من المقال: "لماذا كل هذا الإصرار على إلزام المرأة تحديدا بلباس معين؟"- صورة تعبيرية
صورة تعبيرية لامرأة مسلمة محجبة

لماذا كل هذا الهوس بلباس المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإلى الدرجة التي قد يصبح فيها مسألة حياة أو موت في بعض الأحيان؟ يمكن بالطبع طرح هذا السؤال بأشكال مختلفة وبحسب كل مجتمع، لكن الإجابة في الغالب لا تخرج عن اثنتين: إما الدين أو العادات والتقاليد.

ولو ذهبنا أبعد في السؤال كي نقول لماذا يهتم الدين مثلا كل هذا الاهتمام بلباس المرأة؟ ستأتي الإجابة في الغالب بأنه لحماية المرأة نفسها!

ولكن حمايتها ممن؟ والإجابة هي من الرجال الأجانب عليها. وإذا صدقنا ذلك ألا يعني هذا أننا نتهم هؤلاء أو نصف المجتمع بأنه عديم الأخلاق وغير منضبط ولا هم له ولا شغل سوى ملاحقة النساء اللواتي لا يلتزمن باللباس "الشرعي"!

ورغم أن المشكلة في هذه الحالة سوف تبدو أنها مشكلة الرجال وليس مشكلة المرأة، مع ذلك فإن هذا هو آخر ما يهتم به هؤلاء.

ويمكن بالطبع توسيع دائرة الأسئلة كي تشمل سؤالا من قبيل: ما هي الكارثة التي يمكن أن تحدث لمجرد أن تكشف امرأة شعرها أو جزءا من جسمها؟

هل سيغضب الإله في عرشه مثلا أو تهتز أركان الدين أو يتدمر المجتمع؟

لا شيء من ذلك سوف يحدث أو يفترض ألا يحدث شيء من ذلك. مع هذا فإن رجال الدين ووكلاءهم يصورون الأمر كما لو أنه زلزال مدمر سوف يضرب الجميع، وهناك من تأخذه الحماسة إلى درجة المبالغة بحيث يرجع جميع المصائب والمشاكل الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية إلى لباس المرأة وما تظهره أو تخفيه!

لذلك يظل السؤال قائما وهو لماذا كل هذا الإصرار على إلزام المرأة تحديدا بلباس معين والاستثمار في ذلك بطرق يستخدم فيها الترغيب والترهيب والعنف اللفظي والجسدي والتوعد بالعذاب والجحيم الأخروي؟

لا شك أن للدين دورا كبيرا وسلبيا في تأصيل المكانة الأدنى للمرأة، وتحفل النصوص الدينية التي تعود لما يعرف بالديانات الإبراهيمية أو "السماوية" عموما بكم هائل من الأقوال والفتاوى والأحاديث والمواقف التي تقيد حقوق النساء وترسخ دونيتهن في المجتمع وتعمل على إخضاعهن بكافة الطرق والوسائل.

على أن الدور الأكبر هنا يبرز في تشيئ المرأة، أي جعلها شيئا يمكن التحكم به وتحديد مصيره والتدخل في كل شأن من شؤون حياته. (أنظر مثلا العديد الكبير من المؤلفات الخاصة بأحكام النساء وفقه النساء).

ومن الطبيعي والحالة هذه أن يكون جسد المرأة ولباسها هو أحد العناوين البارزة لهذه السيطرة. وليس من باب الصدفة الإصرار في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية على توحيد زي النساء (يسري ذلك على الرجال أيضا في بعض الأحيان وإن خلت منه صفة الإجبار). والهدف من ذلك هو القضاء تماما على أي تمايز أو فردانية للمرأة والتعامل مع جميع النساء كما لو أنهن امرأة واحدة. وقد تكون فكرة الزي الموحد في المدارس هي إحدى نتاج هذه العقلية.

وعلى هذه الأسس طورت بعض المجتمعات مفاهيم الشرف والعار وربطها بالمرأة. فالحديث هنا يدور حصرا عن جسد المرأة الذي يفترض في الحالة الطبيعية أنه ملك لها وحدها، ولكن في حالتنا هذه فهو ملك للأسرة وللمجتمع! وبحيث تظل للدين أو رجل الدين تحديدا الكلمة الفصل في ذلك.

وقد يستغرب الإنسان من ظاهرة أن العديد من النساء في مجتمعاتنا لا يقبلن فقط بهذا الدور الذي رسم لهن، ولكنهن يدافعن عنه أيضا في بعض الأحيان!

وتفسير ذلك قد يبدو ظاهريا أنه يعود إلى القناعات الدينية، ولكن السبب الأعمق هو رغبة هؤلاء النساء في التماهي مع قيم المجتمع والابتعاد عن التصادم معه أملا في تحقيق بعض المكاسب أو درءا للمتاعب التي قد يجلبها التمرد على النظام الذكوري القائم على الدين والمنظومة السياسية.

واختصار القول هو إن كل هذا الهوس بلباس النساء، سواء كان ذلك غطاء الرأس أو الجسد، ومهما اتخذ له من تبريرات دينية أو اجتماعية، فإن له هدفا واحدا لا يتغير وهو إحكام السيطرة على المرأة وإبقاؤها ضمن الحدود التي يستطيع الرجل من خلالها التحكم فيها. والمؤسف أن الإنسان لم يكتف فقط بالمسائل الاجتماعية والدينية لتبرير ذلك وإنما أشرك وورط حتى الإله نفسه في هذا العمل غير الأخلاقي.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.