مسجد ابن طولون التاريخي في العاصمة المصرية القاهرة- صورة تعبيرية
مسجد ابن طولون التاريخي في العاصمة المصرية القاهرة- صورة تعبيرية

من الإبداعات العلمية التي أثرت في تاريخ العالم اكتشاف النظرية النسبية التي جاءنا بها عالم الفيزياء الشهير ألبيرت آينشتين.

والسؤال الذي جاء في خاطري وله علاقة بهذا الأمر هو هل نسبية الأشياء تقف فقط عند حدود الفيزياء والكون أم أن مبدأ  أو فكرة  النسبية قد يتم تطبيقه أو تطبيقها أيضا في الدين أو على الأقل في فهم الدين؟ 

وببحث عميق في أمور الدين نجد أن العديد من الأمور في الدين كانت ولم تزل نسبية وليست أمورا مطلقة.

وهناك أربعة أسس لوجود فكرة نسبية الأشياء حتى في أمور الدين والفكر الديني.

أولا: أقر القرآن في أكثر من آية بأن آيات الله بها الأحسن والأقل حسنا تبعا للظروف المحيطة والواقع. وبذلك فتح القرآن الطريق أمام نسبية آياته. فكما ذكرنا بها آيات أفضل أو أحسن من آيات أخرى. وكان نص القرآن في هذا الأمر واضحا جليا في قوله تعال "وٱتبعوٓا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم ٱالعذاب بغتة وأنتم لا تشعرون" (سورة الزمر آية 55)، وقوله جل وعلا لموسى عليه السلام" وكتبنا له فى ٱالألواح من كل شيءٍۢ موعظة وتفصيلا لكل شيءۢ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ۚ" (سورة الأعراف آية 145). والآياتان توضحان قبول القرآن لفكرة النسبية في آياته بأن يتبع الإنسان الأحسن منها أو بمعنى آخر ما يناسب عصره وظروفه المحيطة. ولو كان الأمر مطلقا لما سمح القرآن بهذا الاختيار. فالآية التي تكون أحسن في ظرف ما قد تكون أقل حسنا – ولا أقول أسوأ- في ظرف آخر.

ثانيا: اختلف الأئمة الأربعة في أمور هامة قد يظنها البعض أمورا مطلقة مثل تحريم الخمر. فعلى سبيل المثال لا الحصر أباح الإمام أبو حنيفة شرب النبيذ طالما لم يصل الإنسان لدرجة السكر (بالسكون على الكاف) أي ذهاب العقل. وعلى النقيض من ذلك فقد حرم فقهاء آخرون شرب الخمر كمبدأ عام حتى لو لم يصل الإنسان لدرجة السكر. وشتان بين الرأيين فالأول يبيح شرب النبيذ والثاني يراه جرما يعاقب فاعله بالجلد ثمانين جلدة. وإن رأينا هذا الأمر في اختلاف الفقهاء بعمق لعلمنا أن أمورا كثيرة في الدين ليست أمورا مطلقة وأنها خاضعة لنسبية الفهم البشري ومنها كما ذكرنا تحريم شرب الخمر.

ثالثا: ويأتي بعد ذلك مثال من العصور الحديثة في عصرنا الحالي، فبعد أن حرم الأزهر القهوة والطباعة والتعامل مع البنوك، والتي أسماها "البنوك الربوية" اصبحت كل هذه الأمور الآن حلالا في نظر الأزهر!

ولنا هنا أن نتساءل هل كان الأزهر مخطئا حين حرم هذه الأمور أم أنه كان مخطئا حينما قال أنها حلال؟ أم أن الأمر أو فهم الدين "نسبي" تبعا لظروف الزمان والمكان!

رابعا: يعطينا القرآن الكريم بعدا آخر لنسبية فهم النصوص الدينية بإقراره مبدأ قبول العرف، والذي قد يفهمه البعض على أنه العرف العالمي ومواثيق حقوق الإنسان! فالقرآن يقر بوضوح في سورة الأعراف بهذا المبدأ كما جاء في الآية الكريمة "خذ اٱلعفو وأمر بالعرف"، سورة الأعراف آية 199.

وباختصار شديد، فإن النظرة للدين والمفهوم الديني على أنه شيء مطلق هي نظرة قاصرة. فآيات القرآن الكريم واختلاف الفقهاء الشديد في أمور هامة وتغيير مواقف الأزهر في التحليل والتحريم عبر العصور، وقبول القرآن لمبدأ "العرف"، الذي يتغير من مكان لآخر ومن زمان لأزمنة أخرى هي أمور تؤسس لمنهج نسبية الدين أو نسبية الفهم الديني وتتعارض بشدة مع جعل الدين أمرا مطلقا غير قابل للتغيير أو التجديد.  

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.