أسعار العمليات الرخيصة في سوريا تغري الكثير من اللبنانيين الباحثين عن الجمال بكلفة مخفضة
أسعار العمليات الرخيصة في سوريا تغري الكثير من اللبنانيين الباحثين عن الجمال بكلفة مخفضة

تحوّلت رحلة عبير، من رغبة في تحسين مظهرها، إلى كابوس مروّع في دهاليز الموت والندوب. فبعد أن أطلعتها صديقتها عن تجربتها بجراحة شفط الدهون في سوريا بتكلفة بسيطة، قررت السفر لإجراء العملية في أردافها، للحصول على جسم أكثر رشاقة وجمال.

في البداية، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، ولكن سرعان ما بدأت تظهر عليها مضاعفات مؤلمة، من التهاب جروحها إلى ارتفاع درجة حرارة جسدها وغيرهما، تواصلت مع الطبيب الذي أجرى لها العملية وسافرت لمراجعته في سوريا، فحاول طمأنتها، لكن حالتها تدهورت بشكل مخيف وبدأ جلدها "يتآكل" كما وصفت في حديث مع موقع "الحرة".

رفض الأطباء في لبنان بداية متابعة حالتها طالبين منها متابعة وضعها مع من أجرى لها العملية، وبعدما تدهورت حالتها بشكل كبير تم استقبالها في إحدى مستشفيات لبنان حيث تبيّن إصابتها ببكتيريا خلال خضوعها للعملية الجراحية، فقضت بعدها سنة كاملة في العناية المركّزة بين الحياة والموت، وخضعت لعمليات جراحية عدة لعلاج الجروح التي كانت أشبه بالحروق والتي طالت أماكن عدة في جسدها.

نزع الأطباء أنسجة من ساقي عبير لزرعها مكان الحروق، فتركت ندوباً غائرة، فقدت الكثير من وزنها، وأُصيبت بالشلل لفترة، كما عانت من عدم القدرة على الكلام بشكل طبيعي، وتقول "لا كلمات يمكنها وصف ما مررت به، والتي اختصرها الطبيب المتابع لحالتي بقوله لي: انتشلتك من القبر".

في عالم يغصّ بصور الجمال المثالي، "باتت عمليات التجميل هاجساً يراود الكثيرين، من دون أن تصل إلى مسامع بعضهم صرخات التحذير من مخاطر قد تخفي وراءها عواقب وخيمة، في حين لا يبالي البعض بهذه التحذيرات فيغامرون بصحتهم وجمالهم لتوفير المال"، وفقاً لما يقوله مستشار نقيب الأطباء اللبناني للشؤون التجميلية، الدكتور رائد رطيل.

وتغري أسعار العمليات الرخيصة في سوريا الكثير من اللبنانيين الباحثين عن الجمال بكلفة مخفضة، لكن داخل أروقة بعض مستشفيات وعيادات التجميل قصص مأساوية عن مضاعفات وتشوّهات وحتى وفيات، بحسب ما يقوله رطيل لموقع "الحرة" .

الغرض من تسليط الضوء على "سياحة التجميل" في سوريا ليس تشويه سمعة الأطباء السوريين حيث أن "الكثير منهم مشهود لهم بالكفاءة والمهنية العالية"، كما يشدد رطيل "بل للتحذير من الدخلاء على مهنة الطب هناك الذين يتسببون بكوارث تدمّر حياة الناس".

ويؤكد "ارتفاع عدد الشهادات التي تصلنا من أشخاص خضعوا لعمليات جراحية في سوريا وتعرضوا لتشوهات بعدها عصي على الشفاء، منها حالة عبير التي أصيبت بالتهاب النسيج الخلوي الناخر (Nécrose)، وهو حالة جلدية خطيرة تسبّب تدهوراً في أنسجة الجلد العميقة، ناتجة عن عوامل متعددة منها العدوى البكتيرية التي تنتقل عبر الجروح أو الخدوش".

ويتميز هذا المرض بأعراض مثل "الاحمرار، التورم، الألم الشديد، وظهور بثور أو فقاعات، إضافة إلى إفراز الصديد" أما علاجه فيتطلب بحسب رطيل "إزالة الأنسجة المتضررة، والعناية بالجروح، واستخدام الأدوية المسكنة لتخفيف الألم. ومن المضاعفات المحتملة له تسمم الدم، والغرغرينا، وموت الأنسجة، وفي الحالات الشديدة قد يتطلب الأمر بتر الأطراف".

ويضيف "هناك من فارق الحياة بعد خضوعه لعملية تجميلية في سوريا، منهم شاب لبناني خضع لعملية تجميل للأنف، بالإضافة إلى حالات لأشخاص أصيبوا بالتهابات جراء عمليات حقن البوتوكس والفيلر غير القانونية، دون أن يلغي ذلك وجود هذه المخاطر في لبنان أيضاً".

معركة "الندوب"

توجه اللبنانيون إلى سوريا لإجراء عمليات التجميل ليس بالأمر الجديد، وفقاً للدكتور رطيل، حيث كما يقول "يتجمع بعضهم في مجموعات تتراوح بين خمسة إلى عشرة أشخاص، ويقصدون سوريا في باصات لإجراء العمليات قبل العودة في نفس اليوم. ومع ذلك، فإن زيادة عدد الأشخاص الذين يفضلون هذا الوجهة في الآونة الأخيرة يرجع إلى الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان".

أما رئيسة سفراء الجمال العربي، خبيرة التجميل رانيا عثمان، فترى في حديث مع موقع "الحرة" أن من الأسباب وراء ظاهرة انتشار عمليات التجميل في سوريا، "انخفاض الكلفة، وتأثر البعض بمعارفه الذين خضعوا لعمليات تجميل هناك وكانت نتائجها مقبولة، من دون أن يلغي ذلك وجود أطباء سوريون مشهود لهم بالخبرة"، مضيفة " للأسف بعد أن كان لبنان عنواناً للباحثين عن الجمال، تراجع ذلك لأسباب عدة على رأسها الأزمة الاقتصادية وهجرة الأطباء وارتفاع التكلفة".

يدفع الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان بحسب رطيل بعض الأطباء اللبنانيين "إلى استقبال المرضى الذين واجهوا مضاعفات بعد إجراء عمليات التجميل في سوريا، حيث يقصدونهم لإجراء عمليات تصحيحية".

تكبدت عائلة عبير مبالغ ضخمة لتغطية تكاليف علاجها، تجاوزت 150 ألف دولار، وفق ما تقوله "وما زالت بحاجة إلى المزيد من العمليات التجميلية لإزالة الندوب في أماكن عدة من جسدها".

ورغم مرور حوالي الأربع سنوات، لا تزال عبير تعيش في صراع نفسي، حيث تزعزعت ثقتها بنفسها وسيطرت عليها المشاعر السلبية، كالحزن والغضب والقلق، والخشية من نظرات الناس، وتقول "أحاول أن أكون قوية وها أنا أعيش على أمل توفّر الإمكانات المادية لإكمال رحلة علاجي حتى اعلان انتصاري على الندوب التي تنغّص حياتي".

ويعود ارتفاع أسعار العمليات في لبنان مقارنة بسوريا بحسب رطيل "إلى تكلفة المستشفيات وبدل أتعاب أطباء التخدير وأطباء التجميل إضافة إلى القيمة الشرائية المتدنية للعملة الأجنبية في لبنان، في حين بعض الأطباء السوريين يقومون بإجراء العمليات في العيادات باستخدام البنج الموضعي عدا عن القوة الشرائية للدولار في بلدهم، حيث تكفي المئتي دولار مصروف عائلة لمدة شهر، وللأسف بعض الأطباء اللبنانيين بدأوا باتباع ذات الاجراءات".

مغامرة غير مدروسة

يعتبر البعض عمليات التجميل بحسب عثمان "ضرورة لتصحيح جمالهم، بينما يعاني البعض الآخر من هوس التجميل نتيجة لثقافة المجتمعات التي تعطي أهمية كبيرة للمظهر الخارجي، وعدم رضا هؤلاء عن مظهرهم ينمي لديهم مشاعر سلبية مثل القلق والاكتئاب".

كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي بحسب ما تقوله عثمان "دوراً في تشجيع بعض الأشخاص على الخضوع لعمليات التجميل في محاولة لتحقيق المظهر المثالي المروج له في تلك الوسائل، وإن كانت أوضاعهم المالية لا تسمح بذلك يبدؤون البحث عن أطباء أسعارهم مخفضة بغض النظر عن المخاطر التي قد يواجهونها".

الهوس في الكمال الجمالي، دفع ياسمين إلى اتخاذ قرار تكبير ثديها، "رغم أن حجمه كان مقبولاً" وفق ما تقوله لموقع "الحرة"، وكون تكلفة العملية الجراحية في لبنان كبيراً (لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار)، وجدت في خيار اللجوء إلى سوريا لتحقيق هدفها حلاً للعقبة المادية التي تقف في طريقها.

بعد استشارة صديقاتها، نصحتها احداهن بطبيب سبق أن أجرى لها عملية تجميل لأنفها، أسعاره مقبولة ونتائجه مرضية، زودتها برقم هاتفه، وقبل أن تتواصل معه، بحثت عن صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي انستغرام، لأخذ فكرة عن مدى براعته في هذا العالم، بعدها تواصلت معه عبر الواتساب، حيث تمت المحادثات والترتيبات للعملية التي ستجريها في مستشفى في طرطوس.

أبلغها الطبيب أن تكلفة العملية 1500 دولار وأنه متعاقد مع سائق سيارة أجرة لنقلها من وإلى لبنان، وأنه يمكنها العودة في ذات اليوم أو المبيت ليلة واحدة في المستشفى".

لم تتردد ياسمين في تحديد موعد مع الطبيب، وفي صباح ذلك اليوم، انتقلت مع ابنتها إلى منطقة الدورة حيث كان سائق سيارة الأجرة بانتظارها، وانطلقوا جميعاً إلى سوريا. وصفت ياسمين الرحلة بأنها سهلة وسريعة، لم تستغرق المسافة من الحدود اللبنانية الشمالية إلى المستشفى الساعة الواحدة، خضعت للعملية، وعادت أدراجها إلى لبنان، لكن "هذه المرة كانت الطريق من سوريا إلى بيروت متعبة جداً".

وتقول لموقع "الحرة" "كنت أشعر بأوجاع لا تحتمل، عدا عن الدوار والرغبة التقيؤ بسبب بقايا المخدر في جسدي، وفوق هذا لم يكن السائق يقيم أي اعتبار لحالتي، حيث كان يقود بسرعة جنونية غير مبالٍ بالحفر والمطبات التي كانت تهز آلامي بعمق".

ما يحصل في بعض مستشفيات ومراكز التجميل السورية، كما يشرح رطيل "عمليات سريعة، ويترتب على ذلك مخاطر جمة، فإجراء العمليات في وقت قصير، سيؤدي إلى نتائج غير مرضية، فالعمليات التي تستغرق ساعات في لبنان يجرى بعضها في سوريا خلال دقائق، وفوق هذا يغادر المرضى المستشفى بعد وقت قليل من انتهاء العملية، فمن يضمن سلامتهم في رحلة العودة"؟

نتائج يندى لها الجبين

بدأت ياسمين بالتعافي رويداً رويداً، وخلال تلك الفترة كانت على تواصل مع الطبيب الذي أجرى لها العملية لاطلاعه على حالتها، ومنذ الأيام الأولى التي تلت العملية شعرت أن حجم ثديها كبير جداً.

بعد شهر قدم الطبيب إلى بيروت لمعاينة مرضاها في غرفة فندق، حيث ذهلت ياسمين بالعدد الكبير من النساء اللواتي كن ينتظرنه، أخبرته بعدم رضاها عن العملية، فكان جوابه أن ما تصبو اليه يحتاج مزيداً من الوقت، لكن مرّت سنة من دون أن يتغير شيء لا بل وضعها الصحي إلى الأسواء حيث تسبب كبر حجم ثديها بآلام في ظهرها تتزايد مع الأيام.

عدم رضا ياسمين عن نتيجة العملية دفعها إلى البحث عن طبيب لبناني لإعادة حجمه إلى ما كان عليه، وتقول للأسف "كلفة العملية تفوق قدرتي".

بعد التجربة التي عاشتها تعلمت ياسمين درساً مكلفاً وهو "عدم البحث عن السعر الأرخص لعمليات التجميل، فضمان الحصول على النتائج المرغوبة من دون المجازفة بإمكانية مواجهة أي مضاعفات، هو ما يجب التركيز عليه".

وكان نقيب الأطباء في سوريا غسان فندي قد حذّر في ديسمبر الماضي من التعديات على طب التجميل سواء بشقه الجلدي أو بالجراحة التجميلية، كما ذكرت صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

وأكد فندي أن وزارة الصحة في حكومة النظام السوري ونقابة الأطباء تتابعان عمل مراكز التجميل "وتم إغلاق عدد كبير منها في عدة محافظات لعدم تحقيقها الشروط المطلوبة ومنها وجود طبيب مختص، وضبط تعديات كبيرة فيها على اختصاص التجميل من خلال قيام غير الأطباء بإجراء الحقن وغيرها من الأمور التجميلية".

وشدد على ضرورة التعاون بين جميع الجهات المعنية وتفعيل ثقافة الشكوى لضبط عمل مراكز التجميل ومنع التعديات، قائلاً: إن هناك شكاوى نتيجة عمليات وأمور تجميلية يندى لها الجبين.

للحفاظ على الأمانة

وعن معايير الجمال، تشرح عثمان "لكل شخص جماله الخاص، لذلك لا يجب أن نقارن أنفسنا بالآخرين، ومن الضروري أن يكون قرار الخضوع لعمليات التجميل مدروساً ومسؤولاً، ويشمل الاطلاع على المخاطر المحتملة واختيار طبيب مؤهل، حيث لا ينبغي التهاون بالمخاطر المحتملة كالعدوى التي قد تنتقل من خلال عدم الالتزام بقواعد التعقيم والنظافة، والتشوهات التي قد تحدث نتيجة للإجراءات غير المهنية في غير الأماكن المرخصة".

و"تنتشر مراكز التجميل غير المرخصة" في سوريا كما أكد أمين سر الرابطة السورية لأطباء الجراحة التجميلية والترميمية، رزق الفروح لموقع "أثر برس" المقرب من النظام، لافتاً إلى أن الرابطة رفعت أكثر من كتاب إلى وزارة الصحة حول ذلك.

وأضاف "بات كثيرون يلجؤون إلى الحقن والشد وتجميل الأنف دون مراعاة الآثار الجانبية الكارثية أحياناً إن تمت بيد غير خبيرة"، وحذّر من انتشار ما يسمى دورات تدريبية مأجورة بمبالغ كبيرة مدتها عدة ساعات أو أيام، تعطي شهادة في حقن الفيلر والبوتوكس وغيرها.

وقال "هذه دورات غير مغطاة من وزارة الصحة وخطيرة على المجتمع، فطبيب الاختصاص يدرس الجراحة التجميلية 6 سنوات ليحصل على إجازة أكاديمية مرخصة من الوزارة، وليس بإمكان شخص اتبع دورة مدتها ساعات أن يصبح مخولاً بإجراء هذه العمليات بعد الحصول على شهادة تدريب تعلق بصدر مكان عمله ويستغلها المتدرب لذلك”.

وأشار إلى أن عدداً من الأطباء من مختلف الاختصاصات توجهوا إلى عمليات التجميل الأمر الذي يعني تعويم اختصاص الجراحة التجميلية وابتعاد باقي الاختصاصات عن مجالها العلاجي الحقيقي، حيث بيّن أن عدد أطباء اختصاصي الجراحة التجميلية لا يتجاوز 250 طبيب وطبيبة.

وعن أكثر عمليات التجميل طلبا في سوريا من قبل اللبنانيين يقول رطيل "عمليات الأنف، تليها شدّ الوجه، وشفط الدهون، وتكبير الثدي، وعملية حقن البوتوكس والفيلر، حيث بات التهاب الوجه من الحالات الشائعة نتيجة استخدام المواد المغشوشة والحقن الخاطئ دون معرفة بالوجه وشرايينه ومكان الأعصاب والعضل فيه"، ويلفت إلى أن "المواد التجميلية مواد خطرة، فكيف إن كانت مزورة أو تم حقنها بطرق غير سليمة".

ويشدد كأطباء نمضي سنوات طويلة في الدراسة ونتابع دورات بشكل مستمر لمواكبة التقنيات، في وقت يكتفي الدخلاء على مهنة الطب بالخضوع لدورة تستغرق أياماً ليطلقوا بعدها على أنفسهم لقب متخصصين!"

ويختم مشدداً على ضرورة اتباع المعايير الصحيحة قبل اختيار طبيب التجميل، كالتحقق من تسجيله في نقابة الأطباء إذا كان لبناني الجنسية والتأكد من اختصاصه، ويقول "الجمال يستحق رحلة آمنة ونتائج مرضية، لا المغامرة بالصحة من أجل عروض مغرية"، أما عثمان فتختم بالقول "جمال الإنسان أمانة لديه يستحق منه أفضل رعاية من أطباء ذو خبرة وكفاءة يلتزمون بأعلى معايير السلامة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".