صورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي للطالبة نيرة- فيسبوك
صورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي للطالبة نيرة

تقدم لخطبتها، لكنها رفضته. حكاية قد تتكرر عشرات المرات في عدة مناطق عبر العالم! لكنها، في حكايتنا، ستنتهي بشكل مأساوي. 

البطل في حكايتنا شاب كملايين الشباب، نشأ في مجتمع علّمه ضمنيا أن الفتاة، مهما بلغ جمالها وذكاؤها وتفوقها ونجاحها، هي، في النهاية، موضوع اختيار وقبول ورفض واختبار وتقييم من طرف العريس وأسرته؛ بينما عليها، كأنثى، أن تشعر بالفخر والامتنان إذا اهتم بها أحدهم واقترح خطبتها. لذلك، فتعرضه للرفض جعله يشعر بالإهانة! شرع في التربص بها وتهديدها.. ثم اعترض طريقها أمام مدخل الكلية. طعنها بالسكين قبل أن يذبحها... 

أمام هذا المشهد المرعب، ماذا كانت الحشود تفعل؟ كانت تتفرج وتسجل الواقعة بالهواتف "الذكية". لم يحاول أحدهم منعه أو تخليصها من بين يديه. سجلوا الجريمة... نشروها على مواقع التواصل... وانصرفوا. 

تم إلقاء القبض على المتهم الذي اعترف بجريمته... والكلية، من جهتها، اكتفت ببلاغ تصرح فيه أن الجريمة وقعت "خارج أسوارها" وأنه على مستخدمي مواقع التواصل تبيان الحقيقة قبل نشر أخبار غير صحيحة! وفقط..  

هكذا نتعامل مع جريمة عنف وتحرش وقتل مع سبق الإصرار؛ مادامت القتيلة... مجرد امرأة!

بل أن، ضمن من أدانوا الجريمة، هناك من أضاف بأن القتيلة كانت "بنت ناس ومحترمة"، وكأن أخلاقها وسمعتها كانتا موضوع نقاش، أو وكأن كونها، مثلا، فتاة خارج معايير الأخلاق المتعارف عليها، كان سيجعل من قتلها أمرا مشروعا ومقبولا!!!! 

هناك من ذهب أبعد من ذلك. من بين هؤلاء، نجد مبروك عطية، عميد كلية الآداب الإسلامية الأسبق، الذي قال، حرفيا، في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي:

"المرأة والفتاة تتحجب عشان تعيش، وتلبس واسع عشان ما تغريش (...). لو حياتك غالية عليكي، اخرجي من بيتكم قفة. لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، عشان وقتها حيشوفك اللي ريقه بيجري وحيذبحك.. يالله خليه يذبحك".

لنقلها صراحة، كل شخص يدين ضحية جريمة قتل أو اغتصاب، هو قاتل آخر يشرعن لجرائم قتل ممكنة مستقبلا! كل شخص يسأل عن ملابس الضحية وسمعتها، هو قاتل آخر يشرعن للقتل ويبرره. كل شخص أو منبر إعلامي يورد خبر القتل مع التأكيد على كون الضحية كانت بكرا أو كانت بأخلاق عالية هو شخص أو منبر يبرر القتل ويشرعنه بدافع الدفاع عن الأخلاق. 

للأسف، جرائم قتل النساء أصبحت تتكرر بشكل يُفترَض أن يقلقنا. بشكل متواتر، نقرأ عن جرائم ذهبت ضحيتها النساء بسبب "خلافات عاطفية" كما قال قاتل الطالبة نيرة. بسبب فسخ خطوبة. بسبب "الشك في سمعتها"...  والأبشع، أن نجد من يبرر الجريمة أو يجد أعذارا للقاتل. 

كيف نفسر جمود الجموع أمام شخص يطعن فتاة أكثر من مرة قبل أن يذبحها؟ كيف نفسر هذا البرود الجماعي أمام جريمة قتل يعيشونها بشكل مباشر، بل وقدرتهم على التوثيق الهاتفي، وكأنهم أمام حادث عابر؟ 

ثم، بعد قليل، سيخرج أمامنا من يقول: "حتى في الغرب، هناك جرائم قتل للنساء".

لهؤلاء نقول: وجود ظواهر سلبية أو جرائم في الغرب لا يعني قبولنا بها في مجتمعاتنا. 

ولهؤلاء نقول أيضا: في الغرب، هناك بالفعل جرائم كثيرة للعنف ضد النساء. لكن، هناك أيضا متابعات حقيقية لمرتكبي جرائم القتل والعنف ضد النساء، وهناك قوانين تحمي (رغم أنها لا تمنع من ارتكاب هذه الجرائم)، وهناك توثيق إعلامي وتنديد مجتمعي وحقوقي حقيقي بهذه الجرائم. في الغرب، لا يسائلون أخلاق الضحية، بل يدينون القاتل. في الغرب، يسمون جرائم قتل النساء: femenicide وليس "جرائم شرف". في الغرب، لا يكتب أحد، وهو يدين الجريمة، أن الضحية كانت بكرا أو أنها كانت بأخلاق عالية!

ثم، إن كنتم تبررون وجود جرائم عنف ضد النساء عندنا بكونها موجودة في الغرب؛ فلا تنسوا أنه، في الغرب، هناك حقوق للنساء، وهناك حريات فردية، وهناك حرية المعتقد، وهناك مساواة في الإرث، وهناك علمانية... أم أنك لا تستشهدون بالغرب إلا لكي تبرروا العنف ضد النساء وقتلهن؟

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.