الصحفيات يواجهن تحديات كثيرة في مكان العمل منها التحرش الجنسي
الصحفيات يواجهن تحديات كثيرة في مكان العمل منها التحرش الجنسي | Source: Pexels

تخرجت سهام من إحدى جامعات لبنان حاملة شهادة في الصحافة التي حلمت بها منذ صغرها، فهي تعشق الكتابة، وترى في هذه المهنة رسالة سامية لنقل الحقيقة وإيصال وجع الناس، لكن سرعان ما تحطمت أحلامها على صخرة الواقع، فما إن طرقت باب هذا العالم حتى صدمت بتعرضها للتحرش.

كانت الفتاة العشرينية تبحث عن فرصة عمل، وإذ بصديقتها تطلعها عن حاجة موقع إلكتروني محلي لموظفين. لم تتردد سهام في إرسال سيرتها الذاتية عبر البريد الإلكتروني، وانتظرت بفارغ الصبر رداً.

وبعد فترة، تلقت اتصالاً يدعوها لإجراء مقابلة مع مدير الموقع. كانت سعيدة للغاية بهذه الفرصة، وبدأت تستعد للمقابلة بكل حماس.

حضّرت سهام جميع الأسئلة التي توقعت أن تُطرح عليها، وارتدت ملابس مناسبة للمقابلة وتوجهت إلى مقر الموقع وهي تشعر بالتوتر والقلق، لكنها كانت مصممة على إثبات نفسها والحصول على الوظيفة.

عندما دخلت إلى مكتب المدير، بدأت تشعر بالارتباك من نظراته وأسئلته الخاصة التي كانت بعيدة كل البعد عن المهنية. وعلى الرغم من ذلك، حافظت على رباطة جأشها، لكن عندما انتهت المقابلة وقف المدير ليصافحها، ولم يكتف بذلك كما تقول لموقع "الحرة"، بل "قام بلمس جسدها بطريقة غير أخلاقية"، فشعرت بالصدمة وسارعت مغادرةً المكان.

خرجت سهام من مكتب المدير وهي في حالة من الذهول، تعصف بداخلها مشاعر الغضب والاشمئزاز من تصرفه الشنيع، وتشدد: "اتخذت قراراً بعدم العمل في هذا الموقع، حتى لو تم قبولي، إيماناً مني بمبادئي وبأن شرفي لا يقبل المساومة".

وبعد أسبوع، تلقت سهام اتصالاً من الموقع، يخبرها بقبولها في الوظيفة، فاعتذرت دون تردد، مؤكدة على موقفها الرافض للعمل في بيئة تسيء معاملة النساء.

"أصبح التحرش الجنسي أمراً طبيعياً في مجال الصحافة في لبنان وجزء لا يتجزأ من قطاع الإعلام، وغالبا ما يبدأ حتى قبل مرحلة التوظيف"، بحسب ما توصلت إليه دراسة أجرتها مؤسسة "سمير قصير"، التي سلطت الضور على "الرحلة الصعبة التي تمر بها الصحفيات".

مشهد "صاعق"

سلّطت الدراسة التي ارتكزت على 70 مقابلة مع صحفيات يعملن و/أو يغطين أحداث لبنان، الضوء على التحديات التي لا تقتصر على متطلبات متحيزة ضدهن، تفرض الامتثال لمعايير محددة ترتبط بالمظهر الخارجي، مثل معايير الجاذبية والرشاقة والشعر المصفف، بل إن التكلفة الحقيقية التي تدفعها المرأة مقابل ممارسة مهنة الصحافة تشمل "القبول بظاهرة التحرّش الجنسي على يد مسؤولي التوظيف والمدراء والزملاء، واعتبارها جزءاً طبيعياً من العمل داخل المؤسسات الإعلامية".

كما سلطت الضوء على حقوق العمل الخاصة بالصحفيات، مثل الرواتب والترقيات والإجازات والمنع من المناصب القيادية، والاستغلال في العمل دون إجازات، واستخدام النفوذ الذكوري للحد من مقدرتهن على العمل، حيث كشفت عن تكلفة كارثية لممارسة النساء لهذه المهنة.

نتائج الدراسة كانت "صاعقة"، كما تقول معدتها الباحثة ومسؤولة البرامج في مؤسسة "سمير قصير"، نادين مبارك، مضيفة: "كنا نهدف إلى كشف واقع الصحفيات في لبنان من أجل تبيان الفوارق الجندرية التي ظهرت أنها أضخم بكثير مما كنا نتوقع، لكننا اكتشفنا كذلك أن حجم المعاناة التي يعانينها صادمة جداً، وهي تتجاوز النواحي المهنية لتشمل النواحي النفسية والاجتماعية كذلك".

"الصادم الأكبر" بحسب ما تقوله مبارك لموقع "الحرة"، هو أن "90 بالمئة من المشاركات كشفن عن تعرضهن لشكل من أشكال المضايقة في عملهن الصحفي، و70 بالمئة منهن تعرضن للتحرش الجنسي، فيما أكدت 96 بالمئة ممن لم يتعرضن للتحرش أن زميلات لهن تعرضن لذلك".

وبالإضافة إلى التحرش الجنسي، أبلغ 59 بالمئة عن تعرضهن لإساءة لفظية، و49 بالمئة لخطاب الكراهية، و43 بالمئة للتهديدات، و30 بالمئة للإيذاء الجسدي، و19 بالمئة للتنمر والتحرش عبر الإنترنت.

مراحل التحرش

تتعرض الصحفيات للتحرش قبل التوظيف، وخلاله، وبعده. وفي مرحلة ما قبل التوظيف، روت مجموعة كبيرة من المشاركات أنه "طُلب منهن خدمات جنسية مقابل فرصة عمل، وشمل من طلبوا هذه الأمور، شخصيات سياسية أو مدراء.

وتتضمن أسباب التحرش قبل التوظيف، كما تقول مبارك "إساءة استخدام السلطة، وانعدام المساءلة، وثقافة الذكورية، إضافة إلى قبول صحفيات أخريات للعروض الجنسية واعتبارهن هذه الظاهرة جزءاً من العمل الصحفي".

أما خلال مرحلة التوظيف، فأكدت 51 بالمئة من الصحفيات المشاركات بالاستطلاع، أن "المدير كان المتحرش الجنسي الرئيسي، و37 بالمئة أكدن أنه أحد الزملاء". وتصبح الصحفية هدفاً للتحرش الجنسي بشكل خاص "عندما تكتب عن الصحة الإنجابية والجنسية، حيث يفترض المتحرشون أنها ستكون منفتحة".

إلى جانب ذلك، تقوم صحفيات بتغيير مظهرهن للوقاية من التحرش الجنسي، كثيرات منهن يتصرفن بحذر بعد تجارب التحرش خوفاً من وقوع المزيد من الحوادث التي قد تؤثر على مسار حياتهن المهنية. ويضاعف صغر سن الصحفيات من خطر تعرضهن للتحرش.

وفي مرحلة ما بعد التوظيف، أفادت صحفية بأن "وزيراً طلب لقاء معها بعد استقالتها من منصبها الصحفي، وإذ بها تصدم بأن هدفه من ذلك كان التحرش بها جنسياً".

وترتبط العوامل التي تشجع على التحرش في أماكن العمل، وفق ما تقول مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، في حديث مع موقع "الحرة"، "بالمتحرش نفسه وبالبيئة العملية".

وتضيف: "تلك العوامل قد تشمل التمييز بين الجنسين وغياب القوانين الصارمة لمكافحة التحرش وعدم تطبيقها بشكل فعّال، مما يجعل المتحرش يشعر بالإفلات من العقاب ويتجرأ على مضايقة زميلاته من دون محاسبة".

وحول قضية التحرش بالصحفيات في أماكن العمل، يعلّق نقيب المحررين، جوزف القصيفي، بالقول: "من الطبيعي أن يتعرضن لذلك كما يتعرض عدد كبير من اللبنانيات وغير اللبنانيات في كل أنحاء العالم إلى حوادث في عملهن، ومنها محاولات التحرش سواء من مسؤولين في العمل أو زملاء أو سياسيين أو ضيوف يجرين معهم مقابلات لكتابة تقرير أو تحقيق".

ويشدد في حديث مع موقع "الحرة"، على أن "القوانين والسلوكيات الجديدة تعطي الصحفيات والإعلاميات الحق بالتشهير بالمتحرش وإقامة دعوى ضده أمام القضاء، فكل صحفية تتعرض إلى محاولة ترفضها فإن لديها مرجعية مسلكية وقضائية يمكن لها أن تلجأ إليها، مع التشديد على أن التحرش أمر مدان ومرفوض".

ولا تنتهي عواقب التحرش الجنسي بانتهاء العمل، بل غالباً ما تستمر لفترة طويلة بعد ذلك، وتشمل هذه العواقب كما أظهرت الدراسة "تراجع احترام الذات والثقة بالنفس (81%)، وعرقلة النمو الوظيفي والعمل (64%)، والخوف والقلق والعزلة والاكتئاب (73%)، والشعور بالذنب وعدم الأمن والفشل (49%)، إلى جانب الرقابة الذاتية واضطراب الطعام ومعاداة المجتمع والعدوانية (19%)".

كذلك، تؤكد قصقص أن التأثيرات النفسية للتحرش الجنسي على الضحية متعددة، ومن بينها "القلق والتوتر وانخفاض الإنتاجية والشعور بالخوف وعدم الأمان في مكان العمل، في وقت تحتاج الضحية إلى بيئة عمل داعمة تسمح لها بالإفصاح عن التحرش وتقديم الدعم النفسي والقانوني اللازم لها".

وتشدد: "يجب تشجيع ضحايا التحرش على التبليغ عن الحوادث التي يتعرضن لها، وتأمين بيئة عمل آمنة ومريحة لهن. كما ينبغي على الشركات والمؤسسات تطبيق سياسات صارمة لمكافحة التحرش، بالإضافة إلى توثيق الوقائع ومساعدة النساء في تعلم مهارات الدفاع عن أنفسهن".

وتضيف :"لا يعني ذلك تحميلهن المسؤولية عن هذا الأمر، بل تمكينهن من التصرف بحكمة وجرأة من خلال وضع حد لحماية أنفسهن من تكرار الأمر في المستقبل، فالمسؤولية والعقوبة تقع على المتحرش الذي لا علاقة لسلوكه بمظهر ضحاياه".

"سيطرة ذكورية وحقوق مهدورة"

من أعراض التمييز الدائمة في قطاع الإعلام اللبناني، "تنصيب الرجال كصانعي قرار"، بحسب ما توصلت إليه الدراسة، حيث أقرت 73 بالمئة من المشاركات، بأن الصحفيات يواجهن "عقبات" في الوصول إلى مناصب قيادية. ولفت عدد من المشاركات إلى غياب المرأة عن مثل هذه الأدوار، "بغض النظر عما إذا كان مسؤول التوظيف رجلاً أم امرأة".

كما ظهر أن "العبارات المستخفة" بالمرأة لا تصدر فقط، كما تقول مبارك، "من الرجال الذين يشغلون مناصب سلطة فحسب، بل تعمل النساء في مناصب السلطة".

وعلى الرغم من تجاوز بعض العقبات في بيئة العمل الإعلامية الرقمية والحديثة، "لا تزال وسائل الإعلام التقليدية متخلفة عن الركب. وحتى عندما تتولى امرأة منصباً قيادياً فإن سلطتها غالباً ما تكون مرتبطة بصاحب الوسيلة الإعلامية أو مؤسسها الذي عادة ما يكون رجلاً، كأن تكون زوجته أو ابنته أو أخته أو صديقته"، وفق الدراسة.

و"في وقت تواجه فيه المرأة في كثير من الأحيان توقعات ترغمها على إعطاء الأولوية لمظهرها، حيث لا يزال شرط الجمال أساسيا للنساء المتقدمات للوظائف، يتم تقدير الرجل لقدراته الذهنية"، وفقاً لما ورد في الدراسة، "فتؤدي هذه الديناميكية إلى الحكم على النساء بناء على صفاتهن الجسدية في المقام الأول، في حين يقدر الرجال لسلطتهم وتفوقهم الفكري".

كما تواجه الصحفيات تحديات كثيرة في مكان العمل، تشمل التفاوت في الأجور والعراقيل أمام الترقية. وتشير الدراسة إلى أنه "لا تلقى حقوق الصحفيات اعترافاً وصوناً ما لم يدافعن عنها باستمرار، ويثابرن على المطالبة بها والنضال بقوة".

وما زال القائمون على التوظيف ينظرون إلى المرأة على أنها "أقل حاجة إلى المال مقارنة بالرجل"، مما يؤدي حكماً إلى حصول الرجل على راتب أعلى من راتب المرأة.

ووفقاً للدراسة، ظهر أن 73 بالمئة من الصحفيات يواجهن عقبات في الوصول إلى مناصب قيادية، بينما لم يحصل 64 بالمئة منهن على زيادة في الراتب أو ترقية خلال السنوات الخمس الماضية".

أما الإجازات، فتُعتبر ترفاً، إذ تقول مبارك: "لم تأخذ 20 بالمئة من الصحفيات أي إجازة أبداً، ولا يسمح لـ 69 بالمئة منهن بإجازة مرضية شهرية للدورة الشهرية. وتعتقد 89 بالمئة منهن أن إجازة الأمومة التي ينص القانون عليها، البالغة 10 أسابيع، غير عادلة".

وعلى عكس ما جاء في نتائج الدراسة، يؤكد القصيفي أنه "من خلال الذين يتقدمون بطلبات انتساب إلى النقابة، يظهر أن العنصر النسائي هو الطاغي، وسواء في المواقع الإلكترونية أو الصحف أو الإذاعات أو القنوات التلفزيونية، نلاحظ أن العنصر الأنثوي هو الأكثر إقبالا بنسبة قد تصل إلى حوالي 65 بالمئة".

ويستطرد: "تمكنت المرأة من تحقيق نقلة نوعية وعددية مهمة وحتمية منذ 15 سنة حتى اليوم، وهذا التطور سيؤدي إلى أن تتقدم بسرعة لتكون في مركز صنع القرار في الوسائل الإعلامية ولفرض إيقاعها على المشهد الإعلامي ".

وفيما يتعلق بالأجور، يجيب: "لا توجد مساواة تامة مع الرجل في بعض المؤسسات وذلك يعود إلى الموروث الثقافي، في حين أن مؤسسات أخرى لا تميّز من الناحية الجندرية وتدفع للصحفيات بحسب عملهن"، أما فيما يتعلق بإجازة الأمومة فلم ينف أن مدتها "يجب أن تكون أطول".

فجوة المساواة

نتائج دراسة مؤسسة سمير قصير تتطابق كثيراً مع نتائج الدراسة التي أجراها تجمّع نقابة الصحافة البديلة، حيث أظهرا، كما تقول منسّقة التجمع إلسي مفرج، "اختلافات في الأجور بين النساء والرجال، رغم أن هذا لا ينطبق على جميع المؤسسات".

كما تظهر الدراستان "حصول حالات تحرش جنسي وإزعاج داخل المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى الحملات الموجهة ضد الإعلاميات على وسائل التواصل الاجتماعي".

وتضيف: "سبق لنا في التجمّع، رصد حالة التحرش، حيث أبلغت الضحية عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتمت متابعة قضيتها وتوكيل محام لها لرفع دعوى، لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى نتيجة نهائية".

ومن أكثر النتائج المؤسفة التي توصلت إليها الدراسة، حسب مبارك، هي "موقف المؤسسات الإعلامية، أي أصحاب العمل، من التحديات اليومية التي تواجهها الموظفات، ففيما يتعلّق بردّ فعل صاحب العمل على هذه الأحداث، شرحت 55 بالمئة من المشاركات أنه كان سلبياً، وأن صاحب العمل لم يتّخذ أي إجراء في هذا الصدد".

كما نفت 73 بالمئة من المشاركات، أن تكون مؤسستهن "تعتمد حالياً سياسة داخلية واضحة لمنع الاستغلال والاعتداء الجنسيَّين".

وتشير المحامية في منظمة "كفى"، فاطمة الحاج، إلى أنه تم اعتماد الاتفاقية رقم 190 بشأن مناهضة العنف والتحرش في عالم العمل من قبل المؤتمر الدولي لمنظمة العمل الدولية، في يونيو 2019، ودخلت حيز التنفيذ في 25 يونيو 2021.

ولم ينضم لبنان إلى هذه الاتفاقية على الرغم المطالبات التي تزداد مع الوقت وذلك لضمان بيئة آمنة للنساء في عالم العمل وحمايتهن من التحرش، بالإضافة إلى المطالبة بأجور عادلة لهن.

وتشير الاتفاقية في مقدمتها، كما تقول الحاج لموقع "الحرة"، إلى تبنيه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى الاتفاقيات الأخرى ذات الصلة، "وهي تجمع بين كل هذه الاتفاقيات لحث الدول على المصادقة عليها، بهدف القضاء على ظاهرة التحرش في عالم العمل والتي تنتهك حقوق وكرامة الإنسان وتهدد صحته النفسية والبدنية والجنسية".

وتلفت إلى أن الاتفاقية تستخدم مصطلح "عالم العمل" بدلاً من "أماكن العمل"، مما يشمل جميع مجالات العمل سواء الخاصة أو العامة، حيث يمكن وقوع التحرش أو العنف في كل ميادين العمل.

وتشدد الحاج على وجود "فجوة كبيرة في المساواة" بين الجنسين في لبنان، سواء فيما يتعلق بالأجور أو تعرض النساء للتحرش، "ولهذا السبب، ركزت منظمة كفى على ضرورة إقرار قانون لمكافحة التحرش. وقد تم إقرار القانون في ديسمبر 2020، إلا أنه لم يكن خاصاً بالعنف ضد النساء كما طالبت المنظمة".

وتسهم القوانين الحالية في لبنان، بحسب المحامية في كفى، "في تعزيز سلطة الرجل على حساب المرأة في أماكن العمل والأسرة، مما يؤدي إلى التمييز والعنف، بما في ذلك التحرش".

وتضيف: "على الرغم من صدور قانون مكافحة التحرش منذ حوالي 4 سنوات، فإن الشكاوى المقدمة قليلة للغاية، ويرجع ذلك إلى عدم الاعتراف بوجود ظاهرة العنف ضد النساء في لبنان لعدم وجود إرادة جادة من السلطات التشريعية لحمايتهن".

وفي ظل الأزمة الاقتصادية، وعلى الرغم من أن قانون العمل يحظر التمييز، لا تحصل العديد من النساء وفقاً للحاج "على فرص عمل بأجور ملائمة، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية. كما يتعذر عليهن الوصول إلى مراكز صنع القرار ما يثبت عدم تطبيقه".

ويسعى تجمّع نقابة الصحافة البديلة إلى إدراج مواد في قانون الإعلام لحماية الصحفيات في بيئة عملهن، بهدف تحسين وتطوير قانون شامل يشمل جميع وسائل الإعلام.

وفي هذا السياق، تشير مفرج إلى أن "تقدم العمل يتأخر بسبب الأولويات الأخرى، مثل الضغوطات المتزايدة نتيجة للأوضاع في غزة، ومتابعة الزملاء العاملين في جنوب لبنان، بالإضافة إلى متابعة قضية من قتل منهم أثناء عمله هناك".

وعلى الصحفيات ألا يكتفين بالشكوى، كما يشدد القصيفي "بل عليهن التحرك وأن يكون لهن حضوراً فاعلاً، وإذا كان لديهن مطالب محقة لا أعتقد أن أحدا يستطيع الوقوف في وجههن".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".