ما لا يقل عن 226 حالة اعتقال أو احتجاز تعسفي بينهم 6 أطفال و11 امرأة، وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في شهر مايو
ما لا يقل عن 226 حالة اعتقال أو احتجاز تعسفي بينهم 6 أطفال و11 امرأة، وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في شهر مايو

"نعيش حالة من الخوف والقلق والتوتر، أولادي لا يجرؤون على النوم في المخيم، حالهم كحال باقي الشبان، يحملون بطانياتهم ليلا ويتوجهون إلى السهل غير مبالين بالأشواك التي تنخر أجسادهم والأفاعي والحيوانات التي يمكن أن تهاجمهم، فكل شيء أسهل لديهم من توقيف الجيش اللبناني لهم وتسليمهم للنظام السوري".. كلمات قالتها بحرقة اللاجئة السورية "أم أحمد".

لم تعد العنصرية التي ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة الهمّ الأكبر للاجئين السوريين، بحسب "أم أحمد"، "فهذا الأمر اعتدنا عليه، لكن مداهمات الجيش اللبناني لمساكننا هي الرعب المستجد منذ شهر أبريل الماضي، فنحن على استعداد لتحمّل كل الظروف الصعبة التي نواجهها في لبنان على العودة إلى سوريا وما يترتب عن ذلك من اعتقال أبنائنا وإلزامهم بالخدمة في صفوف جيش النظام".

حتى الآن داهم الجيش اللبناني مخيم غزة في البقاع الغربي حيث تقيم "أم أحمد"، مرتين، وتشرح لموقع "الحرة" "عدا عن بكاء وصراخ الأطفال وإصابة بعضهم بإسهال نتيجة الرعب، رحّل الجيش عددا من الشبان منهم أربعة من أقاربي، أُجبر ثلاثة منهم على الخدمة العسكرية الإلزامية والرابع على الانضمام إلى صفوف الاحتياطي"، وتضيف "في النهار يخشى أولادي من مغادرة الخيمة وفي الليل يخشون أن يبيتوا فيها"!

في أبريل والأسابيع الأولى من مايو، نفذ الجيش اللبناني أكثر من 93 مداهمة، واعتقل ما لا يقل عن 2137 شخصا (بين المداهمات ونقاط التفتيش)، رحّل ما لا يقل عن 1473 لاجئا، وتضمنت هذه العمليات حالات انفصال عائلي، بما في ذلك حالات فصل قاصرين عن عائلاتهم.

الحملة الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في لبنان جعلتهم في حيرة، فهم يخشون البقاء في مساكنهم من أن تتم مداهمتها وكذلك مغادرتها كي لا يتم توقيفهم على أحد الحواجز العسكرية.

العديد من الذين أعيدوا قسرا مسجّلون أو معروفون، بحسب منظمة العفو الدولية، لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وقال لاجئون للمنظمة إنهم لم يُمنحوا فرصة للتحدث إلى محام أو المفوضية، وحُرموا من الحق في الاعتراض على ترحيلهم والدفاع عن حقهم في الحماية، وإن الجيش اللبناني اقتاد المرحلين إلى الحدود وسلمهم مباشرة إلى السلطات السورية. بعضهم اعتُقلوا أو اختفوا بعد عودتهم إلى سوريا.

وأكدت 19 منظمة لبنانية ودولية من بينها "العفو الدولية"، مواصلتها توثيق الانتهاكات المروعة التي يرتكبها الجيش السوري وقوات الأمن ضد العائدين السوريين، بمن فيهم الأطفال، مثل الاحتجاز غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاغتصاب والعنف الجنسي، والإخفاء القسري.

"حصار" ثلاثي الأبعاد

قبل ثماني سنوات هربت "أم أحمد" من الحرب الدائرة في بلدها، دخلت وأبناؤها السبعة لبنان بصورة غير شرعية، كان كل همها ألا يجرفهم شلال الدم الذي ابتلع آلاف الأرواح، وجدت في خيمة مأوى لعائلتها، وتقول "حلمي كان بسيطا جدا وهو أن يكبر أطفالي بأمان وأن استند عليهم بعدما حضنتهم منذ طفولتهم وكنت لهم الأم والأب، لكن للأسف لم أذق طعم الأمن والأمان في لبنان، وكل يوم نحاصر بالتخويف والتجويع والذل أكثر".

توقف أبناء "أم أحمد" عن العمل خوفا من توقيفهم على أحد الحواجز العسكرية، لذلك "اضطررت إلى إرسال ابنتي ذات الـ 14 سنة وشقيقها الذي يصغرها بعامين إلى الحاويات لجمع الخردوات وبيعها، حيث يجنيان يوميا نحو مئتي ألف ليرة ما يعادل الدولارين، بالكاد تكفي لشراء الخبز، وفوق هذا يتعرضان كما بقية السوريين لعنصرية مقيتة، فلا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع عبارات (حلّوا عنا) و (يلي متوفر لكم ما متوفر للبنانيين)، رغم أننا لا نلمس سوى توفر الفئران والجرذان والحشرات التي لا تفارق خيمنا".

وتزامنا مع زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون إلى دمشق، حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من التلاعب بملف اللاجئين ومن إمكانية الاتفاق على إعادتهم قسرا دون ضمانات دولية تضمن حقوقهم ولا تعرضهم للملاحقة الأمنية والتتبع القضائي لدى قضاء النظام بسبب معارضتهم، مشددا أنه "رغم أن العديد من المحافظات والمناطق السورية لم تشهد أي أعمال قتالية منذ سنوات، لازال البلد غير آمن من جميع النواحي لإعادة اللاجئين والفارين من الحرب سابقا ولازالت البنية التحتية مهترئة".

وأشار المرصد إلى صرخات الاستغاثة التي يوجهها اللاجئون عبره "جراء ما يتعرضون له من تنكيل وقمع وحملات عنصرية ومضايقات وترحيل قسري من قبل الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبناني، حيث يمنعون من الخروج إلى الشوارع والتوجه للعمل، وسط معاناة كبيرة لهم".

وأكد المرصد تسليم المرحلين " لقوات تابعة للفرقة الرابعة على الحدود السورية – اللبنانية"، وتعرض الكثير منهم "للاعتقال فور وصولهم إلى سوريا"، حيث قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لموقع "الحرة" "وثقنا في شهر أبريل اعتقال 49 مرحّلا وهذه العمليات مستمرة".

مشنقة "رسمية"

كما حال اللاجئين السوريين الذين لا يملكون إقامات شرعية في لبنان أو انتهى تاريخ صلاحيتها، يعيش محمد (اسم مستعار) حالة من الترقب، ويقول "أصبح البقاء في المنزل أو مغادرته مجازفة، وقد تفاجأت قبل أيام بعناصر من الجيش اللبناني يطرقون باب منزلي مساء، أطلعتهم بأني قدمت أوراقي وعائلتي للأمن العام لتجديد إقامتنا، عندها سجلوا أسماءنا والتقطوا صورا لنا قبل أن يغادروا، فعلوا الأمر ذاته مع جيراننا، ومنذ ذلك الحين لم يغمض لي جفن، إذ أتوقع عودتهم في أي لحظة لترحيلنا". 

ابن إدلب السورية توقف عن العمل خارج بلدة الغابون في قضاء عالية حيث يسكن، لتضاعف صعوبة تأمين حاجيات عائلته المؤلفة من خمسة أطفال الذين انضمت إليهم في شهر أبريل الطفلة رغد ذات الثماني أعوام، التي عادت حينها من مدرستها لتصعق بترحيل جميع أفراد عائلتها، ويقول محمد لموقع "الحرة"، "بعد ترحيله عاد والدها خلسة إلى لبنان عبر مهربين للاطمئنان عنها، ونتيجة تنقله بين منازل أقاربه خوفا من توقيفه مجددا أبقاها لدينا، كما أنها تتواصل مع والدتها وأشقائها عبر الهاتف، منتظرة تمكنهم من العودة إلى لبنان".

يشبّه محمد الحملة التي تشنها الحكومة والجيش اللبناني على اللاجئين بحبل "يشتد حول أعناقنا أكثر وأكثر، نحن نختنق بكل ما للكلمة من معنى ولا نعلم متى نلفظ آخر أنفاسنا، وقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها البقاء في لبنان أشبه بالموت وكذلك الأمر في حال عودتنا إلى سوريا كوني سأجبر على الخدمة الاحتياطية، وكل مطلبنا الآن أن نرحل إلى أي بقعة في العالم تعاملنا حكومتها وشعبها كأشخاص يحق لهم العيش بكرامة".

ما لا يقل عن 226 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي بينهم 6 أطفال و11 امرأة، وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في شهر مايو، وهو أعلى معدل للاعتقال في عام 2023 على يد قوات النظام السوري بحسب ما أشارت في تقرير أصدرته مطلع الشهر الجاري، لافتة إلى أنه "منذ بداية العام سجلت 863 حالة اعتقال تعسفي بينهم 40 طفلا و32 امرأة، تحول 706 منهم إلى مخفيّين قسريا"ً.

وأرجعت الشبكة أسباب ارتفاع حصيلة عمليات الاعتقال في مايو الماضي إلى استهداف اللاجئين الذين تم ترحيلهم من لبنان والمدنيين على خلفية قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، مشيرة في تقريرها إلى أن كافة مراسيم العفو أفرجت عن 7351 معتقلا تعسفيا وما زال لدى النظام السوري قرابة 135253 معتقلا/مختفٍ قسريا. 

سجون من نوع آخر

طالت المداهمات منزل حسين (اسم مستعار) حيث أوقف الجيش اللبناني في شهر أبريل ثلاثة من أبنائه أحدهم قاصر لانتهاء تاريخ صلاحية إقامتهم، إلا أنهم كما يؤكد تمكنوا من العودة إلى لبنان، ويشرح "أطلعوني أنه لم يعبروا الحدود عند المصنع، بل سلمهم الجيش اللبناني إلى الجيش السوري في منطقة حدودية، حيث تم توقيفهم لمدة ستة أيام، وقبل أن يطلق سراحهم طلب من كل شاب بلغ الـ 19 سنة وما فوق مراجعة شعبة التجنيد في محافظته خلال مهلة عشرة أيام لأداء الخدمة الإلزامية". 

خلال المهلة التي منحت لهم استطاع أولاد حسين من الدخول خلسة إلى لبنان عبر مهربين، مقابل 800 دولار إستدانها والدهم، ويقول لموقع "الحرة"، "بعد الذي حصل يلازم أولادي المنزل متأهبين للهروب في حال سماعهم صوت آليات الجيش اللبناني، فهم يخشون الخروج وتوقيفهم من دون أن أعلم مصيرهم، وهذه المرة لن يسلموا إذا ما رحلوا من جديد".

وكان 75 لاجئا من المرحلين كشفوا لمركز "وصول" لحقوق الإنسان أن السلطات السورية أعادت تسليمهم إلى مهربين متواجدين عند الحدود اللبنانية بعد التفاوض معهم لإعادتهم إلى لبنان لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 150 و300 دولار أميركي للفرد الواحد، بينما وصلت المبالغ المالية إلى نحو 3000 دولار للأفراد الذين يواجهون مخاطر أمنية مباشرة في سوريا، وأكد 51 لاجئا منهم أن الجيش اللبناني قام بتسليمهم إلى السلطات السورية بشكل مباشر. 

 يتساءل حسين "أي حياة هذه التي تحولت فيها منازلنا إلى سجون، أولادي مكبلون لا يمكنهم العمل، فحتى لو احتاجوا إلى طبيب يفضلون تحمّل الألم على مجازفة التنقل".    

لاحظت فرق منظمة "أطباء بلا حدود" تغيّب بعض المرضى عن مواعيدهم، ويعود ذلك بحسب ما وردها إلى خوفهم من الترحيل أثناء مرورهم بنقاط التفتيش للوصول إلى المرافق الصحية، حيث أشارت في تقرير إلى العوائق المتزايدة التي "تصعّب حصول اللاجئين على الخدمات الطبية الضرورية".

أدى التطبيق الأخير والصارم للسياسات والقيود القانونية التي تعنى باللاجئين في لبنان إلى مصادرة سيارات والدراجات النارية للكثيرين منهم، بحسب المنظمة الدولية، "علما أنها غالبا ما تكون وسيلتهم الوحيدة للتنقل بأسعار معقولة، بعدما تسببت الأزمة الاقتصادية بارتفاع كبير في تكلفة سيارات الأجرة والنقل العام".

ولفت رئيس بعثة أطباء بلا حدود في لبنان، الدكتور مارسيلو فرنانديز، إلى أن مريضا رفض إحالته إلى المستشفى رغم حاجته الملحة إلى الرعاية الطبية، و"يعود ذلك بشكل خاص إلى خوفه من الترحيل، لا سيما أنه غير مسجل"، مشددا "لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. ولا يجوز تطبيق أي إجراء على حساب صحة الناس. لا بد من أن تتمتع جميع الفئات المهمشة بالقدرة نفسها على الوصول إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم".

بين الإصرار والإجحاف

أكد المدير السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، العام الماضي، وجود مليونين و80 الف سوري على الأراضي اللبنانية، منهم 805,326 مسجلا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي كشفت الجولة الثامنة من استطلاع الرأي الذي أجرته في كل مصر والأردن ولبنان، حول رغبة اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم، أن  93.5في المئة لا نية لديهم للعودة إلى بلدهم خلال الاثني عشرة شهرا القادمة، في حين أكد 1.1 في المئة نيتهم ذلك، أما الـ 5.4 في المئة المتبقية فلم يحسموا قرارهم بعد.

وأكد 51.3 من اللاجئين أنهم لا يأملون العودة إلى سوريا في غضون خمس سنوات، على عكس 25.2 في المئة من المستطلعة آرائهم، في حين لم يحسم 23.6 في المئة قرارهم، لا بل 43.5 لا يأملون العودة إلى سوريا في يوم من الأيام، مقابل 40.6 في المئة يأملون ذلك وعدم حسم 15.8 في المئة قرارهم.

وعن الأمل العام في العودة، (يشمل المشاركين الذين ينوون العودة إلى سوريا في غضون الاثني عشر شهرا القادمة، والذين يأملون العودة في غضون خمس سنوات وكذلك الذين يأملون العودة يوما ما)، كشف الاستطلاع أن 56 في المئة يأملون العودة، شرط توافر فرص العمل، حيث تقدم العامل الاقتصادي على الوضع الأمني الذي حل في المرتبة الثانية.

وبغض النظر عن آراء اللاجئين، أصدرت الحكومة اللبنانية الشهر الماضي قرار التشدد في ملاحقة المخالفين منهم والبحث في إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين لنظام بلدهم، وأعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني استئناف عمليات العودة الطوعية، مشيرة إلى أنه يمكن للراغبين بذلك البدء تقديم الطلبات في المراكز المخصصة لهذه الغاية على كافة الأراضي اللبنانية، و"سيصار الى تسوية أوضاعهم مجانا فور المغادرة".

أما وزير الداخلية بسام مولوي فأشار إلى أن ما تقوم به القوى الأمنية في هذا الملف "ليس تعرضاً لحقوق الإنسان، إنما هو حفاظ على مصلحة الدولة والنظام العام"، في حين اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار أن عودة اللاجئين باتت "قضية حياة وموت"، محذرا من تغييرات ديموغرافية خطيرة، قائلا "سنصبح لاجئين في بلدنا".

وأمس الأربعاء التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي أكد أن هدف اللقاء التنسيق وزيادة بنود جديدة على ورقة التفاهم القديمة التي ستطرح خلال زيارته التحضيرية إلى سوريا الأسبوع المقبل.

وقبل أيام صرّح ميقاتي بأن الحكومة اللبنانية بصدد تشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث هذا الملف، مشيرا إلى وجود خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لحله، لافتا إلى أن "الموضوع غير موجه ضد جنسية محددة، ولا يمكن اتهامنا بالعنصرية، كل ما نريده ممارسة حقنا في السيادة على كامل أرضنا، ومن هنا يأتي القرار بترحيل أي أجنبي لا يمتلك الوثائق القانونية اللازمة لإقامته في بلدنا".

في المقابل، دعت 19 منظمة دولية من بينها منظمة العفو الدولية، إلى "وقف ترحيل اللاجئين السوريين بموجب إجراءات موجزة"، كما دعا المرصد السوري لحقوق الإنسان المجتمع الدولي لمواصلة مساندة الشعب السوري ودعم اللاجئين بتوفير المناخ الآمن للعودة الطوعية لا العودة القسرية الإجبارية حتى لا تتعرض حياتهم للخطر، مشددا أن لا حل لهذا الملف دون حل سوري شامل، و"ما دون ذلك هو اجحاف بحق المهجّرين بفعل العمليات العسكرية".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".