متظاهر يرفع العلم العراقي قرب جسر الأحرار وسط بغداد
متظاهر عراقي يرفع العلم العراقي خلال احتجاجات سابقة.

يصف صاحبي، وهو العارف في دواخل بيوتات العراق الدينية والسياسية، كيفية معالجة الطبقة السياسية لأزماتها المتراكمة منذ انتفاضة تشرين وإلى الآن بأنها أشبه برقع الخروق، فمما لا شك فيه أن رقعة العراق السياسية أو الجغرافيا الوطنية لدولة العراق تعاني منذ 9 نيسان 2003 خروقات سياسية لم يعد يمكن ترقيعها.

فعليا تحول العراق منذ سقوط نظام صدام حسين إلى رقعة شطرنج تعج ببيادق مدججين عقائديا وعسكريا، وملوكا يفوق عددهم حاجة الحكم، يملكون قلاعا وخيولا وإمكانيات تمنحهم قدرة الحفاظ على مواقعهم بعيدا عن نتائج الانتخابات أو التسويات الداخلية أو الخارجية، وحماية مكاسبهم من الثروات، والأهم أو الأخطر أن فكرة فائض القوة لدى بعضهم دفعتهم إلى الاعتقاد أن خيار استخدام القوة لم يعد مستبعدا ولا مشروطا.

الأخطر في رقعة الشطرنج العراقية أن عدد اللاعبين الخارجيين تقلص جدا، فيما ازداد عدد اللاعبين المحليين الذين باتوا محترفين أيضا، فمنهم من أعلن شبه انفصال عن مدارس تاريخية في الشطرنج، أو في بعض الأحيان يتمرد على خططها أو لا يأخذ بنصيحتها، حتى لو كانت مدرسة تاريخية خاضت مباراة كبيرة على المستوى الإقليمي بالعام والعراقي بالخاص.

في عراق ما بعد التشرينين (الانتفاضة والانتخابات) لم يعد ممكنا حصر الأزمة بالصراع على السلطة، وتأجيل البحث في أزمة النظام والمكابرة في تأخير الاعتراف بعدم إمكانية استمراره، والأرجح ان هذا الإنكار سببه محاولة تجنب تحمل مسؤولية فشل نظام 2003.

والسؤال الذي سيطرح نفسه مباشرة عن أهلية بعض ممن كانوا في السلطة، لذلك فإن معضلة العراقيين أن التمسك بالنظام الحالي بهذا الشكل دون إجراء بعض الاصلاحات المرحلية أو التهديد باستخدام القوة للدفاع عنه بات خطرا على مستقبل العراق وتماسك مكوناته ووحدته.

في التعثر العراقي الأخير بات واضحا أن محاولات الطبقة السياسية إعادة ترتيب السلطة على شكلها السابق مستحيل، فمن رفض رفضا كاملا الذهاب إلى أغلبية حاكمة واقلية معارضه وأصّر على التمسك بالتوافقية، يواجه اليوم نفس المأزق الذي صنعه لغيره، فحتى بعدما أمسك بزمام المبادرة وقرر انتهاز فرصة تاريخية وتعويض خسارته الانتخابية واستثمار خروج التيار الصدري من السلطة  التشريعية ، بدأت آماله تتراجع ويتضح له يوما بعد يوم بأن ما اعتقد انها فرصته باتت ثقلا ومسؤولية وقد تتحول إلى كابوس.

هذا الأمر يتطلب مراجعة سريعة من الذين تعاملوا باستسهال مع خروج الصدر البرلماني وليس السياسي واعتقدوا أنهم قادرون على ملء الفراغ، وبأن حيازة السلطة التنفيذية قاب قوسين أو أدنى، وأن حكومة قوية قادرة على التصدي لكل المعترضين، حتى لو كانت هناك كلفة باهظة في الأرواح.

عمليا تتحمل الطبقة السياسية الشيعية النسبة الأكبر من أزمة النظام، كونها تشكل الأغلبية القابضة على الدولة والثروة، كما أن الأزمة بين مكونات الأغلبية تمر بامتحان عسير، فلا الإطار التنسيقي قادر على المضي قدما في مشروعه نتيجة أعطاب عديدة في تركيبته وفي علاقته بباقي المكونات، والتيار الصدري ليس مفهوما بعد كيف سيعوض انسحابه من البرلمان، وهل سيعطي خصومه كل هذه المنح مجانا أم أنه سيحولها إلى محن!

والمحن هنا ستكون مسؤولية الجميع لأن عدم القدرة على تقديم تنازلات شجاعة وعدم التواضع في وضع الشروط والمطالب من كلا الطرفين قد يؤدي الى فوضى يليها عنف يتبعه اقتتال داخل الجماعة الواحدة وينتهي بحرب أهلية، لذلك فإن استمرار الحال على هذا الحال من المحال، حتى لو توافقوا على إبقاء الأمور كما هي عليه الآن لأطول فترة ممكنة.

في واحدة من خلاصات فشل اللاعبين المحليين على رقعة الشطرنج العراقية أن الطرف المستعجل تشكيل الحكومة ليس في الموقع الأقوى، أما الطرف الذي اختار المعارضة لم يزل يملك كثيرا من أوراق القوة، لذلك فإن الطرف الأول أمام معضلة أن تسمية رئيس الوزراء منفردا ستفجر الأزمة، وهذا ما يرفضه الداخل والخارج، أما الطرف الثاني المعارض فيرى أن البقاء بلا حكومة سيعمق الأزمة، لذلك قد يكون الحل بالكاظمي بهدف تأجيلها، ولضبط الفوضى والحد من نزاعات ملوك الرقعة. 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.