الاتحاد الأوروبي
تبنى النواب الأوروبيون تدابير واسعة النطاق لتعديل سياسات اللجوء- تعبيرية

يتصل بي صديق بلجيكي من أصول مشرقية ومن المقربين لي ولأسرتي اليوم، ليخبرني بهلع وذعر عما تعرضت له طفلته -وهي في الحادية عشرة من عمرها- من إرهاب حقيقي من قبل أقرانها في الصف المدرسي الذي تدرس به.

القصة ببساطة، (وهي بساطة مرعبة لا ينتبه إليها أحد وهذا مرعب أكثر)، أن طفلته الصغيرة والبريئة منضمة إلى مجموعة "واتس أب" تجمع أولاد صفها والمجموعة تحمل اسم الصف والشعبة، فقط هكذا ببساطة، ويقرر أربعة طلاب وطالبات من عائلات مسلمة ان يغيروا اسم المجموعة إلى مجموعة إسلامية، مع صورة مرافقة تحمل كلمة "حلال"، أمام صمت باقي الأطفال في المجموعة الذين آثروا ذلك الصمت والكثير من الاستغراب، ابنة صديقي (وهي من عائلة غير مسلمة)، اعترضت على هذا التصرف، متسائلة عن أسبابه، لتتلقى سيلا من الشتائم الجارحة والتي تصاعدت مع الحوارات بينها وبين الأربعة فقط (والباقي صامت يقرأ ويراقب بخوف)، لتصل إلى حد تهديدها بالضرب المبرح ووصفها بالكافرة التي تستحق العقاب!

صديقي، الذي كان جريئا في مواجهته ولم يلتزم الصمت ومارس واجبه كوالد يدرك مسؤولية حماية ابنته من الرعب الذي تعرضت له، فتوجه للمدرسة مهددا باللجوء إلى السلطات، المدرسة بدورها أبدت انزعاجها ووافق صديقي – على مضض- قبول اعتذارات الطلاب الصغار، مع اعتذارات أهالي الأطفال "الذين مارسوا الإرهاب" وقد سلموها للمدرسة عبر الهاتف فقط.

صديقي وهو ذو عقل وازن جدا، أخبرني أنه أنهى رعب ابنته، لكن رعبه هو الذي بدأ من مستقبل قاتم بدأ يتلمسه في مهجره الذي بالكاد اندمج فيه مجتمعيا واقتصاديا، وبدأ يفكر مع زوجته بهجرة جديدة إلى بلد أوروبي جديد! وقال لي إنه قبل اعتذار الأطفال لكنه قلق إن كان اعتذارهم صادقا ويحمل فعلا شعورا بالأسف، يقضي على ما تم غرسه فيهم من أفكار إقصائية متطرفة، متمنيا – كما قال لي- أن لا يكبروا ويكبر هذا التطرف معهم لينتهوا قنابل موقوتة قابلة للانفجار في المستقبل.

ما حدث هنا هو الإرهاب بعينه.. فالإرهاب ليس قنابل وتفجيرات ودماء مسفوحة وحسب، بل إن تحقيق حالة الرهبة والرعب كافية لقيام أركان العملية الإرهابية، ونحن هنا نتحدث عن أطفال، ليسوا مسؤولين بالطبع قانونيا عن أفعالهم، لكن ما تم غرسه في داخلهم من أفكار مسمومة وإقصائية هو بالضبط مشاتل الرعب القادم في أوروبا، ولا ننسى أن معظم العمليات الإرهابية التي عانت منها أوروبا وخصوصا بلجيكا وفرنسا كانت من أجيال ثانية وثالثة لعائلات هاجرت، يعني انها ولدت ونشأت في مهاجرها الأوروبية!

هذه الحادثة على بساطتها تلخص عشرات الحكايات التي عايشتها شخصيا في موضوع الاندماج عند الجاليات العربية ـــ المسلمة في أوروبا، ومئات القصص التي يعيشها الجميع في أوروبا عموما، وهي قصص وحكايات تؤكد بلا شك أن المشكلة دوما تكمن في انغلاق العقلية العربية ـــ "الإسلاموية" أمام "الآخر" ووجود الإيمان حد اليقين الراسخ عند كثير من المسلمين بأن البشرية مقسومة إلى قسمين، مسلمين اصطفاهم الله عن باقي البشر، وباقي البشر!!

في غالبية دول الغرب الأوروبي، هناك تشريعات وقوانين لقبول الهجرة من المهاجرين أيا كانت خلفياتهم العرقية او الدينية، ومن أول تلك المتطلبات القانونية الالتحاق ببرامج الاندماج الاجتماعي في الوطن الجديد، وهي برامج مجانية تنفق عليها تلك الدول ويدعمها الاتحاد الأوروبي كذلك، وتتلخص عموما بمحاضرات دورية يراعى فيها وقت الوافد الجديد بل ويتم تقديمها حسب لغة هذا المهاجر الجديد، ويتم فيها شرح كامل الحقوق التي عليه والواجبات المنوطة به مع توضيح للبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذا الوطن الجديد، المشكلة في تلك الدول أن غالبية الوافدين من الدول العربية من المسلمين لا يندمجون، وسرعان ما يبحثون عن تجمعات سكنية متلاصقة تشكل أحياء خاصة بهم، يتكاثرون بها وبعد سنوات (مثل السنوات التي نعيشها الآن) يبدؤون بمحاولات فرض قوانينهم "الشرعية" في بلاد قبلتهم بلا شروط مسبقة.

إن مشكلة الاندماج في أوروبا ليست مشكلة مهاجرين غرقوا بفكرة "المقدسات" وحسب، بل هي أيضا مسؤولية الدول التي "قدست" القانون أكثر من اللازم فصارت الورقة أو الوثيقة أهم من الفكرة أو القيمة.

المعادلة لا تستقيم بدون توازن طرفيها، فالعربي بحكم ثقافة الخيبة التاريخية التي شكلت لديه عقدة الاستعلاء الديني الواهمة في داخله هو عادة منغلق على نفسه وللإنصاف فهذا يقابله مزاج أوروبي صعب يقيده الحذر في تقبله للقادمين الجدد إليه، مزاج تحكمه الشكوك، وإرث طويل من رواسب عقد التفوق التي كنا نعتقد أنها بدأت تنحسر وأنها وجودها سيبقى محصورا في جيوب يمينية محدودة، لكن اليمين الأوروبي الشوفيني والإقصائي أيضا بدأ يكبر وينمو ويتسع، وصار حضوره لافتا بل شرعيا عبر أحزاب تمثله وتنجح في صناديق الانتخابات، ولعل ما شهدناه من مشاهد سقوط أخلاقي وقيمي على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا ومع استقبال اللاجئين من أوكرانيا يعطي ملامح مفزعة لبدايات سقوط منظومة القيم الإنسانية التي بنتها أوروبا بمشقة بعد حربين عالميتين كانت كلفتهما ضخمة على كل شعوب أوروبا.

اليمين الأوروبي ليس دينيا بمجمله، ولا يستند على فكرة المقدس الديني لإقصاء الآخر، ومكمن خطورته أنه شوفيني قومي متعصب، وينمو ويتغذى على كراهية هي ذاتها وقود الطرف الآخر القادم بكل موروثه الديني الثقيل معتقدا حد اليقين أنه خليفة الله في الأرض، ويقسم الكوكب إلى دار كفر ودار إيمان، ومهمته أن يجعل الكرة الأرضية بمجملها سجادة صلاة مضبوطة تماما على قياس معتقداته.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.