آينا موتسنتس رائدة في مجال أبحاث السرطان
آينا موتسنتس رائدة في مجال أبحاث السرطان

جهزت نفسي في يوم المرأة العالمي لكتابة ما يليق من سطور سنوية تحيي المرأة ونضالها من أجل حقوقها، وفتحت صفحتي على الفيسبوك ليقوم الموقع نفسه بعرض ما كتبته في مثل هذا اليوم خلال السنوات الماضية.

كنت قد كتبت سابقا عن نصفي الأفضل، ليلى. زوجتي وشريكتي في كل تفاصيل الحياة، هي فعليا مناضلة، وآخر نضالاتها الشاقة كانت معي انا شخصيا وهي تنزع من داخلي رواسبي المشرقية النزقة وتجهد نفسها للحفاظ على قيمنا الثقافية المتعددة في أسرتنا الصغيرة.

ومرة كتبت اني فخور بأني "أبو بترا"..صغيرتي التي ابتهلت صادقا ان تكون بنتا في أول أيام حمل زوجتي، فكانت، وحملت اسمها غير آبه أن تحمل اسمي لكنها تحمل بهجتي أينما كانت خطواتها.

لم تعجبني فكرة إعادة نشر ما كتبت عن زوجتي وابنتي، وانتبهت أني في عالمي الصغير محاط بالمرأة وقد تمثلت بهما.

حسنا..فكرت أكثر، وحاولت التكلف والتصنع بخلق نص مبهر، وخلال عملية التداعي الذهني مرت في بالي كثير من النساء التي عرفت ولا أزال أعتز بمعرفتهن، وقد تعلمت منهن الكثير، ولا أزال. 

النماذج كثيرة ومتعددة الجنسيات والثقافات والهويات، كلهن بلا استثناء كان لهن أثر في عملية تكويني "المستمرة بطبيعة الحال".

لست "نسويا" بالمعنى العصري للمفهوم، عندي تحفظات هائلة على الحركة النسوية الحديثة التي أراها جزءا من سياق تطرف ثوري يحمل عنوان "الصوابية السياسية والاجتماعية"، المفارقة أنى متأثر بآراء زوجتي في ذلك، فهي معترضة على كل هذا التطرف "العصري" الذي تراه هي تشددا منفرا.

طيب..

سأختار هذا العام، شخصية لم ألتق بها - للأسف- فقد عرفت عنها ودرستها "عن قرب" بعد وفاتها بسنوات، وهي بعيدة عن كل ما يخصني شخصيا من جغرافيا وثقافة وبيئة، وأعني هنا البروفسورة العالمة اللاتفية "آينا موتسنتس".
غالبا ما يكون نموذج ماري كوري حاضرا عند استحضار علماء من السيدات، وهو نموذج مشرف بلا شك، لكن العالم لم تختف منه النماذج التي لا تقل مجدا وألقا مثل ماري كوري.

في عام ٢٠١٢، تم التواصل معي من جمهورية صغيرة على بحر البلطيق اسمها لاتفيا، للعمل معهم ضمن فريق ترويج استراتيجي وكنت متخصصا بتسويق تلك الجمهورية في العالم العربي.

في الأسبوع الأول، كنت أستكشف لاتفيا، وكان هناك حديث كثير مليء بالفخر عن عالمة من ذلك البلد الصغير، يكن لها اللاتفيون احتراما شديدا.

زميلتي، وصديقة الأسرة فيما بعد، "ديانا أوتيسون" - وهي من السيدات التي تعلمت منهن معرفة كثيرة في حياتي- كانت تحدثني كثيرا عن البروفسورة آينا، تلك التي شاركت في الحرب العالمية الثانية كممرضة تداوي الجرحى فصممت امام كل ما رأته من مآسي ان تكمل دراستها بعد الحرب في مجال الطب، ثم تخصصت كعالمة باحثة في علوم الفيروسات.

أكملت "آينا" دراساتها في الطب وعلوم الفيروسات، ووصلت حدا في الجهد العلمي والبحوث المخبرية إلى حد اكتشافات مهمة في علوم العلاج الفيروسي، وهي كانت من رواد تلك المنهجية في العالم.

ولأن لاتفيا كانت من الدول التي تقع تحت احتلال الاتحاد السوفييتي، فقد كانت أبحاث البروفسورة مغلقة وتحت رقابة صارمة.

أخذتني "ديانا" إلى غابة كثيفة من غابات لاتفيا لأعاين بنفسي بناءا سوفيتيا قديما مخفيا بين الأشجار الكثيفة، كان هذا المبنى هو المختبر الذي خصصته السلطات الحديدية للبروفسورة وفريقها، وفيه تم اكتشاف فيروس قادر على الفتك ببعض أنواع الخلايا السرطانية.

على مسافة ليست بعيدة في الغابات، كان هناك ضريح وقبر البروفسورة، وعلى شاهد القبر كانت كلماتها التي أوصت بنقشها: يا علماء العالم..اتحدوا من أجل البشرية.

اليوم، وفي يوم المرأة العالمي، أتذكر تلك السيدة التي نذرت نفسها للعلم، فانتهت إلى اكتشاف علمي مهم في العلاج الفيروسي، تم تسجيله بعد استقلال لاتفيا أول التسعينيات من القرن الماضي كعلاج معتمد باسم "ريغفير".

دوما أتذكر تفاصيل كثيرة مما سمعته عنها فأجدني متأثرا في حياتي بتصميمها وإرادتها الصلبة التي كانت تتماهى مع رقتها الإنسانية التي حفزتها للعمل من أجل تخفيف آلام الناس، فوضعت الدواء واكتشافاتها العملية قبل وفاتها تحت وصاية جمعية غير ربحية وخيرية.

تستمر التداعيات في خاطري لتوصلني إلى المؤسف من مشاهد اليوم في تلك المنطقة من العالم، حيث كانت البروفسورة تناضل من أجل علمها تحت ستار فولاذي صارم وقاسي، فأراقب الحرب ومأساتها في أوكرانيا المجاورة للاتفيا، وأتذكر حروب عالمنا العربي التي كانت النساء أكثر ضحاياها بؤسا ومعاناة.

في يوم المرأة العالمي، نتذكر هؤلاء اللواتي جعلن عالمنا أفضل، لا لأنهن نساء فقط، بل لأنهن مؤمنات بإنسانيتهم المكتملة، لا أكثر ولا أقل.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.