"ما يلفت النظر بداية، الاعتراف أن النشيد ليس دينياً خالصاً. بل هو فعل سياسي"- تعبيرية
"ما يلفت النظر بداية، الاعتراف أن النشيد ليس دينياً خالصاً. بل هو فعل سياسي"- تعبيرية

لم أكن أنوي أن أكتب عن أنشودة "إمام زماني، سلام يا مهدي"، التي أثارت حفيظة الرأي العام اللبناني. كان لدي مشروع كتابة آخر. كما وسبق لي أن علّقت في مناسبات عدة على معنى "غسل أدمغة التلاميذ" في مدارس المهدي وغيرها. لكن لفتني تعليق الصحافي في جريدة الأخبار، حسن علّيق، الذي تم تداوله على الواتس أب، وسوف أعلّق عليه بما أوحت لي به قراءته من دلالات حول، وضع بيئة الحزب ووظيفة الأنشودة، وبالتالي وظيفة تدين المقاومة الإسلامية ومن خلفها إيران.

ما يلفت النظر بداية، الاعتراف أن النشيد ليس دينياً خالصاً. بل هو فعل سياسي لمجموعة لا تضع حدوداً فاصلة بين الدين والسياسة، زاعماً أن جذورها تعود الى 14 قرناً ماضية - مع أن التشيع التقليدي الذي يستخدمه كمرجعية أقام حدوداً فاصلة بين الدين والسياسة، وهذا الفصل قائم على فكرة "انتظار المهدي" الذي سيقيم العدل على الأرض - فكيف يستند إلى مرجعية ينقضها؟ وباعترافه، أنه تعبير عن "هوية جديدة تبدو في طور الولادة!!".

ويستمر في هذا "المنطق" الـ Absurde، فيرجع ولادة هذه الهوية الجديدة التي يبشرون بها إلى السيد موسى الصدر. ونعلم جميعاً خطأ هذا الادعاء بالذات. فبينهم وبين الصدر وورثته التقليديين أو الشرعيين لا يوجد "حيط عمار"، ومهما ارتكبت حركة أمل من موبقات لبنانية المرجع. عدا عن أن إيران متهمة، من عدة مصادر، بجريمة اختفاء الإمام الصدر في ليبيا. فشو "عدا ما بدا" كي يصبح الآن مرجعيتهم؟ فحتى السيد نصرالله "تذكّر" مؤخراً الأئمة والمشايخ الشيعة التقليديين من آل شرف الدين وغيرهم إلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد فضل الله الذي تعرّض لمحاولة اغتيال في عقر دارهم!! وهم كانوا يشيطنون الجميع ولا مرجع لديهم سوى خميني – خامنئي!

كما أن مشروع الصدر مرّ بمراحل عدة، بدأ مقاومة وتسلّح لتحصيل حقوق اعتبرها منتقصة، وبعد تحصيلها انتهى بالاعتراف بالدولة اللبنانية وقوانينها ومواطنيتها. ولقد عين رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى من قبل الدولة اللبنانية، أي بقانون لبناني وليس إيرانياً! وإذا بحثنا عمن شكّل استمرارية لنهج الصدر سنجده عند الشيخ شمس الدين الذي لا يعترف بولاية الفقيه ويقول "بولاية الأمة على نفسها". فمن أين جاؤوا بانتسابهم الى الصدر ونهجه؟  

والشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي أصبح "رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى"، والمسؤول عن سياسته و"إيديولوجيته" إذا أمكن القول، كان على خلاف كبير مع حزب الله وسياساته، مثله مثل السيد فضل لله وإن بشكل متقطع بالنسبة للأخير. وشمس الدين دعا اللبنانيين الشيعة إلى التمسك بعروبتهم ووطنهم وبحدود دولتهم. فكيف ينتمون إلى الصدر والتشيع التقليدي فيكتب: "هذا النشيد هو فِعل سياسي لجماعة من الشيعة شديدة التمسك بأوطانها وفق تقسيمات ما بعد الاستعمار، لكنها في الوقت عينه لا تعترف تماماً بالحدود"!

هل من يفسر لنا هذا النص الإعجازي؟ كيف يتمسكون بأوطانهم، أي بالدولة الوطنية بحسب التقسيم الاستعماري، بما يعنيه ذلك من احترام لسيادتها وحدودها ودستورها، وفي نفس الوقت لا يعترفون بحدود تلك الدول؟ هل الجماعات تقفز في العادة عن الحدود مع سلاحها لتقاتل داخل حدود دول وطنية أخرى تلبية لأوامر مرجعية أجنبية، رغم اعتراض، لنقل نصف الشعب، وبدون موافقة حكوماتها؟  

فكيف "تتمسك بأوطانها" إذن؟ وأين نصرف وطن ووطنية وشعور وطني في هذه الحالة؟؟؟

لكن يبدو أن هذا الدفاع غير المتماسك عن وسيلة إضافية لغسل الأدمغة والإمعان في حفر مأزقهم، نجدهم يبحثون عن غطاء أمام جمهورهم المتململ، كما اللبنانيين بأسرهم، من اتباع سياسات تعطّل الدولة وتسرّع بانهيارها على حساب مستقبل وأمن المواطن الصحي والغذائي والتربوي، الذي يعيش كما نزيل المعتقلات.

لماذا؟ لأن التعطيل والتصعيد ومنع قيام الدولة اللبنانية، يخدم مصلحة إيران، بانتظار ما ستسفر عنه المباحثات الأميركية - الإيرانية.

وأطمئن من يعتبرني "معادية لحزب الله" أن زعم التململ والرفض ليس من عندياتي، بل ينبهنا اليها الصحافي نفسه، عندما ينهر المعترضين من بيئة الحزب: "هذا النشيد هو فعل سياسيّ لجماعة مُقاتِلة، ترى نفسها والعالم بعين دينية - سياسية. هذا نشيد سياسي. وهذه السياسة هي مكوّن أساسي من مكوّنات هويتكم. فلماذا يخجل البعض كلما قال أحد "إنكم تُدخلون السياسة في عقول أطفالكم"، ويردّون تبريراً: لا هذا ديننا".

معنى ذلك أن البيئة التقليدية لا تقبل خلط الدين والتدين بالسياسة، خصوصاً عندما تكون هذه السياسة مستتبعة لإيران المتصفة بالعداء التاريخي للعرب والعروبة. وهذا ما يؤكده نصرالله نفسه عندما يطلق صفات الهزء والسخرية: على البدو والعاربة إلى ما هنالك!!

يتابع الصحافي: "أجيبوه بأن بلى، هذه سياستنا، وهي ديننا، ونسقيها لأطفالنا من لحظة يولدون، ونعلّمهم الافتخار بهويتهم وطقوسه"!. الفكرة هنا أن "سياستهم دينهم" وليس العكس. الدين مجرد مطية لهم للسيطرة. رحم الله جلال الدين الرومي الذي علمنا "أن غاية الدين السيطرة على النفس، وليس على الآخرين".

أما الفقرة التي تشير إلى احتقار الجمهور والاستهانة به، فالتأنيب والجزر: "وقاحة بعض السفهاء وصلت إلى حد استعدادهم للاحتجاج على مشاركة الأطفال في الصلاة، إذا كان إمام الجماعة يدعو لمقاومة الأعداء".

يبدو أن هذه الجماعة المتدينة التقليدية شبعت من انتحالهم صفة التدين وصفة "مقاومة الأعداء" وهم لم يروا من نتائج تهديدات العدو، سوى الفلتان الأمني والفوضى والذل، والجوع والمرض والعتمة. فلم يتبق أمامهم سوى التهديد والوعيد، فهو يكتب محذراً بوصف جماعته: "تمارس السياسة بعقلانية مفرطة، وبجنون متى رأت أن السياف قد عاد ليحصد بقية السيف".

وكأنه يقول إن على اللبنانيين والشيعة التقليديين انتظار حفلات جنون قادمة؟ 

سألتني المذيعة في مقابلة على قناة العربية الحدث، التي يسميها إعلام الممانعة "العبرية"، كيف يمكن للأهل أن يقاوموا عملية غسل الأدمغة هذه؟ لأنهم بالطبع عاجزون عن استبدال تلك المدارس في ظل الانهيار القائم. الإجابة بالتصرف مع الأولاد كما نفعل أمام فيلم يحتوي عنفاً او مشاهد غير بريئة ولا نريدهم التأثر بها. نقوم بمواكبتهم ونشرح لهم أن هذا تمثيل وأنه غير صحيح أو حقيقي. فأئمتنا عرب مركزهم النجف، وليس قم، فلا الخميني ولا الخامنئي هم مرجعياتنا، ولا قاسم سليماني، وجميع قادتهم المعتبرين إرهابيين من معظم دول العالم، أو المدانين من قبل العدالة الدولية، هم أبطالنا.

يتداولون صورة على الواتس أب، عن مجموعة قردة نجحت في ان تحتل سيارة وفشلت في قيادتها، مع تعليق "السيطرة لا تعني النجاح في القيادة". وإيران كالقردة، احتلت بحسب ادعائها 4 عواصم عربية، وهي الآن من أفشل وأفقر دول العالم. كإيران نفسها.

وعلى عموم اللبنانيين والشيعة، من غير الحزبللاويين، إعمال الفكر والوقوف مع الحق وإلى الجهة الصالحة من التاريخ.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.