Followers of Shiite cleric Muqtada al-Sadr celebrate holding his posters, after the announcement of the results of the…
يتشبث مقتدى الصدر بموقفه بتأسيس حكومة أغلبية في العراق، رافضا التوجه إلى حكومة توافقية

بعد سلسلة من الهجمات المركزة على نتائج الانتخابات وعلى التحقيقات في محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وإثارة الشبهات حول حقيقة ما تعرض له، والغمز من قناة جهاز أمني قريب منه والإيحاء بأنه قام بإخفاء أدلة تعيق عمل المحققين في قضية محاولة الاغتيال، هذا الهجوم الذي ترافق مع تحريك ماكينة إعلامية عملت على الترويج لفكرة "المسرحية والشبهات"، وكادت أن تؤثر على الرأى العام، جاء الرد الذي وضع النقاط على الحروف من زعيم التيار الصدري حول التحقيقات في محاولة الاغتيال، والذي تزامن مع توقيف مسؤول في وزارة الداخلية بتهمة إزالة بعض الأدلة المتعلقة بمحاولة الاغتيال، إضافة إلى كلام صادر عن مقربين من الكاظمي بأن هناك أدلة وصورا ستنشر قريبا، الأمر الذي يعزز الاعتقاد سياسيا بأن محاولات التسوية ما بين الفائزين والخاسرين تراجعت إلى ما دون الصفر.

فالتلويح بعامل الأدلة الجنائية التي ستساعد في  الكشف عن المتورطين في محاولة الاغتيال، وفي هذا التوقيت ليس إلا دليل على فشل المشتبه بهم بمحاولة الاغتيال في انتزاع تسوية ترضيهم، إذ كانت هناك شكوك لدى عدة أطراف بأن التباطؤ في التحقيقات، كان الهدف منه التوصل إلى مساومة ما بين المعنيين يتم من خلالها تجنيب العراق أزمة سياسية وأمنية قد تتسبب بفوضى أمنية وعنف. لكن تصرفات الأطراف المهزومة ومحاولتها القفز فوق نتائج الانتخابات وإصرارها على مطالبها غير الدستورية، والتعامل باستهتار مع محاولة الاغتيال، دفع بالطرفين المعنيين الصدر والكاظمي إلى الرد على الهجوم بهجوم مضاد، والتمسك بالآليات الدستورية وبالوقائع الجنائية وعدم تجاوزهما.

هجوم الصدر أشبه بقرار حماية النتائج أولا، وتحذير أي طرف قد يحاول الالتفاف على فوزه، وقطع الطريق على اللعب بورقة المستقلين، خصوصا أن ضغوطا كبيرة مورست من أجل ان تكون التسوية على حسابهم. لكن الصدر الذي التقى بعدد منهم، وضع حدا لعدة احتمالات من أبرزها تشكيل كتلة أكبر، وتصفية بعض المستقلين أو إخراجهم من المجلس بذريعة العد اليدوي. واستكمل الصدر هجومه المضاد ودعا الأطراف المهزومة إلى مراجعة أنفسهم والإذعان للنتائج من أجل الشعب  الذي يتطلع إلى حكومة أغلبية وطنية".

حكومة الأغلبية التي دعا إليها زعيم التيار الصدري هي الضربة الأكثر قساوة على المستوى السياسي الشيعي، حيث قطع الطريق على حكومة توافقية لا تراعي نتائج الانتخابات، وخيّر خصومه ما بين أغلبية تحكم وأقلية تعارض، هذا الطرح يفرض على أي طرف، أكان في الموالاة أو في المعارضة، أن يتصرف وفقا لحجمه الانتخابي، وهذا ما يجعل من الصدر صاحب الكلمة الفصل في الموالاة أو في المعارضة، ويجعل الطرف الذي قد يلجأ إلى أساليب معارضة غير تقليدية أن يكون في مواجهة الدولة.

فما بين الدولة واللادولة أحرج الصدر الجميع في قضية محاولة الاغتيال، فهو على ما يبدو ذاهب في الضغط على خصومه حتى النهاية، ويستغل فشلهم الانتخابي وخطابهم الاستراتيجي لكي يفرض شروط اللعبة، فإذا كان الكاظمي هو المرشح الأقرب إلى الصدر لتولي منصب رئاسة الوزراء، فإن محاولة  الاغتيال والتحقيقات ستوفر عليه نصف المعركة في اختيار رئيس الوزراء المقبل. وإذا كان هناك مرشح آخر، فإن الجهة التي ستكون متهمة بمحاولة الاغتيال ومن سّهل ومن حرض لن يكون لهم دور في اختيار رئيس الوزراء.

في قراءة توقيت هجوم الصدر المضاد، وخياراته في تشكيل حكومة أغلبية، من أغلب الكرد وبعض السنة، وتمريره رسالة إيجابية للمجتمع الدولي عبر إشادته بالإحاطة التي قدمتها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، لمجلس الأمن الدولي، ووصفها بأنها "تبعث الأمل" وإنها "توصيات أممية جيدة"، رسالة إلى الداخل والخارج القريب، بأن العراق لم يعد معزولا ولا يرضخ لشروط لاعبين محددين كانوا في السابق يملكون القدرة على فرض التسوية التي تناسبهم.

بناءا على ما تقدم يمكن القول إن الصدر يقول ما يريد وإن هناك طرفا يرى ما يريد، وما بينهما تسوية باتت صعبة ومواجهة نتائجها قاسية، وفي رقعة الشطرنج العراقية الآن هناك طرف قادر على القول "كش ملك".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.