هل ستكون حرب أوكرانيا مجرد كابوس رهيب للخطر القادم؟
هل ستكون حرب أوكرانيا مجرد كابوس رهيب للخطر القادم؟

العالم يحبس أنفاسه، توتر وقلق متزايد من تصريحات لفلاديمير بوتين حول استراتيجية روسيا للردع، من شأنها أن تمثل تهديدا خطيرا بقيام حرب نووية، في حالة تدخل الغرب في حرب روسيا ضد أوكرانيا.

في مثل تاريخ اليوم، 30 أبريل 1945، أقدم الزعيم النازي أدولف هتلر على الانتحار، بعد أن تناول كبسولة سم السيانيد وأطلق النار داخل فمه.

عندما "سمع دوي إطلاق الرصاص، وجد هتلر وزوجته إيفا براون جثتين هامدتين، كانت إيفا حافية تجلس على الأريكة، وقد وضعت قدميها على هتلر، وأسندت رأسها على كتفه. وقد قضمت كبسولة سيانيد البوتاسيوم عالي السمية. أما أدولف فقد كان جالسا على الأريكة مسندا رأسه إلى ظهر الأريكة، وفمه معوج وبه بقايا كبسولة السيانيد، وفي جانب رأسه الأيمن، كان هناك ثقب أسود تسيل منه الدماء. كانت يده اليسرى موضوعة على قلبه وتمسك بصورة أمه، التي احتفظ بها لمدة خمسين عاما. أما يده اليمنى فقد تدلت بلا حراك، بعد أن سقط على الأرض المسدس الذي استخدمه في الوقت نفسه مع السم".

هكذا جاء في الحكاية قبل أكثر من سبعة عقود، عن رجل اقترنت نهايته بنهاية الحرب العالمية الثانية، فبعد يومين من انتحاره استسلمت برلين، لتمضي الأحداث قدما باتجاه أعياد "النصر" وعودة السلام في الثامن والتاسع من مايو 1945.

لكن كيف يا ترى سيحكى عن نهاية الحرب العالمية الثالثة التي تلوح الآن في الأفق؟  

لقد أخبرتنا كثير من الإنتاجات التخييلية أن إبادة العالم ستكون على أيدي كائنات فضائية ستغزو الأرض، لكننا نواجه اليوم كائنات هي من صلب الأرض ومن طينها، تعيش على أديمها وتتنفس تحت سمائها…

كما قيل إن نهاية الحياة على الأرض، قد تكون بسبب اصطدامها بمذنب سماوي، وأن العلماء يعملون على توجيه تلك المذنبات خارج فضاء كوكب الأرض. كما أنه منذ أعوام أخذت مخاوف العالم تشتد من خطر الاحتباس الحراري، ولتفادي ذلك تنجز أبحاث علمية، وتعقد قمم حول المناخ.

هذا، ناهيك عن القصص والنبوءات التي تتكلم عن "آخر الزمان"، وتزخر بها الأساطير، عن "يأجوج ومأجوج"، والمسيح الدجال، وعودة المهدي المنتظر. فالنهاية محتومة، والقيامة "آتية لا ريب فيها".

ربما، لن يكون هناك من سيحكي، ولا من سيوثق ما جرى، ولا من يحزنون. لذلك علينا أن نقرأ من الآن تلك النهاية المتوقعة قبل حدوثها. ولا بد من تفاصيل "اليوم الأخير"، فكما يقال "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ويقتضي السياق هنا القول بأن "الحرب تكمن في التفاصيل"، فلكل حرب شياطينها التي تصب الزيت على النار، والنيران قد لا تأتي من العدو فقط، بل تكون آتية أحيانا من جهة مؤتمنة، وبذلك استحقت الوصف الإعلامي: "نيران صديقة".

في العقود الأخيرة، ونتيجة أهوال الحاضر العربي، الغارق في قساوة الاستبداد وتراكم الاضطرابات والإحباطات، جنح بعض الأدباء العرب (خاصة من مصر والعراق)، جهة ما يسمى بـ"أدب الديستوبيا"، بكتابة روايات تتحدث عن الشر المطلق ومآسي الشمولية والقمع والقتل، وتورط البلاد والعباد بين براثن المسخ والدمار.

هذه الأعمال السردية تندرج ضمن "أدب نهاية العالم" المنتشر في الغرب، وقد أضحت له كلاسيكياته، حيث يتنافس كتاب الخيال العلمي ومخرجو أفلام الرعب على إبداع عوالم متخيلة مليئة بالسوداوية والعنف، إلى حدود قصوى من الفوضى المرعبة والمشؤومة، حيث يبنون عوالم تلتقي عند "اليوم الأخير" الذي سيجلب نهاية العالم. وبتعبير آخر "يوم القيامة". وبعد انتشار وباء كورونا زادت شعبية الكتب والأفلام التي تتحدث عن موضوع الأوبئة، ومثل هذه الروايات والكتب والأفلام تحظى عادة بإقبال ملحوظ من الجمهور يصل حد الافتنان، إلا أنه افتنان وهوى لا يتمنى أصحابه العاديون حدوثه.

لكن هل ما يتفتق عنه خيال هؤلاء "الدياسبوتيين" مطابق لحقيقة المشهد المتوقع، أي نهاية العالم؟

بما أن الرئيس الروسي هو من يهدد اليوم باستخدام السلاح النووي، فهل سيكون هو من سيضغط أولا على الزر المعلوم؟ أم أن آخرا من دولة نووية عدوة لبوتين ولبلاده؟

ولنتصور أن جنون بوتين كان الأسبق ودفع به إلى فعلها.

لا شك أن القيصر الحالي لروسيا سيظل محافظا على هدوئه ومظهره الواثق، كعادته. ربما في الليلة الموعودة تزوج بإحدى خليلاته، لإنهاء لقبه كـ "أشهر عازب في عالم السياسة"، منذ انفصاله عام 2012 عن "مضيفة الطيران" السابقة، والدة ابنتيه.

فهل سيفاجئ الزعيم الروسي محيطه القريب بدعوته لهم لحفل عقد قرانه على عشيقته السرية، وهو الرجل السري الأول، خريج أحد أكبر الأجهزة السرية في العالم (الكا.جي.بي)؟

هل سيكون حفلا استثنائيا، تحت أزيز الحرب الطاحنة في الجبهة الأوكرانية؟

هل ستعزف إحدى سمفونيات موزار التي يحب سماعها في أوقات فراغه، كما حكى مرة؟

بل متى كانت لهذا الرجل أوقات فراغ؟

هل سيوزع القيصر الأحمر الهدايا والورود مع الشوكولاته على ضيوفه، كما فعل الفوهرر الألماني ليلة انتحاره، قبل خمسة وسبعين سنة، عندما اقترن، قبل ساعات معدودة، بعشيقته إيفا براون وهو في أبهى حلة؟

هل سيكون أقنع العشيقة - الزوجة بالذهاب معا لقضاء "شهر العسل" في العالم الآخر، قبل انهيار العالم؟! وهل سيمنحها حظ إشراكها معه في الضغط على الزر المعلوم؟

هل سيعمد إلى ترك "صورة إيجابية ومثالية"، أو وصية، ساعة النهاية؟

لكن لمن سيتركها؟ وما الفائدة؟

لا يمكن لبوتين أن ينتحر بسم السيانيد، أو بإطلاق رصاصة في فمه أو على صدغه، ما دام سيفتح فوهة الجحيم على العالم بأكمله، وهو يتمتم مع شاعرنا العربي: "فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدى"... لكن لا صديق ولا عدو سيبقى بعدها.
- لكن يا سيدي الرئيس فلاديمير بوتين ليس العالم كله من أعدائك…

لا داعي للاستعطاف، إن الرجل يعرف أكثر من ذلك.

سيجيب أنه يدافع عن كرامة الوجود لشعبه ولأبناء قوميته، ولكن ما دامت أحلامه وأهدافه لم تتحقق، فالعالم يمسي كله عدوا لا بد من مسحه.

لكن هل بوتين وحده من يتحمل مسؤولية خراب العالم ونهايته؟

أم أن هناك من تسبب وساهم في ذلك، عن قصد أو غير قصد، لا يهم،  فبصمات أصابع عديدة واضحة على ملمس الزر الذي سيفجر العالم.

وفي الاستعطاف، شاهدنا الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريس، وهو يتجول بضواحي كييف، حيث استمع لاتهامات بالجملة للروس، بارتكابهم فظاعات خلال احتلالهم المنطقة في مارس الأخير. رفع المسؤول الأممي رأسه صوب مبنى حطمه صاروخ، وقال: "أتخيل عائلتي في أحد هذه المنازل، أرى أحفادي يركضون مذعورين. الحرب عبثية في القرن الحادي والعشرين، أي حرب غير مقبولة في القرن الحادي والعشرين".

هي الحرب يا صاح، كانت دائمة متأججة، لا تخضع للترقيم المعروف، ولا كلام صحيح عن هدنة ثبتت. حرب عالمية ثالثة بالباب؟! بلى، فمنذ كان هذا العالم سرت في أوصاله وشرايينه دماء الحرب. لقد دشن قابيل الحرب بقتل أخيه هابيل، ولم يتوقف الدم مطلقا بعدها. لذلك فالسلم والسلام مطلب عزيز المنال، مهما ركض الناس الخيرون لتحقيقه. وعندما تتوقف الحرب، تحافظ دائما على حضورها من خلال وصفها الميداني، تتمترس خلف لافتات "الحرب الباردة"، أو الحرب الإعلامية، أو ما يطلق عليه "الحرب الناعمة". كأن حياة البشر لا تستقيم من دون حرب وعنف وقتل ودماء. حروب طويلة بلا حصر، حرب تلد أخرى، ولم ينجح البشر في الانتصار على حروبهم بصورة سلمية مستمرة. رغم أن ذلك في متناول اليد، لو تحولت معامل الأسلحة ومختبرات الإبادة البيولوجية والدمار النووي، إلى معامل ومختبرات للقضاء على الأوبئة والأمراض والإرهاب والجوع والفقر والأمية، التي تنهش العالم وتهدد ساكنته بالفوضى الدائمة المفضية إلى سبل الخراب العظيم.

هل فات الوقت الذي يجب أن تنقلب فيه الحروب العالمية، إلى حرب ذات طبيعة ثقافية وحضارية، كما كتب المفكر المغربي المهدي المنجرة في أطروحته التي بعنوان: "الحرب الحضارية"؟.

في عز جائحة كورونا، في 2020، حذر المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، مما تنتظره البشرية ما بعد "الكورونا"، مشيرا إلى أن العالم في سباق نحو حافة كارثة مرعبة. ولم ينس الحديث عما يتهدد البشر من خطر تزايد تهديدات الحرب النووية ومخاطر الاحتباس الحراري.

وفي حوار تلفزيوني أجري معه في نفس العام، تحدث تشومسكي عن "فكرة أن مصير البلاد والعالم في أيدي مهرج ومعتل اجتماعي مثل دونالد ترامب، هو شيء مروع"، بثلاثية تهديد، تتمثل في الحرب النووية، والاحتباس الحراري، وتدهور الديمقراطية.

واليوم، وقد راح دونالد ترامب وخلفه جو بايدن، هل لا زال ترامب هو المروع والمهرج والمريض الوحيد الذي يهدد العالم بالكارثة العظمى؟

إن "الحرب العالمية الثالثة" اسم خاطئ، بل هي "الحرب العالمية الأخيرة" التي لن تجد من يدونها ولا من يوثق أضرارها، إذا ما تم تنفيذ السيناريو المرعب بتدمير الحياة البشرية على الأرض، بواسطة حرب نووية بيولوجية إلكترونية مبرمجة وعالية الدقة.

ويظل السؤال العريض حول مستقبل بقاء البشرية: هل اقتربنا من نهاية العالم؟ وهل أخطأ عالم الكونيات والفلك البريطاني، مارتن ريس، لما صرح سنة 2003: "أعتقد أن احتمالات بقاء حضارتنا الحالية على الأرض على قيد الحياة حتى نهاية القرن الحالي لا تتجاوز الخمسين في المئة".

أليس هذا ما أكده، جاك أتالى، (مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران)، لما قال: "إن ما يشهده العالم معد مسبقا وبدقة، لتغيير ملامح وحدود العالم التي رسمت منذ قرن من الزمان، ويذهب لأبعد من ذلك بترجيح فرضية اندلاع حرب عالمية ثالثة".

وهل ستكون حرب أوكرانيا مجرد كابوس رهيب للخطر القادم، سيجتمع عقلاء العالم للاتفاق على تفاديه وتجنب أهواله.

أم سيصيب العمى فجأة جميع ساكنة العالم، وفي المقدمة قادته الكبار، وتحين الساعة، كما  كتب البرتغالي، جوزيه ساراماغو، صاحب جائزة نوبل 1995، في روايته "العمى". لنصل إلى الموعد الذي تحدث عنه الطغاة، بكون استبدادهم أزلي "إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".

إنه العمى الفكري، الذي تحدث عنه ساراماغو، في نهاية روايته المذكورة، لما تقول البطلة: "لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون".

لا نتمنى أن يكون الوضع الحالي ينضوي تحت حكم: "الثالثة ثابثة". فلا شيء سيبقى ثابتا بعد الفناء.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.