اشتباكات بين جنود الجيش اللبناني وعسكريين متقاعدين أثناء محاولتهم اقتحام البرلمان في بيروت
اشتباكات بين جنود الجيش اللبناني وعسكريين متقاعدين أثناء محاولتهم اقتحام البرلمان في بيروت

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان في العام 2019، تمكنت مجموعة من المتظاهرين ومعظمهم من العسكريين المتقاعدين، من اقتحام الساحات المحيطة بمجلس النواب اللبناني، وسط العاصمة اللبنانية بيروت.

وتمكن المحتجون من الوصول إلى أمام مدخل البرلمان، حيث نفذوا اعتصامهم، اعتراضاً على الموازنة الحكومية للعام 2022، والتي يرون فيها انتقاصاً من حقوقهم. 

وكانت مداخل مجلس النواب اللبناني،  قد شهدت، تحرّكات احتجاجيّة عدة، رافضة لإقرار الموازنة العامة للعام 2022، تزامنًا مع انعقاد جلسة نيابيّة مخصّصة لاستكمال مناقشة مشروع قانون موازنة وإقرارها. 

ونجح العسكريون المتقاعدون، الذين توافدوا إلى محيط ساحة النجمة بأعداد كبيرة في اقتحام محيط  مقر المجلس، بعد أن تمكنوا من تجاوز الحواجز الأمنية وإجراءات الحماية التي كانت قد تراجعت في الفترة الماضية مع تراجع وتيرة الاحتجاجات الشعبية في البلاد. 

وقد حاول عناصر حرس مجلس النواب، الحؤول دون وصول المحتجين، ما أدى إلى اشتباكات متفرقة وإطلاق قنابل غاز مسيلة للدموع، إلا أن الأعداد الكبيرة للمحتجين مكنتهم من تجاوز إجراءات الحماية.

ولاحقا،  جرى استقدام تعزيزات من الجيش اللبناني، لمؤازرة شرطة مجلس النواب والقوى الأمنية في ضبط المحتجين ومنع دخولهم إلى حرم المجلس وإبعادهم عن محيطه، وسُجّلت احتكاكات عدة بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين افترشوا الأرض منعاً لمحاولة إبعادهم من المكان.

وناشد العسكريون المتقاعدون قائد الجيش، العماد جوزيف عون، النزول إلى الأرض والاستماع إلى مطالبهم والعمل على تحقيقها.

وسبق لمجلس النواب اللبناني ان تعرض لمحاولات اقتحام عدة، نفذها محتجون في مراحل زمنية مختلفة ولأسباب متنوعة، منذ وقوع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ البلاد عام ٢٠١٩، إلا أنها المحاولة الأولى التي تصل بعيداً إلى مدخل مبنى مجلس النواب، الأمر الذي لقي صداً واسعاً لدى الرأي العام اللبناني. 

انتقادات لمشاهد الاشتباكات

وانتقد اللبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشهد الإشتباكات بين العسكريين المتقاعدين و"زملائهم" في الخدمة، معتبرين أنه مشهد "معيب"، ووجهت انتقادات واسعة للموازنة الحكومية التي يرى فيها لبنانيون تكراراً للموازنات الحكومية السابقة للانهيار، والتي أدت إليه في النتيجة، لاسيما لناحية عدم الوضوح بالأرقام، والاعتماد على الضرائب لجمع مداخيل الخزينة، بدلاً من اتخاذ إجراءات إصلاحية وتنموية مطلوبة من المجتمع الدولي كشرط لمساعدة لبنان مالياً. 

ويطالب العسكريون بتعديل مواد الموازنة المتعلقة بالتغطية الصحية والإعفاء من ضريبة الدخل وزيادة المساعدة الاجتماعية لاسيما ما يتعلق بالاستشفاء والمساعدات المدرسية، معتبرين أن هناك "تمييزاً واستنسابية" في التعامل مع موظفي القطاع العام ومتقاعديه. 

دعوات للتهدئة

وشارك عدد من الضباط المتقاعدين وقياديين عسكريين سابقين في التحرك، وانضم إليهم عدد من النواب الذين خرجوا من الجلسة للتعبير عن تضامنهم وتأييدهم لمطالب العسكريين، ومن بينهم عضوة مجلس البرلمان، سينتيا زرازير، التي تعرضت للعنف من قبل القوى الأمنية، إضافة إلى النائب جميل السيد الذي وعد المتظاهرين ببذل جهود حثيثة لحل قضيتهم.

ودعا السيد المتظاهرين إلى التهدئة، وخاطبهم قائلا: "نحن نحاول في الداخل أخذ شيء من الحقوق، والوصول إلى قرار يعطي الحقوق وينصف العسكريين. هدفنا جميعا تحصيل الحقوق".

كما أبلغهم إنه يعمل في داخل الجلسة، على إصدار تعديل على مشروع الواردات، وطلب منهم تشكيل وفد مصغر لمرافقته إلى داخل المجلس النيابي ورفع مطالبهم، مقدما للحكومة والمجلس النيابي مهلة عشرة أيام لتصحيح الخلل وتنفيذ مطالب العسكريين.

من جهته، أعلن العميد المتقاعد، جورج نادر، من قلب الاعتصام، رفضه أي احتكاك مع عناصر الجيش كونهم "زملاء"، معتبرا "أن الرسالة من التظاهرة وصلت". 

وكشف نادر أن  النائب جميل السيد أبلغه "ان صوته في الجلسة سيكون لصالح العسكريين المتقاعدين"، مبديا ثقته بكلام السيد، الذي دعا المتظاهرين "لعدم الاحتكاك مع الجيش".

وأوضح أنه قد جرى تشكيل وفد ثلاثي من العسكريين المتقاعدين للمطالبة بالحقوق والتفاوض مع المجلس النيابي بالمطالب، مضيفاً "لكن لا دليل لدينا انهم سيسيرون فيها".

ورفض  نادر  كل ما تتضمنه التقديمات في الموازنة، مطالباً بإعادة النظر فيها وإنصاف العسكريين "لأنهم أصبحوا في وضع مترد لا يستطيعون إدخال أولادهم إلى المدارس والجامعات وتأمين لقمة العيش بكرامة".

إخلاء ساحة النجمة

وفي وقت اللاحق، تمكن الجيش اللبناني، من إخلاء كامل ساحة النجمة من المحتجين، وذلك بعد قرار اتخذه العسكريون بمغادرة المكان والاعتصام خارجه وافساح المجال أمام المفاوضات مع السلطات اللبنانية. 

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، فقد عاد الهدوء إلى ساحة النجمة، في حين ينتظر العسكريون المتقاعدون ما ستؤول اليه المفاوضات التي يجريها الوفد الذي دخل ممثلا عنهم إلى المجلس النيابي للتشاور في المطالب واقرارها وكيفية الحصول عليها والالتزام في تطبيقها.

وعقب ذلك، خرج وزير الدفاع اللبناني موريس سليم من جلسة البرلمان لينضم إلى اعتصام العسكريين المتقاعدين، حيث أعلن أنه طالب "بالحد الاقصى لتحقيق حقوق العسكريين".

وكشف أنه تقرّر اليوم مضاعفة الرواتب 3 مرات، مضيفاً أن موضوع المخصصات "سيُحسم لاحقاً وفق الحسابات وفي موازنة 2023، على أن يُطرح تعديل قيمة الراتب من أساسه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".