبي نجم يقول إنه يمكن ببساطة التحايل و"التذاكي" عليه للحصول على معطيات معقدة في هذا المجال: "يمكن الادعاء أن هذه المعلومات هدفها عكس ما تبدو عليه، كأن يطلب منه آلية لتمكين الأمن الاكتروني ويكون الهدف منها استدراجه لنبش الثغرات وبالتالي يقدر من يستخدمه على الاستفادة من هذه الثغرات.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.