زواج صورة
لبنان.. حملة شديدة على عدد من النواب لإعلان دعمهم للزواج المدني.

كان مستغرباً كيف غفل رجل الدين عن هموم اللبنانيين المعيشية كانقطاع الدواء مثلاً، وانبرى ليتهجم بحماس على النواب السنة الجدد ممن يعرفون بالتغييريين؛ فصبّ جام غضبه عليهم لأنهم صرّحوا خلال حملتهم الانتخابية أنهم مع الزواج المدني، الذي يشوّهونه ويجعلون منه تشريعاً للزنى وزواج المحارم.

بدأت الحملة على هؤلاء النواب، السنّة، منذ ما قبل الانتخابات، لتكفيرهم ومنع الناخبين المحافظين من الاقتراع لهم. لكنهم انتُخبوا مع ذلك.

لم يقل النواب الجدد في مقابلاتهم أن أولى أولوياتهم شرعنة الزواج المدني في زمن الانهيار العميم، فأشاروا إلى الأولويات التي تهم المواطن وتحمي الدولة من التدهور، ولم لا! الاهتمام بالتشريعات التي تلبي طموحات الأجيال الشابة من غير الطائفيين، بما فيها الزواج المدني!!

حجة رجل الدين في محاربته لهم، بدل محاربة الفاسدين من حوله، زعم انهم: "نجحوا باسم المسلمين يعني ممن تسلطوا على الإسلام". مستعيداً فتوى المفتي قباني الذي سبق ان كفّر من يتزوج مدنياً، فأهزق دمه.

ليسمح لنا سماحته التنبيه أن النواب لم ينجحوا باسم المسلمين، بل نجحوا لأن مسلمين اختاروهم لتمثيلهم. وهم لم يُنتخبوا فقط من مسلمين، بل من مختلف الطوائف الموجودة في دائرتهم. فهم لا يمثلون المسلمين حصراً، بل يمثلون جميع اللبنانيين دون تفريق بحسب الدستور.

غريب أمر العواصف التكفيرية التي يثيرها بعض من رجال الدين تجاه الزواج المدني، كما سبق وحصل مع الوزيرة الحسن عام 2015 عندما أبدت "استعدادا" للاهتمام بالموضوع!

غريب أمر تدخلهم في مسألة تتصل بجوهر حقوق المواطن كفرد وجوهر الكرامة الإنسانية على السواء. يفرضون التعامل مع المواطن، من منظار طائفي وكناقص الأهلية وعاجز عن اتخاذ قرارات مصيرية كالزواج. خصوصاً بعد ثورة 17 أكتوبر التي عبرت عن رفض الأجيال الشابة منطق الطوائف ورفض ربطها بحبال الطائفة الغليظة وتحكمها بهم لتنتقص وتمحي انتماءهم الوطني الجامع.

إن إلزام المواطن بأن يولد ويعيش ويموت تحت سلطة الطائفة، والرجال الممسكين بزمامها، وتقرير صحة إيمانه من شأنه أن يطرح شرعية احتكار الطوائف لتمثيل المواطن والدين الحق معاّ.

وهذا ما انبرى لرفضه، بشجاعة، مجموعة من طلاب وخريجي مدارس الشريعة، الذين شاركوا في ثورة 17 أكتوبر، فأصدروا بياناً للرد على الشيخ، معلنين رفضهم إقحام الدين في معركة تحجيم نواب قوى التغيير لحماية القوى البيروتية الفاسدة باسم محاربة الزواج الدني. مؤكدين أنه موضوع يقحم في كل مرة في سياق سياسي ووفق مصالح أهل النفوذ. والأهم انهم أكدوا أنها "مسألة لا تعني المسلمين لا من قريب ولا من بعيد، ولا ينبغي للمسلمين أن يتصدّوا لها وأن يعارضوها، ما دام حقّهم هم محفوظاً في الاحتكام إلى المحاكم الشرعيّة". مشددين على أن التشريع في المجلس النيابي ليس للمسلمين والمسلمين الملتزمين فقط، بل لعموم اللبنانيين. ولا ينبغي أن يستخدم الإسلام الذي يتبنى قاعدة أن "لا إكراه في الدين" كأداة إكراه على سائر صنوف المجتمع اللبناني.

منبهين أن استمرار المرجعيات الدينية الإسلامية في إدارة الشؤون على هذا النحو سيتسبب بارتفاع صوت معارضة علنية للجيل الجديد.

أُدخل في العام 1990 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتّحدة في صلب الدستور اللبناني الذي ذكر في مقدمته أن لبنان يلتزم مواثيق الأمم المتّحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجّسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. وتنص المادة الثانية على أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء". والقانون الدولي يعلو على القوانين المحلية.

وأكثر ما ينطبق هذا الحق على الزواج المدني لأنها مسألة تتعلق بجوهر الحرية الإنسانية والاختيار الحر أيضا في حياة كل إنسان.

لكن السؤال، لماذا يتخذ النقاش في لبنان حول الزواج المدني هذا الشكل العنيف والذي يصل لإهراق الدم؟  

أليس لأن رجال الدين يدركون أن الزواج الذي لا تعقده المؤسسة الدينية هو بمثابة خروج المواطنين عن سيطرتهم؟ السيطرة المادية والمعنوية والسياسية والاجتماعية. هذا الخروج الذي يهدد الامتيازات التي تتمتع بها المؤسسات الدينية في لبنان، وتجعلها قوة مادية ضخمة تسمح لها بالعلاقة مع المؤسسة السياسية فتفرض بموجبها على السياسة والسياسيين حلفا غير مقدس، تؤمّن المؤسسة الدينية بموجبه حشد الجماهير استنادا إلى استثارة غرائزها الطائفية، وتجيرها لرجال السياسة، مقابل دعم هؤلاء لمطالب المؤسسة الدينية في تكريس القوانين التي تمكّنها من السيطرة على جموع السكان وابقائهم مسجونين في بئر الطائفية.

طبيعي أن تهتز أركان المؤسستان، الدينية والسياسية، عند إرساء ممارسة قانونية تعترف بحق الفرد فيتحرر لاختيار نمط حياته خارج هيمنة الطوائف. من هنا وقوف السياسيين التقليديين وبعض الصحافيين والمفكرين اليسارين أو اللاطائفيين - رغم أن كثرا بينهم وبين أولادهم أقاموا زواجاً مدنياً في قبرص - ضد تكريس الزواج المدني في القوانين اللبنانية.

علّق ساخر: قد يكون عقد الزواج في قبرص حرصاً على السياحة فيها، على ما استسهل وزير الداخلية عام 2015.

المشكلة الآن أن المواطن أصبح عاجزاً ليس فقط للسياحة، لكن عن الزواج أيضاً.

لكن البدء بإزاحة جدران مجلس النواب التي نصبت بوجه الثوار ومنعتهم من الاقتراب منه، أدخلتهم الثورة إلى البرلمان.

ربما فسحة أمل بإمكانية نجاح التغيير القادم ولو بعد حين.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.