صورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي للطالبة نيرة- فيسبوك
صورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي للطالبة نيرة

في مشهد مُروع وبشع، بل ومُرعب، قام شاب جامعي بذبح زميلته الجامعية "نيرة أشرف" بسلاح أبيض في مدينة المنصورة بمصر العزيزة. 

وقد غافل المجرم "نيرة" وانهال عليها غدرا بطعنات غائرة في أماكن متفرقة من جسدها، ولاحقها بعد ذلك حين خارت قواها بفعل طعناته. ولم يكتف المجرم بذلك فحسب بل لم يتورع عن إكمال جريمته بأن نحرها ذبحا من رقبتها بقطع طوله 12 سم وعمق ثلاثة سنتيمترات لتسقط المسكينة صريعة غارقة في دمائها، قبل أن يُمسك به بعض الأهالي ويسلموه للشرطة.

ومن الصعب وصف بشاعة ماحدث ولكنه يذكرني بآية كنت أقرؤها دائماً في القرآن الكريم ولكن لم أدرك عمقها إلا بعد حدوث هذه الجريمة البشعة وما لحقها من ردود فعل أكثر بشاعة. والآية هي: "ثُمَّ رَدَدْنَٰهُ أَسْفَلَ سَٰفِلِينَ" (سورة التين). 

فـ "أسفل سافلين" رأيته حينما قرأت تعليقات بعض "الإسلاميين" على شبكات التواصل الاجتماعي حينما قال بعضهم: "أكيد قتلها عشان أخلاقها مش كويسة"، وقال آخرون "إنتوا شايفين هي لابسة إيه" فكان كل همهم أنها غير محجبة وكأن ذلك سبباً وجيهاً لقتلها وذبحها! 

وشعرتُ حينما قرأت هذه التعليقات وغيرها من التعليقات التي تلوم الضحية بدلاً من صب اللعنات على القاتل، أن الإنسانية قد انحدرت لأدنى مستوى لها فنزلت إلى "أسفل سافلين" كما ذكر القرآن الكريم!

و"أسفل سافلين" رأيته أيضاً حينما شاهدتُ ما قاله المدعو "مبروك عطية" عن الحادث. 

ومبروك عطية لمن لا يعرفه  هو داعية، ومقدم برامج دينية معروف وأكاديمي مصري. وقد ولد في المنوفية عام 1958 والتحق مبكرا بالأزهر  وحصل على الدكتوراة مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة. وقد عمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر و حصل على ليسانس الشريعة والقانون شعبة الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.  

ولنا أن نتخيل أن من تعليقات الشيخ مبروك عطية على الحادث البشع هو مايلي :"الفتاة تتحجب علشان تعيش وتلبس واسع عشان متغريش، حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتكم قفة؛ لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود؛ هيشوفك إللي ريقه بيجري ومعاهوش فلوس وهيدبحك؛ ده واقع". فبدلاً من أن يتوعد مبروك عطية القاتل ومن يدعمونه بعذاب أبدي إذا به وكأنه يلوم الضحية بسبب عدم لبسها للحجاب "الإخواني"!

مشهد عبثي بكل المقاييس أن يخرج علينا مقدم برامج على إحدى القنوات التلفزيونية المعروفة ليجد مبرراً لقتل أي امرأة أو فتاة لا تلبس "الحجاب الإخواني"، والذي لم تعرفه مصر ولا شيوخ الأزهر قبل أن يطالب به حسن الهضيبي مرشد الإخوان حينما قابل الزعيم جمال عبد الناصر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي وتم انتشاره بعد "الكبوة الإسلامية" في السبعينيات، والتي حولت الإسلام من معاملة الناس بالحسنى إلى طقوس وعبادات حركية.

وقد لايدرك البعض خطورة ما قاله مبروك عطية فهو، بصورة غير مباشرة، يبيح قتل أي امرأة بسبب زيها. فالمسيحية والسائحة الأجنبية وغير المحجبة والمحجبة التي لا تلبس "قفة" في نظره يصبحن أهدافاً مشروعة للقتل إن لم يرتدين "الحجاب الإخواني"!

وما قاله هذا الرجل، والذي تتبرأ الرجولة من أمثاله، هو تهديد لكيان المجتمع وإضرار بالأمن القومي وكينونة الدولة. ولكن الرجل يشعر بالأمان من العقاب فهو لا يتوقع أن يسجن بسبب ما قاله، لأنه كما يراه الكثيرون لم يجرم كما أجرمت فتيات الـ "تيك توك" بالرقص على الموسيقى أمام الكاميرا! فهو فقط يبرر ذبح البنات والنساء في مصر لا أكثر من ذلك ولا أقل! وأقول ذلك على سبيل التهكم على ما أراه من بشاعة لا يصفها إلا تعبير القرآن "أسفل سافلين"! 

ووسط هذا الظلام الحالك رأيت أيضاً أعلى "عليين" وومضة ضوء في رد فعل الكثيرين مثل المحامية الرائعة، نهاد أبو القمصان، والكاتبة، سحر الجعارة، والعديد من الناس الذين انتفضوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التليفزيون للمطالبة بمحاكمة "مبروك عطية" وأمثاله من دعاة التطرف والظلم والكراهية!   

وللحديث بقية!   

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.