Supporters of the Coordination Framework, a group of Shi'ite parties, gather during a sit-in, amid a political crisis, near the Green Zone, in Baghdad
من المقال: "منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل نحو تسعة شهور والمكاسرة السياسية مستمرة"- تعبيرية

المشهد العراقي يبدو قاتما، وبلا أفق سياسي، والجسور التي شيدتها المصالح، وتقاسم السلطة في السنوات الماضية بين حلفاء الأمس، وخصوم اليوم احترقت، وآيلة للسقوط.

منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل نحو تسعة شهور والمكاسرة السياسية مستمرة، والعملية السياسية مجمدة، والبحث عن تفاهمات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه يسير في طريق مسدود.

السؤال المقلق في العراق اليوم، وهناك من يضع يده على الزناد، هل يمكن أن يتصالح المتخاصمون ويجلسوا على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول؟ أم أن المكاسرة السياسية التي انتقلت إلى الشارع ستفتح باب جهنم على صدامات مسلحة، بعد أشهر من التحريض والحقن المتبادل؟

لا توجد إجابات حاسمة وقاطعة، والمراقبون للداخل العراقي يعتقدون أن ما يحدث ليس سوى استعراض للقوة، ومعركة عضّ أصابع لتحقيق مكاسب سياسية، وجس النبض للوصول إلى تنازلات وتسويات سياسية.

"توازن الرعب" بين التيارات المتصارعة؛ التيار الصدري بنفوذه الكبير في الشارع والأسماء الكثيرة والمتعددة لميليشياته، والإطار التنسيقي بتنوع عناوينه وأسماء زعمائه وقاعدته العسكرية وعمادها الحشد الشعبي، يوحي أن الأمور لن تصل حد الانفلات، فالأطراف كلها ستكون خاسرة، والبيت الشيعي سيتهاوى من الداخل، والعملية السياسية برمتها ستنتهي، وسيدخل العراق في نفق مظلم، وهذا ما لا يريده جيران العراق، حتى من يعبث باستقلاليته وقراره، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يصمت حياله أو يغض الطرف عنه.

صعد المتخاصمون في العراق إلى أعلى الشجرة، وحان الوقت لينزلوا عنها، الزعيم مقتدى الصدر لا أعتقد أنه كان يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وكان يريد التصعيد ليقطف الثمار، لا التصعيد ليجد نفسه خارج البرلمان، وخارج اللعبة السياسية، ويرى خصومه قد أداروا ظهرهم له، وعلى استعداد للمضي في العملية السياسية بدونه، ويقومون بحشد جاد لعقد جلسة لثلثيّ البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس للوزراء، ولهذه الغاية يحاولون استمالة، وتغيير مواقف الأكراد، والسنة المؤيدين للتيار الصدري، والذين يدعمون مطلبه بضرورة حل البرلمان، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

جرب مقتدى الصدر في الأشهر الماضية كل شيء؛ حاول تغيير التحالفات داخل البرلمان، سعى لاستقطاب المستقلين، ثم لوّح باستقالة نوابه في البرلمان، وحتى لا يُتهم بالكلام والمقايضات، استقال نوابه وانتقل إلى الشارع ليفرد عضلاته الشعبية في السيطرة على البرلمان والمرابطة في المنطقة الخضراء في عصيان وتمرد على الدولة التي يراها عنوانا للفساد.

طلب الصدر من مجلس القضاء حل البرلمان، فأجاب أنه لا يملك الصلاحية لفعل ذلك، وأنه يريد أن يظل خارج الصراعات السياسية.

"الفرصة الأخيرة" هذا عنوان المسيرة المليونية التي دعا لها الصدر من ساحة التحرير إلى ساحة الاحتفالات بالمنطقة الخضراء، وعنوان المظاهرة فيه وعيد وتهديد لخصومه، والمجهول حتى الآن ماذا بعد المسيرات والاحتجاجات؟

لا يبدو "الإطار التنسيقي" بحال أفضل بكثير، فهو استنزف كل محاولات الشد والجذب، ويدرك أن مقتدى الصدر ليس وحده، وهناك مكون رئيسي؛ كردي وسني داعم له بالداخل العراقي، وفي الخارج هناك من ينظرون له باعتباره مخلص العراق من التبعية لإيران.

لم يترك "الإطار التنسيقي" الملعب للتيار الصدري لينفرد به، يلاحقونه في الشارع يتظاهر ويحتل البرلمان، فينصبون خيمهم في مكان ليس ببعيد، يهدد بالتصعيد فلا ينتظرون ويباشرون هم بالتصعيد أيضا، وأثناء هذه المناوشات يجدون الوقت لزيارات إلى كردستان لعلهم يحدثون اختراقا في صفوف تحالف الصدر مع الكرد.

حتى اللحظة لا يقبل الإطار التنسيقي، الذي يقوده نوري المالكي، أن يفرض الصدر أجندته السياسية على الجميع، ولهذا فهم متمسكون بموقفهم من رئاسة الجمهورية، ورشحوا محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، وهي القشة التي قصمت ظهر العلاقات مع الصدر، وحين استقال نواب التيار الصدري لم يفوتوا الفرصة لتعبئة المقاعد البرلمانية، ليصبحوا، حسب رؤيتهم، الكتلة النيابية الأكبر.

الإطار التنسيقي كان، وما زال، يريد حكومة ائتلافية بين القوى السياسية تُعيد إنتاج التوازنات الطائفية، ولا تُخل بها، والصدر يرى أنه الأجدر بتشكيل حكومة أغلبية بعيدا عن المُحاصصة التي اُتبعت منذ سقوط نظام صدام حسين، وتُغازل في الوقت نفسه شعارات حراك تشرين.

الإطار متمسك بالمضي بالعملية السياسية؛ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس للوزراء، والصدر يسير بالاتجاه المعاكس، ويريد حل البرلمان، وانتخابات مبكرة، وما بين هذا الضجيج المحفوف بالمخاطر يبقى الأمل والرهان على قرار المحكمة الاتحادية لعلها تقول الكلمة الفصل، فتقطع الطريق على صراع قد ينفجر في أي وقت، وتُلزم الجميع بالعودة إلى ثكناته.

وبالتوازي فإن شيفرة أخرى للحل بدأت تنمو، وتتضح ملامحها، ويُشيع مقربون من دوائر السلطة أن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أوشك على ترتيبات تنزع صاعق الانفجار، وتُعيد التهدئة والهدنة.

وفي التفاصيل أن الكاظمي شارف على اتفاق الفرقاء على البدء في حوار مباشر برعاية الحكومة، وهذا قد يُنتج اتفاقا على رئاستي الجمهورية والوزراء، على أن يستمر البرلمان الحالي لعامين، ويحسم الحوار موعدها، وقانونها، والمفوضية التي ستُجريها.

الإطار التنسيقي، على ما يبدو، أبلغ الكاظمي بالموافقة على الحوار، والصدر حتى الآن لم يقل كلمته، والأرجح أنه لن يقاطعه.

الأبواب المغلقة يبدو أنها فُتحت وأصبحت مواربة، والكاظمي إن نجح في احتواء الاحتقان وإيجاد حل توافقي، لن يمنع الانفجار فقط، وإنما سيُعيد تأهيل نفسه، ويُقدم أوراقه كلاعب رئيسي يحتاج له الداخل والخارج.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.