في الأشهر الأخيرة شهدت ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيدا غير مسبوق
في الأشهر الأخيرة شهد ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيدا غير مسبوق

يعيش اللاجئون السوريون في البقاع اللبناني حالة من القلق، نتيجة الضغوطات التي يتعرضون لها، وعلى رأسها منع شبكات الإنترنت "الواي فاي" عن عدد من المخيمات، كون الأمر يتخطى بنظرهم التضييق عليهم في سبيل ترحيلهم، إلى ما هو أخطر من ذلك. 

قرار منع شبكات الإنترنت تبلغه رؤساء بعض المخيمات من قبل مخابرات الجيش اللبناني، إما بعد مداهمة المخيم أو بالطرق السلمية، بحسب ما يؤكد الشاويش (رئيس مخيم) "أبو محمد"، شارحا في حديث لموقع "الحرة" أنه "تم تبرير القرار بالحد من الإشكالات، من دون أن يسمح لنا بالاستفسار أكثر، طلب منا التنفيذ، رغم الأضرار الكبيرة التي ستلحق باللاجئين".  

لا يزال لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه الإجمالي حوالي 6.7 مليون نسمة، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع، وفقا لـ "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين حوالي المليون ونصف المليون، 865331 مسجلين في مفوضية شؤون اللاجئين و400 ألف عامل، هذا بغض النظر عن الذين يدخلون البلد بطرق غير شرعية. 

منذ عام 2015 توقفت مفوضية اللاجئين عن تسجيل السوريين وتشييد مخيمات دائمة لهم بطلب من الحكومة اللبنانية، لا بل اتبعت السلطات اللبنانية "سياسات عدوانية" تجاههم، بحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في أكتوبر الماضي تحت عنوان "حياة أشبه بالموت"، حيث عمدت إلى "إصدار مراسيم وتشريعات بشكل منتظم لجعل حياتهم صعبة، والضغط عليهم ليغادروا". 

في الأشهر الأخيرة شهدت ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيدا غير مسبوق، مع توالي التصريحات الرسمية المشددة على ضرورة عودتهم إلى بلدهم، والتي وصلت إلى حد تهديد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي "باتخاذ موقف غير مستحب على دول الغرب، وذلك بإخراج النازحين بالطرق القانونية في حال لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان". 

ووضعت الحكومة اللبنانية خطة تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ شهريا، وبدأت بتنفيذها من خلال تسجيل أسماء الراغبين بالعودة، على أن تنطلق أولى القوافل خلال الأيام القادمة.  

"عزل عن العالم" 

تفاجأ لاجئو مخيم 045 في سعدنايل، قبل حوالي العشرة أيام، بمداهمة خيمهم من قبل مخابرات الجيش، حيث صودرت كما يقول قاسم (أحد ساكنيه) لموقع "الحرة" " كل ماكينات الإنترنت وحتى صحون الستلايت، محذرة من معاودة استخدام أي منها"، وأضاف: "كانت حجة العناصر الأمنية قيام أحد اللاجئين في المخيم بتخبئة مرتكب جريمة قتل والده في سهل سعدنايل في الرابع والعشرين من الشهر الماضي". 

ما حصل أثار ذعر سكان المخيم، ودفع بعضهم إلى التفكير الجدي بالعودة إلى سوريا، لكن كما يشدد قاسم "من المستحيل أن اتخذ هذا القرار كوني مطلوب من نظام الأسد، فالعودة بالنسبة لي يعني تسليمي للموت، ولو كنت أملك المال لحجزت مقاعد لي ولعائلتي على قارب هجرة، فحتى لو ابتلعنا البحر يبقى أرحم من العيش في لبنان أو الاعتقال في وطننا". 

"كما جرت مداهمة مخيم 006 في جب جنين، وتوقيف عدة أشخاص متهمين بجرائم سرقة، وتحت هذه الحجة تم نزع كل ماكينات الإنترنت" بحسب ما قالته نسرين إحدى لاجئات مخيم 008 في جب جنين، شارحة لموقع "الحرة"، "على عكس المخيم الذي يسكن فيه أقاربي، لم يتم مداهمة مخيمنا، إلا أن مخابرات الجيش اطلعت الشاويش على ضرورة نزع شبكات الإنترنت وهذا ما قمنا به تجنبا لأي إشكالات". 

أصبح الاشتراك بخدمة الإنترنت عبر الهاتف حلم صعب المنال لعدد كبير من اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم في عزلة عن محيطهم والعالم، ومن تمكن من ذلك فإنه يلجأ كما تقول نسرين لموقع "الحرة" الى "أرخص حزمة لاستخدامها للضرورة فقط، الوضع لم يعد يحتمل في لبنان، وها أنا استطلع مع عدد من أقاربي الوضع في سوريا، فإذا وجدنا أن هناك أفضل لنا، لن نتأخر لحظة عن العودة، فنحن نعيش في حرب نفسية واقتصادية أصعب بكثير من حرب المدافع والصواريخ". 

في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها لبنان، أقر مجلس الوزراء في مايو الماضي رفع تعرفة الاتصالات بما لا يقل عن خمسة أضعاف، ليدخل القرار موضع التنفيذ في شهر يوليو الماضي، حيث شدد وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، بعد انتهاء الجلسة أن "أغلى فاتورة اتصالات بالعالم، لأفقر ناس بالعالم". 

تعرفة الفاتورة الجديدة دفعت عددا كبيرا من سكان لبنان إلى التوقف عن الاشتراك بخدمة الإنترنت عبر شركتي الاتصالات، حيث بات الاتكال بشكل كبير على شبكات الإنترنت غير الشرعي، فهذا القطاع أصبح متقدما جدا في لبنان، بحسب ما أكده وزير الاتصالات جوني القرم في يونيو الماضي، مشددا في بيان على أنه "هو واقع غير مقبول قانونا وواقعيا، بحيث يتحكم بشكل كامل في توزيع منتجاته ويسيطر بشكل واسع على سوق الإنترنت ذات الصلة". 

وسبق أن أشار مدير عام هيئة "أوجيرو" في حديث صحفي إلى الخروقات الأمنية لقطاع الإنترنت غير الشرعي، إذ كما قال "لا نعلم مَن يستعمل هذه الشبكات ولأي أغراض. وهناك أكثر من 700 ألف مشترك على شبكة غير شرعية". 

رصد مركز "وصول" لحقوق الإنسان (ACHR) انتهاكات وقف شبكات الإنترنت في عدد من مخيمات البقاع، ومصادرة أجهزة "الواي فاي" ومنعها في بعض المخيمات، إضافة لأجهزة الساتلايت والرسيفر، وحتى أجهزة التلفاز- التي أعادوها لاحقا- بحسب ما يقوله مدير المركز الصحفي محمد حسن.

وأضاف حسن: "بدأت المداهمات قبل نحو أربعة أشهر وهي مستمرة بشكل دوري، حتى الآن وثقنا مداهمة ما لا يقل عن ستة مخيمات تعرض خلالها اللاجئون لإساءة المعاملة، وما يخشاه اللاجئون أن يكون الهدف خلف ذلك تكميم أفواههم بصورة غير مباشرة، ومنعهم من نقل ما يحدث داخل مخيمهم إلى الرأي العام ووسائل الإعلام، وكل ذلك يصب في إطار الضغط عليهم لدفعهم إلى العودة لبلدهم". 

وفي اتصال أجراه موقع "الحرة" مع مخابرات الجيش اللبناني، للتعليق على ما يؤكده اللاجئون في البقاع حول منع شبكات الإنترنت في المخيمات، كان الرد "الخبر غير دقيق". 

رغم ارتفاع فاتورة الاشتراك في شبكات الإنترنت غير الشرعي، حوالي الخمسة أضعاف، حيث تتراوح بين 400 ألف و600 ألف ليرة، إلا أنها كما يقول "أبو محمد" "أوفر بالنسبة للعائلة كونه يستفيد منها جميع أفرادها، عدا عن أنها غير محدودة الميغابايت". 

"مخالفة قانونية" 

أصبح الإنترنت حاجة ضرورية، فهو كما يقول الناشط الاجتماعي، الشيخ عبد الناصر العسلي "وسيلة للتواصل بين أفراد الأسرة سواء داخل البلاد أو خارجها، فكيف بالنسبة إلى اللاجئين المشتتين في أصقاع العالم"، معبرا عن خشيته من أن يكون خلف قرار منع الانترنت نية مبيتة لعمل أمني من اعتقالات وغيرها، من دون أن يتمكن اللاجئون من توثيقه". 

كما أن هذا القرار يدخل بحسب ما يقوله العسلي لموقع "الحرة"، "ضمن إطار الهجمة العنصرية التي تشن على اللاجئين السوريين، والتي وصلت إلى عدد من مدارس البقاع، آخرها اشكال بين طالبات يحملن الجنسية السورية وزميلاتهن اللبنانيات". 

تبنى لبنان بحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش"، "مجموعة من الاجراءات القسرية والمسيئة، شملت حظر التجول التمييزي، وعمليات الإخلاء، والاعتقال، وغيرها من القيود القانونية المفروضة على الإقامة، والحصول على عمل، والتعليم. 

في خضمّ الانهيار الاقتصادي الكارثي في لبنان، الذي تفاقم بسبب جائحة كورونا، صار أكثر من 90 في المئة من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر مدقع، ويعتمدون على الاقتراض والديون المتزايدة للبقاء على قيد الحياة". 

أيا تكن الحجة والمبرر لا يحق للسلطات اللبنانية وقف شبكات الإنترنت عن مخيمات اللاجئين، بحسب ما يؤكده المحامي محمد صبلوح الذي يتخوف من أن يكون هذا القرار بداية مرحلة جديدة من الضغوطات التي سيتعرض لها اللاجئين، وذلك في إطار تطبيق خطة الحكومة اللبنانية لدفعهم إلى مغادرة البلاد. 

وتساءل "ما هو الإجراء القانوني الذي جرى اعتماده لتوقيف شبكات الإنترنت؟ وما المنافع من ذلك؟ وما هي الأهداف الغامضة خلف هذا القرار"؟ 

وذكّر المحامي بمداهمات الجيش اللبناني لمخيمات عرسال في السنوات الماضية، واعتقال عدد من اللاجئين، مشيرا في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "في إحدى المداهمات قتل ثلاثة سوريين، جرى توثيق هذه الحالات من قبل محاميين، واستصدار قرار من قبل قضاء العجلة بتكليف طبيب شرعي للكشف على الجثث، وتمت إحالة الملف إلى مستشفى أوتيل ديو، إلا أن مخابرات الجيش سحبت كل ما له علاقة بهذه القضية، وأصدرت بيانا عزت خلاله سبب موتهم إلى ذبحات قلبية"، وتساءل "هل نحن أمام انتهاك جديد لحقوق الإنسان"؟ 

من جانبه أشار حسن إلى أن "السلطات اللبنانية تتبع أساليب الضغط ومنها الصمت عن عمليات الإخلاء القسري التي وثّقنا ما لا يقل عن 39 حالة جماعية منها، والتي تصل إلى قرابة 1805 لاجئ/ة، في مختلف أنحاء لبنان منذ بداية العام الجاري، وعمليات التوقيف والاعتقالات العشوائية، وفي هذا الإطار وثقنا ما لا يقل عن 61 حالة اعتقال تعسّفي 7 منها حالات جماعية، إضافة إلى حجز الوثائق الرسمية التي وثّقنا منها 20 حالة إلى الآن". 

تضييق إلى حد "الاستعباد" 

إضافة إلى الإنترنت، هناك تشديد على المخيمات في البقاع، يصل إلى حد الاستعباد كما تؤكد سعاد، (لاجئة في أحد مخيمات غزة)، وشرحت لموقع "الحرة" أنه "أبلغنا الشاويش بقرار إجبار كل من يبلغ ثمانية سنوات من العمر وما فوق بالعمل في الأراضي الزراعية تحت تهديد الطرد من المخيم في حال عدم الموافقة". وشددت "هذا استعباد بكل ما للكلمة من معنى، فبعد أن هربنا من الظلم في سوريا ها نحن نتعرض لظلم من نوع آخر". 

وتضيف "قبل أيام جرى هدم خيمة بعدما قام مالكها ببيعها إلى أحد الأشخاص بمبلغ 12 مليون ليرة، مع العلم أننا نقوم ببناء الخيمة من حسابنا الخاص، حيث تبلغ تكلفتها نحو 20 مليون ليرة، وفوق هذا ندفع بدل إيجار الأرض السنوي ثمانية ملايين ليرة، وفي بعض المخيمات يتراوح بدل إيجار الخيمة بين 50 إلى 100 دولار شهريا". 

كذلك تطرق "أبو محمد" إلى موضوع تأهيل الخيم بالقول "كالعادة، يستعد اللاجئون لفصل الشتاء من خلال تغيير شادر النايلون الذي يحميهم من الأمطار ويؤمن لهم جزء من الدفء، لكن الآن يمنع عليهم إزالة الشادر القديم، فهم مجبرون على وضع الجديد فوقه بعد الحصول على موافقة محافظ البقاع، أما من كانت خيمته بحاجة إلى ترميم عندها عليه الحصول على موافقة أمنية إضافة إلى موافقة المحافظ". 

وعن استئجار الخيم من قبل اللاجئين مقابل مبلغ مالي يسمح لهم باستئجار منزل، برر العسلي ذلك بأن "أغلب سكان المخيمات هم من أبناء العشائر، الذين يفضلون السكن في خيم كونها بالنسبة لهم تقربهم من بعضهم البعض، فيشعرون بالحماية والأمان، فحياتهم تختلف تماما عن حياة المدنيين، فالبيئة الطبيعية بالنسبة لهم هي العيش في خيمة، عدا عن أنهم يستطيعون استقبال من يريدون من دون معارضة صاحب المنزل أو غيره". 

وفي حديث لموقع "الحرة" أكد محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة، أنه لا يعترض على تأهيل وترميم الخيم بعد اطلاعه على ذلك وإن كان عبر الهاتف، كون كما يقول "تحت ستار تغيير شادر أو غيره يتم نصب خيمة جديدة". 

تخوف وتحذير 

وسيلة أخرى يتم اللجوء إليها للتضييق على اللاجئين تتمثل كما يقول "أبو محمد" بتبليغ بعض المخيمات منع استخدام الحطب في الشتاء القادم للتدفئة واقتصار الأمر على المازوت "في وقت يعلم الجميع الأسعار التي وصلت إليها المحروقات في لبنان، حيث أن الحصة التي نحصل عليها من الأمم المتحدة لا تكفي لبضعة أيام من الشهر، ما يضطرنا إلى شراء هذه المادة".

إلا أن حسن أوضح أن الغاية من ذلك "منع قطع الأشجار بصورة غير شرعية، حيث يجري توقيف أي شاحنة تنقل الحطب، وذلك للمحافظة على الثروة الحرجية". 

في تقريرها ذكرت " هيومن رايتس ووتش" أنه "في صيف 2019، أجبر الجيش اللبناني اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مساكن شبه دائمة على أراض زراعية على تفكيك الجدران الخرسانية والسقوف الصلبة لمساكنهم واستبدالها بمواد أقل صلابة، أو مواجهة هدمها. هذا التفكيك القسري قلّص كثيرا من قدرة المساكن على تحمل الظروف المناخية القاسية". 

ويعتقد عدد كبير من اللبنانيين أن اللاجئين يحصلون على مبالغ طائلة من الأمم المتحدة شهريا، لكن الحقيقة كما يقول العسلي أن "كل لاجئ يحصل على 500 ألف ليرة، على ألا يتجاوز عدد المستفيدين في الأسرة الواحدة الستة أشخاص، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين أقل الحاجيات، في وقت يحتل فيه لبنان المرتبة الأولى عالميا على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء". 

ذكرت مفوضية شؤون اللاجئين، في أبريل الماضي، أن لبنان "تلقى منذ عام 2015، ما يقارب 9 مليارات دولار أميركي لدعم اللاجئين السوريين، الفلسطينيين والأكثر ضعفا من اللبنانيين والمؤسسات العامة وذلك ضمن إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة.

وحذر العسلي من أمر خطير، الا وهو خنق اللاجئين أكثر فأكثر ما قد يدفعهم إلى الانضمام لمنظمات وأحزاب منها ما هو مصنف في خانة الإرهاب، حيث قال "علينا الانتباه أن النسبة الأكبر من اللاجئين في لبنان هي من فئة الشباب، فمن قدم مع عائلته إلى لبنان في عمر العشر سنوات أصبح عمره اليوم 21 سنة، معظمهم لم يتابعوا تعليمهم ويعيشون في ظل أجواء مشحونة، يخشون من المضايقات والتعرض للانتهاكات، بالتالي سيبحثون عمن يؤمن لهم الأمن والأمان أيا تكن الوسائل". 

كما جرى خفض كمية المياه التي كانت إحدى الجمعيات تزود اللاجئين بها، من 35 ليتر للشخص الواحد إلى 7 لترات فقط، واقتصار تعبئتها مرة كل أسبوعين، بدلا من مرة في الأسبوع كما كان في السابق، بحسب "أبو محمد" الذي شدد "عندما لا نتمكن من التواصل مع أولادنا وأقاربنا في الخارج، وعندما نعجز عن تدفئة صغارنا، وتأمين المياه لهم كي لا يموتوا عطشاً، كل ذلك سيدفعنا للهروب من لبنان، وإن كان ذلك عبر البحر، فبين الموت على البطيء والموت مرة واحدة، بالتأكيد سنفضل الخيار الأخير". 

من جانبه يشدد صبلوح أن "ارتفاع عدد مراكب الهجرة غير الشرعية في الأشهر الأخيرة، التي أغلب ركابها من اللاجئين السوريين، سببه تخوف هؤلاء من إعادتهم إلى بلدهم قسريا، أو تعرضهم للانتهاكات في لبنان".

كذلك اعتبر العسلي أن "كل ما يحصل هو من باب الضغط على اللاجئين، من أجل دفعهم إلى مغادرة لبنان، أي ترحيلهم قسريا بصورة غير مباشرة، سواء للعودة إلى بلادهم أو لرمي أنفسهم في قوارب الموت، التي لا يكاد يمر يوم من دون أن تحمل عددا منهم إلى المجهول". 
 

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".